بقلم المحامي محمد سقف الحيط : أثار القرار المنسوب إلى النائب العام الفلسطيني بحجب عشرات الصفحات الالكترونية عن الشبكة العنكبوتية صخباً واسعاً في الشارع الفلسطيني وعبر صفحات التواصل الاجتماعي ، فقد حققّ وسم لا للحجب اكثر من خمسة واربعون مليون استخدام في إشارة لرفض هذا الأمر  ، ولعلّ أنه ليس من الغريب أن كلّ ما حجب من مواقع الكترونية من المعارضة لسلطة الأمر الواقع القائمة في الضفة الغربية.

سياسة الحجب ليست حديثة فكان هذا ما مارسته قريش يوم جاء الطفيل بن عمرو الى مكة، فقد طلبوا منه ان لا يسمع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وضع الكرسف (القطن) في اذنيه ،  حتى لا يسمع الى رسول الله ما يقول،حتى قال الطفيل " واثُكْلَ أمي ، والله إني لرجل لبيب شاعر ، لا يخفى علي الحسن من القبيح ، فما يمنعني أن أسمع من الرجل ما يقول ، فإن كان الذي يأتي به حسن قبلته ، وإن كان قبيحا رفضته" ثمّ ذهب الى رسول الله وأخبره ما حدث الى أن قال صلّى الله وعليه وسلم " خلّوا بيني وبين النّاس " لتكون القاعدة الأولى بحرية الإعلام في دولة رسول الله.

الحجب أيضاً ما فعلته الدولة بأحمدَ بن حنبل يوم أودعته السجن كي لا يسمع النّاس قوله ورأيه وما فعلته الكنيسة بارسطرخس يوم أن قال أن الأرض  تدور حول نفسها فحجبته من الظهور في السجن الى أن رجع عن هذا القول وأخلت الكنيسة سبيله، بوريس باسترناك صاحب رواية الدكتور زيفاجو الذي منعت موسكو روايته من التداول وحجبت عن الظهور فكان ذلك سبباً في انتشارها وظهورها ولاحقاً سبباً في حصوله على جائزة نوبل للأدب .

قرار حجب كتاب آيات شيطانية لسليمان رشدي ليس بعيداً ، وكذلك حجب رواية مدن الملح للكاتب الشهير عبد الرحمن منيف، قرار النائب بمنع رواية جريمة في رام الله للكاتب عباد يحيى ليس بعيداً ، ربما كان هذا الحجب سبباً في ازدهارها وانتشارها ، وزير التربية والتعليم الفلسطيني قرر حجب كتاب " خبرني يا طير " من مكتبات المدارس لاحتوائه على محتوىً يفوق ادراك مستوى طلبة المدارس ، وان هذا الكتاب لفئة عمرية غير تلك الموجودة في المدرسة.

الصين التي تحجب موقع فيسبوك منذ عام 2009 ذات بصمة بالحجب اذ تبرر ذلك أن حكومة الحزب الشيوعي الحاكم تعتبر نفسها مسئولة أخلاقيًا عن حماية مواطنيها من التعرض للغزو الثقافي الغربي ، أسوة بايران التي حجبت الموقع منذ 2009 حتى 2013 ، حكومة تركيا في آذار 2016 أغلقت موقع تويتر بحجة امتناعه عن تنفيذ قرارات قضائية ، إلا أن الحجب تركي كان لبضعة ساعات ،سوريا التي حجبت موقع فيس بوك حتى العام 2011 ، وغيرها مثل كوريا الشمالية التي تحجب الانترنت كلياً ، ادارة  السجون الاسرائيلية تحجب قناة الجزيرة وقناة الأقصى عن الأسرى الفلسطينيين في سجونها.

سياسة الحجب في فلسطين ليست حديثة فقد حجبت السلطة الفلسطينية صحيفة اخبار الخليل من الصدور في العام 2002 ومنعت جريدة الرسالة مرات عدة واغلقت عدة محطات تلفزة محلية في العام 2007 ومنعت صحيفة فلسطين من التداول في الضفة الغربية منذ العام 2007 ، هذا وقد منعت جريدة القدس والايام والحياة من التداول في غزة مدة طويلة امتدت لسنوات عقب أحداث 2007 هناك، السلطة تحجب عشرات الخطباء من الخطابة في المساجد استكمالا لمسلسل الحجب.

ومما لا ريب فيه ان قرار الحجب هذا هو أحد ابرز اوجه الاستبداد وفرض الرأي على الناس بتحديد مصدر معلوماتهم ومساس وانتهاك لحرية الرأي والتعبير وقد عرف الكواكبي الاستبداد في كتابه العظيم طبائع الاستبداد بقوله : أنّ الاستبداد صفة للحكومة المطلقة العنان فعلاً أو حكماً، التي تتصرّف في شؤون الرّعية كما تشاء بلا خشية حساب ولا عقاب محقَّقَين. وتفسير ذلك هو كون الحكومة إمّا هي غير مُكلّفة بتطبيق تصرُّفها على شّريعة، أو على أمثلة تقليدية، أو على إرادة الأمّة، وهذه حالة الحكومات المُطلقة. أو هي مقيّدة بنوع من ذلك، ولكنّها تملك بنفوذها إبطال قوّة القيد بما تهوى، وهذه حالة أكثر الحكومات التي تُسمّي نفسها بالمقيّدة أو بالجمهورية."

القانون الأساسي الفلسطيني  وفي المادة 19 منه نصّ على " لا مساس بحرية الرأي، ولكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غير ذلك من وسائل التعبير أو الفن مع مراعاة أحكام القانون."  هذا وتنص المادة الثانية من قانون المطبوعات والنشر على " الصحافة والطباعة حرتان وحرية الرأي مكفولة لكل فلسطيني، وله أن يعرب عن رأيه بحرية قولاً، كتابة، وتصويراً ورسماً في وسائل التعبير والإعلام.  "  ما يجعل من هذا لحجب انتهاكاً ومساساً غير مقبول بحقوق الإنسان وانتهاكاً لحريّة الرأي والتعبير.

والسؤال هنا : هل سيمنع قرار الحجب وصول الرسالة ؟

والإجابة على هذا السؤال يمكن استدراكها من واقع تجارب الحجب السابقة فالكتاب الممنوع من النشر هو الأكثر قراءة و الأكثر تداولاً والأكثر تأثّراً بالأفكار الواردة فيه ، إنمّا لو ترك هذا لكتاب لما سمع به أحد ولما نال الشهرة التي نالها نتيجة هذا الحجب .

كما إن الحجب اليوم يظلّ وجود وسائل التواصل الاجتماعي بات أمراً مستحيلاً فكافة المواقع المحجوبة تملك صفحات على الفيس بوك وتويتر بملايين المتابعين فهل ستملك جهة الحجب حجب الفيس بوك أيضاً ؟ هل عاد العالم بعد الفيس بوك مثل ما قبله !!  ربمّا اذا حجب الفيس بوك هل سيملكون حجب افواه الناس عن الكلام؟

ربّما لو أدرك الحاجب أنّ حجبه سيصنع نتيجة عكسيّة لما فعل وسيصبح الحجب سبباً في الانتشار والتداول والتعاطف هل سيستمر في قراره بالحجب!!.

21/6/2017