تلفزيون نابلس
فيلمٌ وثائقيٌّ إسرائيليٌّ يكشِف شهادات مُروِّعة ومُفزِعة لمئات جنود الاحتلال ضدّ الفلسطينيين بالضفّة والقطاع
12/14/2019 8:19:00 AM

 تتبجّح الدولة العبريّة بمُناسبةٍ أوْ بدونها، على لسان أقطابها من المُستويين السياسيّ والأمنيّ، تتبجّح بأنّ “جيش الدفاع الإسرائيليّ هو الجيش الأكثر أخلاقيّةً في العالم”، مُتجاهِلةً عن سبق الإصرار والترصّد الجرائم التي ارتكبها هذا الجيش وما زال، منذ إقامة كيان الاحتلال على أرض شعب فلسطين في أقذر وأبشع جريمةٍ في التاريخ، وذلك في النكبة المنكودة عام 1948، هذه الجرائم التي أدّت إلى مقتل وجرح عشرات الآلاف من أبناء وبنات الشعب العربيّ-الفلسطينيّ، ولكن بما أنّه لا يُمكِن إخفاء أيّ شيءٍ تحت الشمس، فإنّ الإعلام العبريّ، يقوم بين الفينة والأخرى ببثّ أفلامٍ وثائقيّةٍ-استقصائيّةٍ عن “بطولات” جيش الاحتلال، وتحديدًا في الضفّة الغربيّة المُحتلّة، وأيضًا قطاع غزّة، الذي كان وما زال مُحتلاً، وهذا ما حدث مع القناة الـ11 بالتلفزيون العبريّ، التابِعة لهيئة البثّ العامّة، شبه الرسميّة، والتي عرضت فيلمًا وثائقيًا عن مُمارسات الوحدة التي كان يُطلَق عليها اسم “وحدة عقرب”، والتي نشِطت خلال الانتفاضة الأولى قبل 32 عامًا.

الفيلم، الذي استمرّ أكثر من ساعةٍ من الزمن، شمل فيما شمل مقابلات وأحاديث مع عددٍ كبيرٍ من الجنود، الذين شاركوا في العمليات التي نفذّتها الحدة في المناطق الفلسطينيّة المُحتلّة خلال الانتفاضة الأولى، انتفاضة الحجارة، حيثُ اعترفوا وأقّروا بأنّهم، حسب تعبيرهم، كانوا يُطلِقون النار على الفلسطينيين دون سببٍ، كما أنّهم، بحسب أحاديثهم، درجوا على القيام بعملياتٍ تقشعّر لها الأبدان ضدّ المُواطنين الفلسطينيين العُزّل دون أيّ سببٍ يُذكر، هكذا القتل لمُجرّد القتل، وإطلاق النار لترهيب الفلسطينيين، حتى أولئك الذين لم يُشارِكوا فيما يُسّمى إسرائيليًا بـ”أعمال العنف”.

واللافِت أنّ أفراد الوحدة، الذين تحدّثوا لمُعدّي الفيلم الوثائقيّ، أدلوا بشهاداتهم دون أنْ يقوموا بإخفاء وجوههم، كما أنّهم تحدّثوا مع أسمائهم الكامِلة، وسردوا “بطولاتهم” بشكلٍ مُسهبٍ، وكأنّ الحديث يجري عن ذبح دجاجةٍ، وليس عن قتل أناسٍ أبرياءٍ لم يرتكبوا أيّ ذنبٍ، سوى أنّهم ينتمون للشعب العربيّ الفلسطينيّ، الذين ثاروا على الظلم وعلى الاحتلال الغاشِم، فكان الردّ بالرصاص الحيّ من قبل “الجيش الأكثر أخلاقيّةً في العالم” (!)، وعلى الرغم من اعترافهم الصريح بارتكابهم الجرائم البشِعة، إلّا أنّ المسؤولين عنهم في جيش الاحتلال، لم يتخذّوا ضدّهم الإجراءات القانونيّة، كما هو متبعٍ في أيّ دولةٍ بالعالم، والأخطر من ذلك أنّ أحد الجنود اشتكى خلال حديثه للفيلم الوثائقيّ بأنّه جرّاء خدمته في هذه الوحدة أُصيب بمرضٍ نفسانيٍّ يُسّمى باللغة الإنجليزيّة (Post-Trauma)، مُضيفًا أنّه عندما توجّه إلى وزارة الأمن للحصول على تعويضاتٍ، تمّ رفض طلبه من قبل مسؤول مظالم الجنود لأنّهم أكّدوا له على أنّهم لم يسمعوا من ذي قبل عن هذه الوحدة، على حدّ تعبيره.

في السياق عينه، لم يتّم التطرّق من قبل مُعدّي ومُنتجي الفيلم، لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ إلى قضية المسؤولية الشخصيّة لكلّ جنديٍّ من الجنود الذين خدموا في الوحدة المذكورة، وارتكبوا الجرائم بأوامر من الضبّاط المسؤولين عنهم في جيش الاحتلال، وذلك على الرغم من مرور أكثر من ربع قرنٍ على تنفيذ الجرائم القذِرة بحقّ الفلسطينيين العُزّل.

ووفقًا للشهادات التي عرضها الفيلم الوثائقيّ بالتلفزيون العبريّ فإنّ جنود الوحدة المذكورة، أيْ وحدة العقرب، ارتكبوا فظائع بحقّ المدنيين الفلسطينيين العُزّل منها على سبيل الذكر لا الحصر: إطلاق النار بدون أيّ سببٍ ولجميع الاتجاهات دون أنْ يتخذّوا الاحتياطات اللازِمة لعدم إصابة “غير العنيفين”، أعمال وحشيّة يندى لها الجبين ضدّ الجرحى الفلسطينيين جرّاء أطلاق النار عليهم من قبل أفراد الوحدة، بالإضافة إلى “جباية حياة” فلسطينيين أبرياء، والأخطر من ذلك أنّ الجيش الإسرائيليّ في تعقيبه على شهادات الجنود زعم أنّهم قاموا بإطلاق النار بصورةٍ غيرُ مسؤولةٍ (!)، وأنّهم بالغوا في ذلك، على حدّ تعبيره.

وشدّدّ الفيلم على أنّ الجنود الذين انخرطوا في الوحدة المذكورة تمّ تجنيدهم من قبل جيش الاحتلال ليكونوا بمثابة “ميليشياتٍ تابعةٍ لوحدات سلاح المدفعيّة”، وذلك خلال الانتفاضة الأولى، وخلال الخدمة حاولوا أنْ يكونوا “وحدةً مُختارةً ونُخبويّةً” دون أنْ يحصلوا على التأهيل اللازِم وحتى الأسلحة، وكان واضِحًا أنّ الحديث يدور عن شهاداتٍ مُروّعةٍ، وأنّ جميع المُقاتلين، الذين خدموا في الوحدة المذكورة، عادوا وكرروا الشهادات عينها حول أعمالهم الوحشيّة، المُقلِقة والمُخيفة جدًا، والتي تقُضّ المضاجِع، والتي تركت لديهم أثارًا سلبيّة جدًا على الرغم من مرور سنواتٍ عديدةٍ على العمليات التي قاموا فيها، ومن الأهمية بمكانٍ الإشارة إلى إنّ قسمًا من الجنود أدلى بأقواله دون تردّدٍّ ودون وازع ضميرٍ ولم يرتجِف البتّة خلال السرديّة المُفزعة، في حين أنّ القسم الثاني من الجنود تحدّثوا وهم يرتجِفون.

وغنيٌّ عن القول إنّ أحدًا من هؤلاء الجنود، الذين اعترفوا بارتكاب الجرائم بحقّ المدنيين الفلسطينيين، لم يُقدّم للمُحاكمة، ربمّا لأنّ جيش الكيان يبعد عن الأخلاقيات ألف سنةٍ ضوئيّةٍ، على الأقّل، وهنا يُسأل السؤال، ونُشدّد على أنّه مُوجّه على نحوٍ خاصٍّ للقيادة الفلسطينيّة: لماذا لا تُقدّم الدعاوى لمحكمة لاهاي؟ وكيف يتواصَل التنسيق مع جيشِ يحتّل أرضنا ويهتِك عرضنا ويقتل الأطفال والرجال والنساء، ونحنُ نُردِّد بأيّ ذنبٍ قُتِلوا؟


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة