تلفزيون نابلس
زرت مدينة روابي .. مقال بقلم : المهندس غازي كعكاني
7/11/2017 2:45:00 AM

تابعت كما تابع الكثيرين تقرير القناة الإسرائيلية حول مدينة روابي وما رافق هذا التقرير من آراء متباينة لكن في محصلتها كانت تركز حول الأسعار الفلكية لبعض البضائع والإدعاء أن بعض الناس تأخذ قروض حتى تشتري جاكيت بمبلغ 2500 شيكل والتيشيرت أبو ال 399.99 شيكل ، ومعظم الأحاديث دارت حول هذه الفحوى متجاهلين أو غير مدركين للرسالة المخفية للتقرير الإسرائيلي حول مدينة الأحلام والسلام والتعايش والوئام.

وإعتقدت حسب فهمي البسيط أن الهدف هو تجهيز المواطن الفلسطيني لقبول فكرة أن تكون سهران على طاولة في روابي و الطاولة المجاورة يجلس عليها مستوطن توطن في روابي والوضع سكر ولوز على غرار مسلسل جيران الذي كان يبثه التلفزيون الإسرائيلي.

وتبع هذا التقرير تقرير آخر لفضائية معا مع رجل الأعمال بشار المصري وإسهابه في الشرح حول روابي والكيو سنتر وأنه يستقبل الطبقة المتوسطة والغنية، ومحاولة إصلاح ما أفسده التقرير الإسرائيلي حول الغلاء الفاحش في محلات روابي.

وكما التقرير الإسرائيلي فعلت مقابلة وكالة معا فأنتجت ردود أفعال وآراء متباينة أيضا حول روابي.

لذلك قررت زيارة روابي حتى أقول زي ما بقولوا المشايخ ( رأيت بأم عيني) فوجدت نفسي أتجول في واقع غريب عن طبيعة مدننا وقرانا من حيث النظافة والترتيب الخارجي المغري الذي يجعلك تقول في حسرة شو فيها لو صارت مدننا وقرانا هيك!

الطريق إلى روابي مثله مثل أي طريق بل أقل من أي طريق لقرية فلسطينية صغيرة من حيث صغر الشارع والمطبات لكن ما أن تدخل دوار روابي حتى يختلف المشهد تماما.

مناظر طبيعية وعمرانية تغري في ظاهرها المارة وتلوي الرؤوس عند مشاهدتها.

الإضاءة التي لا تزال قليلة والعمارات المعتمة غير المأهولة تشعرك بعدم الطمأنينة، وتشعر بالغربة عن ما تعودت على رؤيته من مشاهد الشوارع المكسرة والأرصفة المحتلة من أصحاب المحلات والبسطات فتشعر كأنك في بلد ليس عربي.

لكن ما أن تصل إلى الكيو سنتر حتى تأخذك اليافطات الكبيرة من مشاعر الخوف والغربة إلى خوف من نوع آخر... خوف من الخجل أن تسأل عن أسعار واسماء ماركات أخاف حتى أن أذكر إسمها خشية أن يكون ذكرها يلزمني أن أحصل على قرض لمجرد ذكرها على لساني، وهذا طبعا من تأثير التقرير الإسرائيلي عن روابي.

تدخل إلى موقف السيارات فتنبهر عيونك من شدة لمعان ونظافة أرض الكراج

تصعد بضعة أدراج فتجد نفسك في عالم مختلف تماما

المقاهي... آسف (الكوفي شوبات) على جانبي الطريق المصمم خصيصا ليعطيك شعور بالحرية التي ينشدها البعض من من كانوا يخجلون في نابلس أو رام الله أن يضعوا أيديهم في أيدي زواجتهم أو خطيبتهم أو صديقتهم فتراهم يسيرون في الطريق ممتشقين الخصر لا الذراع.

وصدقا لم اسمع غير اللغة العربية والإنجليزية في أصوات الأحاديث وأتمنى أن لا نسمع العبرية وأخشى أن لا تتحقق أمنيتي.

تسير فترى المزز مرشومين رشم يمنة ويسارا.

وأصوات ضحكات الصبايا تخرج بين فينة والأخرى من المقاهي لتضيف جمالا على جمال المكان.

ودخان معسل برائحة البلوبيري وغيرها من النكهات تعبق في المكان كأنها تحاول أن تستر بعضا من خفايا الجلوس في خجل مؤقت ريثما يتعود الجميع على الجميع.

إستجمعت قواي وإستحضرت روح الفكاهة ودخلت أحد المحلات

وقبل السلامو عليكم سألت الصبية عندكم إشي بأقل من ألف شيكل؟

فضحكت وفهمت من ردها أن سؤالي نابع من السمعة السيئة للتقرير الإسرائيلي

قالت أكثر من 90 % من البضائع الموجودة في المحل تتراوح بين 200 إلى 500 شيكل

عندها زالت الرهبة وإنتبهت أن الجو حار داخل المحل وفهمت أن السبب للتوفير في ثمن التكييف والإضاءة الخافتة ليست من الديكور وإنما توفير أيضا.

الصبية العاملة في المحل تحدثت معها قليلا وما صدمني أن راتبها الشهري أقل من 2000 شيكل

(ثمن 4 أحذية من المحل).

شكرتها وخرجت، وحديثي معها شجعني لدخول محلين آخرين

وكان التشابه غريب في الثلاث محلات من حيث التوفير في التكييف والإضاءة لكن إختلاف كبير في الأسعار، فالراتب الشهري لأحد الشباب لن يكفي لشراء بنطلون من ماركة... والله نسيت أسمها والحمد لله أني نسيته.

ستشعر بخوف من نوع ثالث وهو خوف الإقتراب حتى لا تكون شريكا في ظلم قد يكون وقع قبل وأثناء البناء

فأراضي روابي الممتدة على أكثر من 1600 دنوم كلها أراضي مصادرة بموجب قرار صدر بتاريخ 5/3/2009 عن مجلس الوزراء الفلسطيني بمصارة أراضي للمنفعة العامة لصالح شركة خاصة إسمها بيتي لإنشاء مدينة روابي ، والتي كانت في الأساس مشروعا لإسكان الشباب وذوي الدخل المحدود.

أعتقد ستسأل نفسك

هل سيكون السكن في روابي مثل محلاتها؟؟

أنيقة من الخارج حارة ومظلمة من الداخل بسبب التوفير والكبرة الكذابة فقط لأقول أنني أسكن روابي؟

هل سأقترض قرضا يسدده أحفاد أحفادي من بعدي لأسكن وأتشزدر آخر النهار في الكيو سنتر؟

إنطباعي أن روابي ليست للطبقة المتوسطة أو الغنية، وستكون فقط لفاحشي الثراء ومن يملك المال ليشتري بغض النظر عن جنسيته ودينه.

على الصعيد الشخصي شعرت براحة عندما غادرت روابي وعدت لواقع تعودت عليه، واقع لن أقول أنه أفضل حالا من روابي لكن تعودت عليه ومسرور به أكثر من سروري بجمال النظافة والمناظر التي قصرت أنا شخصيا قبل المسؤولين في الحفاظ عليه في مدينتي وبيئتي ويمكننا الوصول له بثقافة النظافة وإرادة التغيير للأفضل

ختما

الشاعر تميم البرغوثي عندما وصف القدس قال:

فالقدسُ تقبلُ من أتاها كافراً أو مؤمنا

أُمرر بها واقرأ شواهدَها بكلِّ لغاتِ أهلِ الأرضِ

فيها الزنجُ والإفرنجُ والقِفْجَاقُ والصِّقْلابُ والبُشْنَاقُ

والتاتارُ والأتراكُ، أهلُ الله والهلاك، والفقراءُ والملاك، والفجارُ والنساكُ.

وروابي ستقبل من أتاها ساكنا مستثمرا

ويصبح فيها اليهود والمطرود والمفقود والنمرود

والمردود والمحسود أهل المال والأعمال

والأغنياء والوكلاء وستصبح روابي أشقر من رام الله الشقراء

غازي سليم كعكاني


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة