تلفزيون نابلس
"جردة حساب" لموقف الأردن بعد انتهاء أكبر معارك الجنوب السوري
7/8/2018 8:40:00 PM

 تنجح المفاعيل الأردنية الروسية في فرض نفسها على المنطقة الجنوبية في سوريا، فيسيطر الجيش السوري على المعابر الحدودية وتبدأ المنظمات الانسانية والحقوقية بتسجيل عودة الالاف من النازحين الى مناطقهم وتسليم السلاح الثقيل والمتوسط للروس، في حين يتأهب المقاتلون لنقلهم في الحافلات الخضراء الى ادلب (أو غيرها) إذا لم يستسلموا.

بهذا المعنى وعلى الأقل نظريا تكون المصالح الاردنية قد تمت معالجتها وبصورة مناسبة جدا للجميع، حيث تتعالج وبسرعة قضية النازحين التي شكلت ضغطا كبيرا على عمان خلال الفترة الماضية بضمانة روسية، فيعود الاهالي الى قراهم ومدنهم ومناطقهم (90% من النازحين الى الحدود الاردنية في الجنوب السوري، عادوا اساسا لمنازلهم وفقا لموقع “هلا أخبار” التابع للقوات المسلحة الاردنية)، ولو ان انهاء ذلك وتبعاته من المعروف انه سيأخذ وقته، الا ان عمان في هذا الملف تستطيع ان تقلل منسوب القلق في اقل تقدير، وعلى قاعدتها الشهيرة: “الروس موضع ثقة”.

على ذات القاعدة، يمكن القول ان عمان تأخذ جرعة قليلة من الاسترخاء في قضيتها الاعقد المتعلقة بالمسلحين الكثر في الجنوب، فهم اليوم اما “منزوعي السلاح” وبالتالي خطرهم اقل نسبيا، او على وشك اصلا الغياب عن الحدود باتجاهات “لا تهم عمان”، وفق ما ورد بمقال من النوع المرجعي للكاتب المقرب من القصر فهد الخيطان.

الخيطان اقترح في مقال له السبت فكرتان اساسيتان وهامّتان في التعامل الاردني مع ملف الجنوب، وحتى قبل اعلان الحسم لصالح الجيش السوري على الحدود الاردنية الشمالية. الفكرة الاولى تمثلت برفضه ما اسماه “محميات بشرية” على الحدود الاردنية، وهو ما اصبح شرطا اردنيا بالتنسيق مع المعارضة السورية، لصالح عودة النازحين الى قراهم ومدنهم من المنطقة الحدودية.

بالنسبة لعمان ووفق الخيطان، وجود النازحين على الحدود يؤذي عمان اكثر مما يفيدها وبرر ذلك بكون “مجموعات إرهابية بعينها تدفع باتجاه تأزيم الوضع على الحدود الأردنية وحشد النازحين”، طارحا مخيم الركبان كمثال سيء والخطورة التي نجمت عنه (واجه الاردن اعتداء امنيا على حدوده خرج من المخيم بالإضافة لبروز المخيم كبيئة خصبة للجريمة والتجارات الممنوعة) كدليل عميق على ان عمان تخسر حتى بوجود النازحين (وليس فقط اللاجئين) في الجنوب السوري.

الفكرة الثانية، كانت محاولته التركيز وبشدة على “حكمة اردنية” في ملف الجنوب وفي التعامل معه تضمنت عدم السماح بتحول الاردن لطرف في الازمة، وهنا بالتأكيد التلميح في اتجاهين الاول ان هناك من اراد الزج بعمان لذلك، والثاني ان الاردن لا يزال يعتبر الشأن السوري بعيدا عنه وداخلي، وفي الاخيرة تراجع مشروع ومبرر عن دعم المعارضة السورية وتبنيها بمحاولة استدراكية للمياه الكثيرة التي جرت من تحت الجسر خلال السنوات السبع الاخيرة.

افكار الخيطان عولجت جميعا بالاتفاق المذكور، وعولج اكثر منها من وجهة نظر تحليلية، حيث عمان تظهر بصورة قوية بمواجهة المجتمع الدولي وقرارها بيدها وحاسم، ولا تستجيب للضغوطات حتى لو تضمنت انشاء المخيمات بإشراف أممي، كما اسهمت الأزمة في منح حكومة الدكتور عمر الرزاز هامش حركة هام وأساسي، وكرّس في الشارع بعضاً من مفهوم الولاية العامة لحكومته بعدما بدأت عملها بنوع من الهدوء.

قد لا تكون مبالغة عمليا اذا ما قيل ان رئيس الحكومة من اكثر المستفيدين في الأزمة المذكورة، فقائد فريق الدوار الرابع ظهر بصورة اساسية كصاحب قرار حاضر وقوي في المشهد رغم تأخره عنه وانتظاره نحو اسبوع حتى تحرك باتجاه الحدود الشمالية ومفاصل العمل الميداني فيها، وادلى بتصريحاته متبنيا عمليا وجهة نظر موحدة مع وزير الخارجية أيمن الصفدي الذي كان في العاصمة الامريكية في ذلك الوقت.

ثاني المستفيدين كانت وزيرة الاعلام جمانة غنيمات، التي منحتها الازمة مساحة جيدة للتواصل السريع والواسع مع الاعلام والاعلاميين، وهذا ايضا نقلها الى مرحلة مختلفة وسريعا، ما صعب مهمة النواب لاحقا في اسقاطها تحديدا، بعدما تم تفعيل تكتلات نيابية فعلا ضد وجودها في الحكومة بسبب مواقفها السابقة.

الحكومة ككل عمليا استفادت من الازمة، خصوصا وان موقفها اثبت نجاعته واتزانه وصلابته قبيل بيان الثقة للبرلمان، الا ان هذا لا يمنع الملاحظة الكبرى عن كون الملف لم يكن “حكوميا بامتياز” اصلا، فكل المؤسسات الاردنية استنفرت طاقاتها له ولاجله، ما يترك حالة التوجس في مكانها من قدرة الحكومة كجسم واحد منفرد على اتخاذ مواقف صلبة لاحقا.

الازمة صحيح انها قد تكون سهلت مهمة تبدو معقدة بالنسبة لتشكيلة وتركيبة الحكومة من جهة وازاء مؤسسة البرلمان التي خسرت اكثر من نصف رصيدها في الحراك الشعبي الماضي، وبالتالي ستحاول استعادته، إلا انها بكل الاحوال قد لا تجعلها تتجاوز سيناريو الثقة البرلمانية الصعبة المرجح.

موقف عمان لم يتبدل وهذا قد يكون اهم ما حصل في المشهد، فقرار عمان بحد ذاته كان موقع شك في البداية وعبّر كثر عن قلقهم من عدم استمراره او ضعفه مقابل حملة شعبية طالبت بفتح الحدود واستقبال اللاجئين وايوائهم. قضية القرارات والتوجس منها في عمان قصة اخرى دوماً، خصوصا مع تجارب كثيرة ساهمت في تغيير المواقف الاردنية او لينها بعدما اتخذت.

بكل الاحوال، تبدو عمان وقد عبرت أزمة الجنوب السوري بأقل قدر ممكن من الخسائر (التي انحسرت بسقوط قذائف على مدنٍ حدودية دون الاضرار العملي بها)، ودون ايقاع ضحايا من الاردنيين او المغامرة بايجاد كتلة بشرية تدخل الى عمان دون تأمين كل افرادها. لا بل بالعكس، فهناك مكاسب حققتها الحكومة في عمان على المستوى الاعلامي والشعبي من جهة، وهناك مكاسب سياسية تمثلت عمليا ليس فقط بتأمين طريق دمشق عمان الاسمنتي الدولي الواصل بين العاصمتين، بل وبتمهيد فتح ذات الخط على المستوى السياسي بعدما لعبت عمان دورا اساسيا ساعد دمشق على الحسم بأقل وقت ممكن.

الاهم ايضا، ان عمان كرّست نفسها كشريك موثوق وذكي مع الروس في وقت فشل فيه الاسرائيليون في تكريس ذات المشهد الا بعد استخدام السوريين والروس للكثير من التكتيكات معهم تجنبا لمعارك كبرى.


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة