تلفزيون نابلس
عادات رمضانية: 17 رمضان 2024
3/27/2024 3:47:00 AM

ما بين الأذان الجماعي في الجامع الأموي بقلب العاصمة السورية دمشق، رسمت التقاليد المتوارثة صورة مفعمة بالبهجة للشهر الكريم، تدغدغ الحواس جميعها، وتتعانق فيها أصوات التواشيح مع روائح المخبوزات. ورغم ما تعانيه بلاد الشام اليوم من مآسٍ سياسية واقتصادية، فإن شهر رمضان لا يزال يأتي ببهجته وحضوره القوي. ورغم تراجع العديد من العادات الرمضانية المتوارثة في ظل العيش على مدار سنوات بين مطرقة الحرب وسندان الاختناق الاقتصادي وضيق الحال، فإن الكثير من العائلات الشامية لا تزال تحاول التمسك بأذيال بهجة رمضان القديمة، عسى أن تستعيد بعضا منها.

رمضان في سوريا

رغم مرور سنوات من العيش تحت وابل القصف اليومي، محاطين بأخبار الموت والدمار، ورغم فراق الأحبة وغيابهم، لا يزال رمضان في سوريا يحمل بهجة لا يخطئها القلب. وأول ما يظهر من طعم رمضان، يكون في الأسواق القديمة: من سوق الجزماتية إلى الحميدية ومنه إلى باب توما، حيث تختلط روائح الجلاب والتمر وعرق السوس بروائح المعروك والناعم والبقلاوة، وتداعب الأذن أصوات الباعة بنداءات موروثة جيلا بعد جيل، أشبه بترانيم تحفظ ما بقي من حنين للأيام الطيبة.

لا يمكن الحديث عن رمضان في سوريا دون المرور بالجامع الأموي وساحته. يقع الجامع في قلب دمشق القديمة، وقد أسسه الوليد بن عبد الملك في عهد الدولة الأموية، وأراده أن يكون أهم مسجد في عاصمة خلافته دمشق. له أربعة أبواب، باب البريد من الغرب، وباب جيرون من الشرق، وباب الكلاسة من الشمال، وباب الزيادة من الجنوب، وبه أربعة محاريب للمذاهب الأربعة تزدان بأبدع فنون الرخام والفسيفساء والنوافذ الزجاجية الملونة. أما فناؤه فيضم 25 بابا تفتح مباشرة على أبواب الحرم.

ويتميز المسجد الأموي بعدد من التقاليد الرمضانية التي لا تزال ثابتة حتى اليوم، من أهمها الأذان الجماعي، وهو تقليد يعود إلى عهد الفقيه "عبد الغني النابلسي" قبل نحو 300 عام، حيث ابتكر النابلسي هذه الطريقة لإيصال الصوت إلى مسافة أكبر نظرا لعدم وجود مكبرات الصوت في ذلك الزمن.

وللأذان الجماعي في الجامع الأموي سبعة مقامات، يؤدى كل منها في يوم من أيام الأسبوع، وهي على الترتيب من السبت إلى الجمعة: الصبا، البيات، النوى، السيكاه، العراق، الحجاز، الرصد.

في رمضان أيضا، تزدحم الشوارع والأسواق في سوريا بالمقبلين على شراء مختلف أنواع الأطعمة والمشروبات المرتبطة بالشهر الفضيل، ورغم اقتصار بعض الأسر على شراء الضروريات بسبب ضيق الظروف الاقتصادية، تظل المائدة الرمضانية السورية محتفظة بتميزها بمجموعة من الأصناف المميزة.

من المعروك.. إلى بائع العرقسوس

"طيب يا معروك.. طازة يا معروك.. أكل الملوك يا معروك"، هكذا ينادي الباعة المتجولون على أقراص المعروك الشهية في الأسواق والشوارع السورية. يرتبط المعروك بشهر رمضان ارتباطا قويا ووثيقا، حتى إن البعض يطلق عليه اسم "خبز رمضان". يتكون عجين المعروك من الطحين مع إضافة الزيت والقليل من السكر والسمن والماء، وبعد أن يُعجن العجين ويختمر يُفرَد على صاج ويُخبز في الفرن.

هناك أنواع مختلفة من المعروك بعضها مستحدث، مثل المعروك الملوكي الذي يضاف إليه الزبيب وجوز الهند وماء الزهر، أو المعروك بالشيكولاتة أو بالعجوة. وتكثف الأفران صناعة المعروك في رمضان، حتى إن بعضها يتوقف عن تقديم الأصناف الأخرى ويقتصر على بيع المعروك فقط. وقيل إن الأصل في التسمية هو لفظة "عرك"، وتعني العجن القوي باليد، حيث كان يُعجن باليد قديما قبل استحداث ماكينات العجن الآلية.

 ومن أبرز أكلات رمضان في الشام أيضا "الناعم"، والذي يُعتقد أن أصله يعود إلى دمشق. وهو مزيج من الطحين والماء والزيت، يُعجن على شكل أرغفة ويُجفف في الشمس، حيث يجهز قبل شهر رمضان بعدة أسابيع ويقلى في الزيت المغلي يوما بيومه ليتخذ ما يُعرف بلون "جناح الدبور"، ثم يصفى، وبعد أن يبرد يُزيَّن بدبس العنب أو دبس التمر باستخدام ملعقة خشبية ضخمة. هذا بالإضافة إلى مختلف أنواع الحلوى التي يتفنن السوريون في إعدادها حول العالم مثل النمورة والبقلاوة وغيرها. ولا يمكن تخيل المائدة السورية دون وجود أطباق مثل الفتوش والتبولة والكبة وشوربة العدس وفتة الحمص والصنوبر.

ولا تخلو الموائد السورية من المشروبات الرمضانية التقليدية المدهشة، مثل العرقسوس والتمر الهندي، وهما من المشروبات التقليدية التي عرفتها بلاد الشام في زمن العثمانيين، ولا يزال باعة التمر الهندي والعرقسوس يدورون في شوارع الأسواق التقليدية السورية بملابسهم التقليدية وأباريقهم النحاسية الضخمة، يحملونها على أكتافهم مع صاجات نحاسية يدقون بها لجذب زبائنهم.

وبالإضافة إلى التمر والعرقسوس، يتناول أهل سوريا أيضا شراب التوت، والذي يباع مُركّزا في الأسواق، ويُخفّف بالماء البارد قبل تقديمه. إضافة إلى الجلاب والذي يصنع من دبس التمر أو دبس الزبيب المضاف له السكر والليمون وماء الورد.

ومن بين التقاليد السورية الكريمة أيضا تقليد يسمى "السكبة"، ويعني تبادل الأطعمة بين الجيران قبل أذان المغرب. ما زالت أغلب الأسر السورية تحرص على هذا التقليد، حتى لو قلّت كميات السكبة أو استُبدلت في بعض الأحيان بأطعمة بسيطة وأقل تكلفة، أو حتى بقطع من السكاكر والحلوى.

ومن بين العادات الكريمة أيضا في سوريا والتي ما تزال منتشرة، خاصة في المدن الصغيرة والريفية، أن يقف صاحب الدار أمام منزله وقت الإفطار منتظرا مرور أي شخص لدعوته إلى مائدته.


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة