تلفزيون نابلس
أزمة الليرة التركيّة بعيونٍ إسرائيليّةٍ: أردوغان يطمح للإثبات بأنّ بلاده ليست في جيب أيّ دولةٍ عظمى لا الأمريكيّة ولا الروسيّة ولا في جيب الاتحاد الأوروبيّ
8/14/2018 5:20:00 PM

 رأت المُستشرقة الإسرائيليّة، شيمريت مئير، أنّه ما مِنْ شكٍ بأنّ الرئيس التركيّ، رجب طيّب أردوغان ذهب أبعد من المتوقع عندما عمل ضدّ نظيره الأمريكيّ ترامب، الرئيس غير المُتوقّع الذي لا يتردد في استخدام القوة الاقتصاديّة الأمريكيّة الهائلة لمعاقبة الدول المتمردّة.

وكما هو معلوم، طلبت الإدارة الأمريكيّة إطلاق سراح مُواطنها الكاهن المسجون في تركيا بتهمة الأعمال الإرهابيّة والمشاركة في الانقلاب الفاشل ضدّ أردوغان في عام 2016، وعندما فشلت الجهود الدبلوماسيّة، أعلنت الإدارة الأمريكيّة فرض العقوبات، ومنذ فرضها، تدهورت قيمة العملة التركية سريعًا، على حدّ تعبيرها.

أمّا المُحلّلة دفناه ماؤور من الصحيفة الاقتصادية THE MARKER، التابعة لمجموعة (هآرتس) الإسرائيليّة فكتبت أنّ أردوغان انتُخب في العام 2003 رئيسًا للحكومة التركيّة، ومنذ ذلك الحين شهد الاقتصاد التركيّ تطورًا وازدادت الديون التي أضرّت بالعملة التركية، لافتةً إلى أنّه تعزز الأموال الساخنة الطلب وزيادة التضخم الماليّ.

في هذه الحالة، تابعت ماؤور، يجب زيادة الفائدة لاعتراض الطلب وتعزيز قيمة العملة، ولكن خلافًا للمنطق الاقتصاديّ وخبرة الاقتصادات الكثيرة، يدّعي أردوغان أنّ رفع الفائدة يُعزز التضخم الماليّ، لهذا طلب من المصرف المركزيّ عدم زيادة الفائدة، مُضيفةً: يُشكّل الإضرار بحريّة عمل المصرف المركزيّ إحدى الخطايا الكبيرة في الاقتصادات المفتوحة التي تحتاج إلى ثروةٍ أجنبيّةٍ للاستثمار، على حدّ تعبيرها.

من ناحيته، قال المحلل نداف إيال، في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، إنّ أردوغان ردّ بالطريقة الأسوأ، وتابع: كان خطابه يوم الجمعة الماضي مثالاً على ماذا يُحظر قوله عندما تتعرّض العملة لأزمة، وتثير أقوال مثل “إذا كان لديهم الدولار، فنحن لدينا شعبنا وربنا الله”، إحباطًا كبيرًا لدى الأتراك: يُفضّل الكثير منهم الدولار.

وأوضح إيال، وهو مُحلّل الشؤون الخارجيّة في القناة العاشرة بالتلفزيون العبريّ، أنّه غالبًا، على الرئيس التركيّ أنْ يعرف أنّه يُحظر عليه أنْ يعرّض الأفراد أمام خيار بين كسب الرزق وبين الإيمان، وقد وصلت أقواله الذروة، عندما ناشد متأثرًا وغاضبًا بيع الدولار والذهب وشراء الليرة التركيّة، كاستعراضٍ فنيٍّ اقتصاديٍّ، والنتيجة كانت أنّ الأتراك باعوا الليرة تحديدًا، لأنّهم أدركوا جيّدًا أنّ زعيمهم بات منفصلاً عن الاعتبارات الواقعية، على حدّ تعبيره.

ورغم التقديرات أنّه نظرًا لمصالح مشتركةٍ في حلف الناتو، هناك مَنْ سيسعى إلى حلّ الأزمة بين واشنطن وأنقرة، فوفق تقديرات المُستشرِق الإسرائيليّ، د. تسفي بارئيل في صحيفة “هآرتس” لا تُشكّل التسوية مع الولايات المتحدة بديلاً لبرنامجٍ اقتصاديٍّ تركيٍّ يُمكن أنْ ينقذ الاقتصاد التركيّ من الأزمة.

وأضاف بارئيل إنّ أردوغان يتمتع بكامل الصلاحية والدعم السياسيّ الضروريّ للإعلان عن حالة الطوارئ الاقتصاديّة أوْ رفع الفائدة، وفق رغبة المصرف المركزيّ. ولكن، استدرك المُستشرق: السؤال هو إلى أيّ مدى يُمكن أنْ يعتمد أردوغان على الدعم الجماهيريّ في ظلّ نقص الثقة الكبير في الليرة التركيّة، الذي يظهر عدم الثقة بقدرة الحكومة التركية في إنعاش الاقتصاد، لافتًا إلى أنّه “صحيح أنّ تركيا تختلف عن إيران، ولكن يجب أنْ تُقلق المظاهرات في إيران بسبب هبوط الريال الرئيس التركيّ الذي أراد أن يكون ملكًا”.

ورأى بارئيل أنّ أردوغان أراد تشجيع الأتراك الخائفين الذين استثمروا في الدولار عندما قال لهم: “إذا كان لديهم (الأمريكيين) دولار فنحن لدينا شعبنا وربنا الله”، ولكن يبدو أن الله كان مشغولا في أمورٍ أخرى.

وأردف المُستشرق الإسرائيليّ قائلاً إنّ تركيا أعلنت أنّها ستقوم بشراء صواريخ أرض-جوّ روسيّة من نوع اس400، وحسب تقارير استندت إلى مصادر أمريكيّةٍ وتركيّةٍ، فإنّ أنقرة قد وقّعت على الاتفاق الذي يصل حجمه إلى أكثر من 2.5 مليار دولار، والنظام الأول منها يتوقع تسليمه في 2020.

واعتبر بارئيل أنّه أكثر من كون هذا القرار قرارًا استراتيجيًا، فإنّه يُشكّل رسالةً سياسيّةً مهمةً جدًا تقضي بأنّ تركيا، العضو في الناتو، ستكون الدولة الأولى التي ستدخل إلى منظومة قواتها نظام سلاحٍ روسيٍّ، وبذلك من شأنها المسّ بقدرة التنسيق العسكريّ مع باقي دول الناتو.

وشدّدّ المُستشرق بارئيل على أنّ الضغط الأمريكيّ على تركيا لإلغاء الصفقة مقابل بيع صواريخ باتريوت لتركيا، لم يساعد حتى الآن، فتركيا التي ترغب في إدارة لعبةٍ مزدوجةٍ غيرُ معنيةٍ بالانسحاب من الناتو، وإنْ كان هذا أيضًا سيناريو محتملاً، بل تطمح إلى الإثبات بأنّها ليست في جيب أيّ دولةٍ عظمى، لا الأمريكيّة ولا الروسيّة، ولا في جيب الاتحاد الأوروبيّ، على حدّ قوله.

 


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة