تلفزيون نابلس
"روميو وجولييت" بسجون الاحتلال: بعد 16 عامًا تحرّرّ الأسير هادي ليجِد خطيبته قد بنت بيت الزوجيّة وهي تنتظِر فارِس أحلامها الذي ردّ: لم تفارقني لحظةً
8/16/2019 9:24:00 AM

 قمّة التفاني والإخلاص: بعد أنْ قضى 16 عامًا في السجون الإسرائيليّة، خرج الأسير هادي الهمشري من طولكرم ليجد مفاجأة بانتظاره. خطيبته التي غادرها إلى السجن طوال هذه السنوات بقيت في انتظاره، بل كانت تدخر له راتبه المخصص للأسرة طيلة تلك المدة، حتى اشترت له أرضًا، وبنت عليها بيتًا لهما منتظرةً عودته، وهذا ما كان.

وما لم ينتهِ ولم يكن بمقدور الاحتلال وقفه هو ذاك الحب وقصته التي حاك خيوطها الأسير المنحدِر من مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية وخطيبته شذا العلي بُعيد اعتقاله قبل 16 عاما، بأنْ كانا ضمن أولى حالات ارتباط الأسرى بزوجاتهم وهم داخل معتقلاتهم.

تحمّلت شذا ما لا تطيقه فتيات بعمرها، فاحتفلت وحيدةً بخطبتها، وكان اللقاء الدائم بخطيبها داخل معتقل تعلوه جدران إسمنتية وأسلاك شائكة عبر زيارات لم تخلُ من وحشة السجن الإسرائيليّ وقمع سجَّان الاحتلال، ومع ذلك، أوْ على الرغم من ذلك، لم تستسلم شذا لأيّ محاولاتٍ لتثبيط عزيمتها، فخاطبت هادي بعد اعتقاله تخبره بأنّها ستُكمِل دراستها الجامعيّة وتُواصِل حياتها الاعتياديّة، وذيَّلت رسالتها بعبارات تعكس وُدها وتحفظ عهدها له.

وترجمت الفتاة الثلاثينية الكلام واقعًا، فخصصت جزءًا من راتب خطيبها الأسير وشيئًا من راتبها لشراء قطعة أرض شيدت عليها بيت العمر بدعمٍ وتشجيعٍ من العائلتين، متحملةً أعباء العمل ومشقة الغياب قسرًا لرفيق الدرب، لكنها ورغم ذلك كانت تطلعه على أدق التفاصيل.

وقالت شذا، بينما كان يُقلها خطيبها المحرر بسيارته نحو البيت الجديد إنّ ارتباطها بهادي لم يكن نتيجة هوى طائش بل تفكير عميق ووقوفا لجانب أناس ضحوا بزهرة شبابهم فداء للوطن، فهؤلاء يستحقون أنْ نشعر بهم، على حدّ قولها، كما وجدت في هذا الزواج “الأمن والأمان” الذي تنشده والفتيات أمثالها مع أشخاص يقدرون قيمة الحياة مع من يضحين لأجله بأعمارهن “ويبقين على حبل الأمل موصولا”.

وأفادت وسائل الإعلام الفلسطينيّة أنّه خلال جولته داخل منزله أدرك الهمشري معنى هذه التضحية، وقال والفرحة تغمره: تحملّت شذا ما لا تطيقه الجبال، وهذا أحد معاني مساندة الأسرى فليس سهلاً أنْ تنتظر المرأة خطيبها سنوات طويلة، فكيف بمن ترهن نفسها بخطبته وهو داخل السجن، تساءل الأسير المُحرَّر.

فوق ربوة صغيرة بقرية عزبة شوفة جنوب طولكرم أقام العروسان منزلهما الذي استغرق بناؤه ست سنوات بمساحة تصل لنحو مائتي متر مربع، وجُهز بالكامل إلّا من بعض الأثاث الذي سيختارانه معًا قبل موعد زفافهما منتصف يونيو (حزيران) القادم.

وبقي العروسان ممسكين بيدهما وهما يطوفان بين غرف المنزل، تبحث شذا عن الأمان الذي انتظرته في “فارس أحلامها” ويستشعر هو “مُر الصبر والشوق” الذي تجرعه ببعده عنها، ويقول “هي لم تفارقني منذ لحظة تحرري، وصحبتها بأول زيارة للمنزل بعد تحرري بساعات”.

سرعان ما انقضت تلك الدقائق التي جمعت الخطيبين قبل أنْ يتفرقا، فهي الآن منشغلة بالتحضير للزفاف، فقد أعدت لذلك ثوبين، الأبيض التقليدي وآخر المطرز بألوان التراث الفلسطيني، وتقول بكلام مقتضب “يوم ميلادي يوم حرية هادي”.

وفي طريق العودة إلى متنزه البلدية بطولكرم حيث يستقبل الأسير المهنئين بسلامته والقادمين من كل حدب وصوب، كان يتحدث عن حكايات صمود يعيشها الأسرى وتشبه قصته، وهو خيط الأمل الذي يعيشونه.

كتب الهمشري على أولى هداياه لخطيبته وهي عبارة عن تحفة تحمل شكل قلب الحب صنعها بنفسه داخل السجن “أنت حريتي وحلمي الباقي” في حين خطت هي رسالتها الأولى له تعده بالحب والوفاء، واحتفظ كل منهما بهدية الآخر، وهما يستعدان الآن لتعليقها على شكل تحف داخل المنزل.

وغنيٌّ عن القول إنّ هذه القصّة الإنسانيّة والعديد من القصص الأخرى تؤكّد للمُحتَّل الغاشِم أنّ الشعب العربيّ الفلسطينيّ مهما تكالبت عليه الأعداء والخصوم والـ”أشقاء” والـ”أصدقاء”، سيبقى شامِخًا ومتجذِّرًا في فلسطين تمامًا كسنديان فلسطين، الذي سيستمِر في التجذّر حتى التحرير الكامل، لكلّ فلسطين، وعودة جميع اللاجئين الذين تمّ تشريدهم وتهجيرهم في نكبة العام 1948 المنكودة.


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة