تغييرات عديدة شهدتها الجزائر منذ انطلاق الحراك الشعبي في 22 فبراير/ شباط الماضي، رفضا لـ “خامسة” الرئيس المتنحي عبد العزيز بوتفليقة التي كانت ستتحول إلى واقع مفروض في الانتخابات الرئاسية التي كان من المقرر تنظيمها يوم 18 أبريل / نيسان القادم، لولا “استفاقة” الشعب، وفرضت هذه التغييرات معادلة جديدة لم يكن يتوقعها أحد، فالكثيرون كانوا يعتقدون أن الشعب الجزائري رفع يده نهائيا عن السياسية ولا يريد الحديث فيها بتاتا وأنه طلقها بالثلاث.
ورغم المنجزات السياسية الهامة التي تمكن الحراك من تحقيقها في ظرف شهرين كاملين بداية من وضعه حد لمسيرة الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة بفعل تعاظم الرفض الجماهيري وتخلي الحلفاء عنه وفي مقدمتهم الجيش، وصولا إلى تحرير عدد كبير من القطاعات العمالية ومؤسسات الدولة وأصحاب مهنة المتاعب من الضغوطات التي مارستها السلطة عليهم إضافة إلى استرجاع بعض الحقوق المدنية كحق التظاهر الذي كان محظورا في العاصمة الجزائر، إلا أن أسئلة كثيرة تطرح اليوم حول مصيره.
أسلوب الجرعات والتقطير
وحول ذلك يقول المحلل السياسي عبد الكريم تفرقنيت إن “بعض الأصوات من الحراك الذي بدأ فعليا في 22 فبراير / شباط الماضي بالمسيرات تشير أنه حق ما يقارب 50 بالمائة من مطالبه، ففي البداية كانت المطالب منحصرة في رفض ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة، وتحقق هذا المطلب بتنازل مؤسسة الرئاسة عنه وإعلان مرحلة انتقالية ورئاسيات في غضون عام لن يترشح لها بوتفليقة، رفع بعدها مطلب رفض تمديد الولاية الرئاسية الرابعة والذي تم تحقيقه أيضا وموزاه معه رفع مطلب تنحيته من الحكم بعد 20 سنة فتحقق أيضا”، ويؤكد المحل السياسي أنه “وفي هذه الفترة ظهر شعار يروحو قاع أي يرحلوا جميعا، موازاة مع تطبيق المادة 102 من الدستور الجزائري أي التمسك بالحل الدستوري للأزمة والتصلب في مواقف النظام، وأمام هذا أخذت مطالب الحراك منحى راديكالي من خلال المطالبة برحيل كل رموز النظام مع التركيز على ما يسمي بـ “الباءات الثلاثة” وهو ما تحقق برحيل أحدهم وهو رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز الأسبوع الماضي.
ويرى المحلل السياسي الجزائري عبد الكريم تفرقنيت، أن مطالب الحراك تتحقق ولكن ببطء، لأن النظام يتعامل بأسلوب الجرعات، فهو يقدم كل أسبوع “جرعة إضافية في سياق الحل”. ويعتقد المتحدث أن “المشهد يسير نحو سقوط رموز النظام واحدا واحدا أي بالتدريج وفقا للنظرية السياسية الدومينو حيث مع سقوط الحجرة الاولى تسقط الاحجار الاخرى تباعا، لكن تصلب السلطة وتمسكها بالحل الدستوري وراديكاليتها في تطبيقه بحذافيه قابلتها راديكالية الشارع في رفع سقف مطالبه بالتشديد على الحل السياسي”، ويضيف أن النظام مزال مصرا على الحل الدستوري ورغم محاولاته الى دعمه ببعض الاجراءات السياسية الغير العميقة والتي تبدو ثانوية مثل اعتماد احزاب جديدة ومحاولة توزيع الاعلانات الحكومية لوسائل الاعلام الخاصة بطريقة مختلفة عما سبق، إلا أن الشارع في مجمله تسوده خيبة أمل لأن الحل السياسي الجذري مازال لم يتحقق والمتمثل في رحيل بن صالح رئيس الدولة والمرور إلى مرحلة انتقالية.
رحيل مهندس النظام لا يمكن اعتباره مكسبا
ويقول رئيس حزب طلائع الحريات المعارض على بن فليس، إن “رحيل منظر ومهندس هذا النظام السياسي المرفوض لا يمكن اعتباره بتاتا زوالا ولا رحيلا دون رجعة لذات النظام” في إشارة منه إلى الرئيس المتنحي عبد العزيز بوتفليقة، ويضيف إن “النظام السياسي الذي نطق الشعب بحكمه النهائي عليه لا يزال قائما من خلال وجوه ورموز تواصل الاحتفاظ بمقاليد الحكم في أهم مؤسسات الدولة خاصة مؤسسة الرئاسية والبرلمان الجزائري بغرفتيه والحكومة برئاسة نور الدين بدوي “.
ويرى رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، إن “الثورة الديمقراطية السلمية لم تقم فقط من أجل ذهاب رجل أوصل إلى المنتهى عملية تقديس الرجل المعجزة والتعطش إلى حكم مدى الحياة. لقد قامت هذه الثورة أيضا من أجل الرحيل الفوري لكل الذين تقاسموا وأياه المسؤولية الكبرى في إحداث الكارثة الوطنية الحقيقية التي يرثها البلد اليوم سياسيا واقتصاديا واجتماعي “.
وقال المتحدث إن “الثورة الديمقراطية تطالب صراحة وبشدة برحيل نظام سياسي عانى منه شعبنا طويلا وكبّده من الغبن والظلم والاستضعاف ما لا يوصف ولا يُحصر، كما تطالب هذه الثورة الديموقراطية السلمية بنفس الصراحة والقوة بالاحتكام غير المحدود وغير المشروط إلى السيادة الشعبية وإعادة الاعتبار للشعب كمصدر لكل سلطة “.
مستقبل مفتوح على كل الاحتمالات
ومن جهته يقول المحلل السياسي توفيق بوقاعدة في تصريح لـ “رأي اليوم” إن الحراك الشعبي الذي تشهده البلاد منذ 22 فبراير / شباط الماضي حقق مكاسب عديدة أبرزها “الوحدة بين الشعب الجزائري” و”التعبئة” و”التثقيف السياسي” و”إسقاط الحكومة الجزائرية برئاسة أحمد أويحي كما أنه ساهم في خلق أشكال تعبيرية جديدة” إلا أن مستقبله مفتوح على كل الاحتمالات والعامل الرئيسي في تحديد مصيره هو سلوك السلطة المنتهج.
يجب تحرير الفضاء السياسي والإعلامي
وقال رئيس الحكومة الجزائرية الأسبق أحمد بن بيتور، إن النظام السابق لعبد العزيز بوتفليقة ما زال يتصدر سلطة القرار في الجزائر، ويرى بن بيتور أن الوضع السياسي الراهن يشكل في جوهره امتدادا للوضع السابق قبل استقالة بوتفليقة في الثاني من إبريل/ نيسان الجاري.
وبعد مرور شهرين كاملين على الحراك الشعبي، يرى بن بيتور أن المرحلة القادمة تتطلب توفير الأدوات وتحرير الفضاء السياسي والإعلامي لاستيعاب الزخم الشعبي الذي أفرزه الحراك والثورة السلمية في الجزائر منذ 22 فبراير/ شباط الماضي.
وأضاف بن بيتور أن “تطبيق المادة 102 من الدستور خارج مضمون نص المادتين 7 و8 من الدستور التي تنص على السيادة الشعبية، وفي ظل رفض الشعب السيد لتولي بن صالح الرئاسة المؤقتة للدولة، فإن وضع الجزائر لم يخرج بعد من مسار العهدة الخامسة مع فارق وحيد هو عدم وجود بوتفليقة”.
تصميم وتطوير: ماسترويب 2016 |