تلفزيون نابلس
عادات رمضانية اليوم 18 سنة 2024 - بيروت
3/28/2024 3:27:00 AM

تقاليد رمضانية غابت عن بيروت التي تمسكت بها طويلاً

لا تزال التقاليد الرمضانية التي اعتاد أهالي بيروت اعتمادها في استقبالهم لشهر رمضان الكريم تشغل غالبيتهم. وعلى الرغم من أن بعضها أصبح رموزا من الماضي، نظرا لعدم تماشيها مع وقع الحياة اليومية الحديثة التي يعيشونها، فإن أهل بيروت تمسكوا ببعضها، لتكون بمثابة إرث يرافق أجيال المستقبل، ويحافظون عليه.

ولعل أبرز هذه التقاليد هي تلك المتعلقة بالارتباط الوثيق ما بين شهري شعبان ورمضان. فالاستعدادات لاستقبال الشهر المبارك عادة ما تبدأ في الأيام الأخيرة من شهر شعبان، فيكون البيروتيون جاهزين للثاني فيحل عليهم ضيفا مميزا.

أما أكثر تلك التقاليد انتشارا في بيروت وضواحيها، وحتى في بعض المدن الأخرى، فهي التي تتضمن «السيبانية» وحلو «المشبك» وطبلة «المسحراتي»، إضافة إلى الفانوس الرمضاني الذي لا يزال يزين شرفات ومنازل البيروتيين حتى اليوم.

أما العادات التي صارت في خبر كان ولم تعد تجد لها مكانا في زمن التكنولوجيا، وتردي الحالة الاقتصادية، فهي «الهلة»، أي الذهاب الجماعي للعائلات لترقب ظهور الهلال، وكذلك تحضيرات المونة في السلال وصالات المطابخ.

ونبدأ التحضيرات بالسيبانية التي، وحسب معانيها كما يذكر لنا مختار منطقة زقاق البلاط في بيروت يحيي لبابيدي، مشتقة من فعل استبان. فكان خلالها يتم استبانة «هلة» القمر.

وتجري وقائع هذه العادة في يوم الأحد الأخير قبل حلول رمضان. فيتوجه فيها أهالي بيروت إلى الشواطئ والحدائق ليختتموا شهر شعبان بتناول وجبات الطعام اللذيذة من ناحية، وللقيام بالنزهات المسلية ضمن مجموعات تمضي الوقت في الضحك ورواية الطرائف والذكريات من ناحية ثانية أخرى. ويصبحوا بذلك، جاهزين لاستقبال الشهر الكريم برصانة، بحيث تصبح أدوات التسالي ووجبات الطعام غير مغرية لهم، ولا تشوب نذورهم التي تتفتح بوادرها في شهر رمضان.

كانت هذه العادة، تتضمن فيما مضى، عادة أخرى، هي «الهلة». حيث يفترض الناس الأرض في أماكن التسلية التي اختاروها، إلى أن يحل الظلام.

وتجري أحداث «الهلة» في اليوم الأخير من شعبان. فيجلس الناس وهم يرتشفون فناجين القهوة، بينما عيونهم شاخصة إلى السماء، تنتظر «هلة» القمر لإعلان بداية الصوم في الشهر الكريم. حينها يبدأون بتلاوة أناشيد رمضانية وتراويح دينية.

يقول المختار البيروتي يحيي اللبابيدي، إن هذه العادة اختفت مع الوقت، بعد أن صار موقع الإفتاء الإسلامي يعلن من خلال مفتي الجمهورية اللبنانية شخصيا، بداية شهر رمضان.

أما توزيع حلويات المشبك الملون على الأحياء، وبين الأصدقاء والأقارب، فيتم في آخر يوم من أيام شعبان، وأول يوم من رمضان. فهو من العادات التي لا تزال رائجة في بيروت حتى اليوم. ويقول المختار البيروتي العارف بتقاليد الشهر المبارك، التي حفظها أبا عن جد: «هل تعلمين إلى ماذا ترمز ألوانه؟ أي الأحمر والأبيض المائل إلى الاصفرار؟ الأول يرتبط بمغيب الشمس عندما يسود الأفق البرتقالي الأحمر، والثاني يرمز إلى الهلال الذي يطل معلنا بداية الشهر الهجري».

ولعل المسحراتي الذي عرفه أهالي بيروت منذ نشأتهم، يتجول في أيام رمضان يضرب على الطبل الذي يحمله معه في الحواري والأزقة الضيقة، صارخا: «يا نايم وحد الدايم»، لإيقاظ الأهالي وقت السحور، يبقى رمزا آخر ثابتا في مكانه، على الرغم من أن بعض التغييرات طالت أسلوبه في أداء مهنته.

ففي الماضي، كان المسحراتي شخصا متدينا يتطوع للقيام بهذه المهمة لكسب الأجر، فيساهم في حث المسلمين على القيام بشعائرهم كاملة. وكانت بيروت تزدحم بهؤلاء الذين كانوا ينتدبون أنفسهم لهذا الحي أو ذاك، وفق البيوت وأسماء ساكنيها التي يعرفونها عن كثب. فترداد اسم صاحب البيت يشكل ضرورة للمسحراتي الأصيل، ليوقظ كل بيت باسم صاحبه. فيقول مثلا: «(اصحى) يا أبو هيثم ووحد الدايم». ويبقى على هذا المنوال وهو يدور في أرجاء الحي بأكمله، ويتأكد من أن أنوار المنزل أضيئت استجابة لندائه.

اليوم لم يعد المسحراتي المتطوع موجودا في أزقة بيروت القديمة، لا سيما أن بيروت بمجملها أصبحت عرضة للنازحين إليها من الجبال والمناطق المجاورة، بحثا عن لقمة العيش. هذا الأمر زاد من عدد سكان العاصمة، وأصبح مختلطا، بحيث لم تعد لبيروت خصوصيتها المتمثلة بعائلاتها العريقة. فراحت بعض المؤسسات والجمعيات الإسلامية، تعين أشخاصا من قبلها للقيام بهذه المهمة. ويكتفي المسحراتي اليوم، بترديد عبارة «يا نايم وحد الدايم»، ودق الطبل مع تلاوة بعض الأناشيد الدينية. وفي نهاية الشهر الكريم، يطرق المسحراتي أبواب البيوت طالبا مكافأة مادية منهم (عيدية)، لم تكن تدخل في برنامج المسحراتي أيام زمان. كما أن البعض لم يعد يولي المسحراتي أهمية، مع وجود الساعة أو منبه الهاتف الجوال.

أما المونة التي كان يعد لها أهالي بيروت منذ بداية شهر شعبان، وأحيانا قبله، فكانت تشمل وضع أكياس الأرز والبرغل والعدس والفاصولياء وغيرها من الحبوب، في سلال كبرى في غرفة مجاورة للمطبخ. فيما كان يتم زرع بعض أنواع الخضار (البقدونس والنعناع والبندورة) قبل أشهر في باحة البيت، لتوفير ثمنها الذي يشهد ارتفاعا ملحوظا في شهر رمضان. فطبق «الفتوش» له أهمية كبيرة على مائدة الصائم، مما يدفعه إلى الحرص على تحضيره من مكونات طازجة.

أما الفانوس الذي يضيء شرفات المنازل وزينة الشوارع والطرقات، فلا يزال يحظى بمكانة في يوميات البيروتي الرمضانية. فهو يحمل له ذكريات من طفولته التي لا يرغب في التخلي عنها. ولذلك ما زلنا نجد الفوانيس تتصدر واجهات المحلات التجارية التي تعرضها بأشكالها وألوانها المختلفة، لجذب الكبار والصغار معا لشرائها. أما أشهر وأضخم الفوانيس التي تضاء في بيروت، فهي تلك التي تتولى وضعها بلدية العاصمة، وترتفع وسط ميادينها خلال الشهر المبارك من كل عام.

في اليوم الأول من رمضان، تجتمع العائلة في بيت الجد كما تفترض التقاليد الرمضانية. وفي حال غياب الجد أو الجدة، يتم اختيار الشخص الأكبر سنا في العائلة، ليستقبل الباقين في منزله لتناول وجبة الإفطار، بعد انطلاق صوت المدفع.

ولا يزال بعض البيروتيين، يقدم النذور خلال شهر رمضان، ويتلو «الختمة» في المسجد أو في البيت. وهي عبارة عن قراءة آيات من القرآن الكريم، ترافق الصائم طيلة أيام الشهر الكريم وصولا إلى خواتمه. كذلك يتوجه الناس إلى المساجد لإقامة صلاة التراويح مساء كل يوم، حيث تشاهد العائلات بنسائها ورجالها يزحفون باتجاه المسجد الأقرب إلى منازلهم.

بهذه التقاليد والعادات يعيش أهالي بيروت الشهر الكريم، الذي ينتظرونه من عام لآخر. وحسب مختار منطقة زقاق البلاط يحيي اللبابيدي، فإن الفرق الوحيد الذي يكمن ما بين رمضان الماضي والحاضر في بيروت، هو غياب الصدق عن رموزه التي كانت في الماضي تنبع من الأعماق، فيما اليوم تغلفها المادة.


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة