بعد أنْ أعلن الرئيس الأمريكيّ، دونالد ترامب، في شهر كانون الثاني (ديمسبر) من العام 2017 عن القدس عاصمةً أبديّة لكيان الاحتلال الإسرائيليّ، وبعد أنْ قامت الولايات المُتحدّة الأمريكيّة في أيّار (مايو) من العام الماضي 2018 بنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس المُحتلّة، سادت أجواء من النشوة العارِمة في تل أبيب، حيث أكّد صُنّاع القرار على أنّ هذه الخطوة التاريخيّة ستدفع العديد من الدول إلى نقل سفاراتها من تل أبيب إلى القدس، ولكن الوقائع على الأرض أثبتت بشكل غيرُ قابلٍ للتأويل بأنّ التصريحات الرنانّة بقيت حبرًا على ورقٍ، وبشكلٍ أوْ بآخر، يُمكِن اعتبار عدم نقل السفارات الغربيّة إلى القدس بمثابة نكسةٍ تاريخيّةٍ للدبلوماسيّة الإسرائيليّة، علمًا أنّ رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، وهو الذي يتبوأ أيضًا منصب وزير الخارجيّة في كيان الاحتلال.
وبسبب هذا الفشل المُدّوي، شرعت وزارة خارجية الاحتلال في حملة ابتزازٍ دبلوماسيٍّ، ضدّ الدول التي ترفض نقل سفاراتها إلى القدس المُحتلّة، عن طريق منع هذه الدول من إقامة قنصليات فخريّة في المدينة.
وبحسب القناة الـ13 في التلفزيون العبريّ، التي اعتمدت على مصادر سياسيّةٍ رفيعةٍ في تل أبيب، فقد قامت الخارجيّة الإسرائيليّة بتوجيه رسالةٍ إلى جميع الدول التي تُقيم علاقاتٍ دبلوماسيّةٍ مع الدولة العبريّة، معلنةً أنّه لم يعد من الممكن إنشاء قنصليات في العاصمة، وأنّ المنع سيُرفع فقط في حال تم نقل السفارات أوْ افتتاح سفارات في القدس، على حدّ تعبير الرسالة الرسميّة الإسرائيليّة.
وتابعت المصادر عينها، بحسب التلفزيون العبريّ، تابعت قائلةً إنّه على سبيل المثال اعترفت جمهورية التشيك بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل، ولكنها في الوقت ذاته، لم تقُم بنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، ومؤخرًا حاولت التشيك فتح قنصلية في القدس ولكنّ السلطات الإسرائيليّة رفضت السماح بالأمر، ولكن تمّ فتح مركز ثقافيّ تشيكيّ في الجزء الغربيّ من المدينة، كما أكّدت المصادر للتلفزيون الإسرائيليّ.
بالإضافة إلى ذلك، كشف التلفزيون العبريّ، نقلاً عن نفس المصادر في تل أبيب، كشف النقاب عن أنّه قبل أسابيع قليلة قالت أستراليا إنّها ستعترف بالقدس الغربيّة عاصمة لدولة الاحتلال، ولم تتخذ إجراءات لنقل السفارة، ويريد الأستراليون أيضًا فتح قنصلية فخرية في القدس، لكن سلطات الاحتلال الإسرائيليّ عارضت ذلك، وأعلن الأستراليون أخيرًا أنّهم سيفتتِحون تمثيلاً للأمن التجاري فقط.
عُلاوةً على ما ذُكر آنفًا، أوضحت رسالة الخارجية الإسرائيليّة أنّها لن تُجدّد للقناصل الفخريين العاملين فعلاً في القدس، وأنّ القيود لن تُزال إلّا إذا طالبت دولهم بفتح سفاراتٍ في المدينة، على حدّ تعبيرها، وغنيٌ عن القول إنّه من وراء هذا الابتزاز تُريد دولة الاحتلال فتح مكاتب دبلوماسيّةٍ شكليّةٍ في القدس، في مُحاولةٍ لقطع الطريق على الدول التي لا ترغب بنقل سفاراتها من تل أبيب إلى القدس.
في سياقٍ ذي صلةٍ، أكّد الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو في مقابلةٍ تلفزيونيّةٍ عزمه على نقل سفارة بلاده في إسرائيل من تلّ أبيب إلى القدس، مقلّلاً في الوقت نفسه من أهميّة أيّ إجراءاتٍ انتقاميّةٍ قد تتّخذها دولٍ عربيّةٍ ضدّ برازيليا.
وقال بولسونارو في مقابلة مع شبكة (اس بي تي) التلفزيونيّة هي الأولى له منذ تولّيه مهامه الرئاسيّة، إنّه اتفّق على نقل السفارة إلى القدس خلال مباحثاته مع رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو الذي زار البرازيل خصيصًا للمشاركة في حفل تنصيب الرئيس اليمينيّ المتشدّد. وصرّح بولسونارو: كما قال رئيس الوزراء الإسرائيليّ فالقرار اتّخذ ولم يبق إلاّ تحديد متى سيتمّ تنفيذه، بحسب تعبيره.
وكان نتنياهو أعلن خلال زيارة إلى ريو دي جانيرو، أنّ البرازيل ستنقل سفارتها في إسرائيل إلى القدس، ولم يتبقّ على تنفيذ هذا القرار سوى تحديد موعد لتنفيذه. وفي مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) الفائِت قال بولسونارو إنّه يعتزم أنْ يحذو حذو الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب وينقل سفارة بلاده إلى القدس، لكنّه عاد عن ذلك لاحقًا وقال إنّه لم يتمّ اتّخاذ قرار بهذا الشأن بعد. ويُمكِن أنْ يُشكّل نقل السفارة تهديدًا لصادرات اللحوم البرازيلية “الحلال” إلى الدول العربيّة، والتي تبلغ قيمتها نحو مليار دولار.
تصميم وتطوير: ماسترويب 2016 |