تلفزيون نابلس
كيف استخدمت إسرائيل علم النفس الاجتماعي لإضعاف قضية إضراب الأسرى؟
1/4/2022 2:50:00 PM

بقلم : منى العمري : لماذا تراجع الدعم الشعبي ولم يعد الالتفاف حول أسير مضرب عن الطعام كما في الماضي؟! ولا أقصد الماضي البعيد؛ تذكرون إضراب الأسير خضر عدنان بالطبع، وانتزاعه لحريته بثباته أولا، والإسناد الشعبي من حوله المتمثل بجمعيات ومؤسسات الأسرى والحراكات الشعبية، التظاهرات على الأرض والحملات الإلكترونية التي كانت تجذب صدى دوليا وتنديدات دولية أحيانا كثيرة. موجة إسناد كانت تنطلق قبل أن يصل الأسير إلى حافة الموت، ليس قبل ذلك بكثير، لكن على الأقل لا تنطلق والأسير في حالة احتضار.

إسرائيل معنية بزيادة عمر معاناة الأسير المضرب عن الطعام، وتدرك أيضًا وقع المؤازرة الشعبية على نفسية الأسير، وبالتالي تعزيز فرص صموده وانتصاره. وبما أن الخطة ناجحة بنسبة عالية، إذ تمكن غالبية الأسرى بالفعل من انتزاع حريتهم بعد اعتقالات إدارية طويلة، اختارت إسرائيل نهجًا جديدًا مخادعا يقوم على إنتاجها هي لرواية الأسير المضرب.

إنتاج الرواية وإطالة عمر الإضراب بهدف إيصال رسالة للأسرى ولمن يدعمهم بأن الموضوع لا ينتهي، وأن فعل الإضراب والمساندة المرافقة له هي أفعال عبثية لا طائل منها، فلا المساندة تفلح ولا الإضراب يُجدي.

الأسير كايد الفسفوس

وكما تعرف السلطات كيف تحرك أو تخلق رأيًا عامًا، تعرف أيضا كيف تضعفه دون مواجهته أو صده، أو دعونا نقول إضعافه بالأدوات ذاتها التي يستخدمها.

 صورة الأهل أم صورة السجان: أيهما تحركك؟!

السماح بدخول أهالي الأسرى لرؤية أبنائهم بعد وصولهم للمستشفى يوفر مادة إعلامية أكبر، وبالتالي انتشارا أوسع إعلاميا؛ إلا أن إسرائيل باتت تسمح به لأنها تعلم أن هذا سيضعف الدعم والالتفاف الشعبي. كيف ذلك؟

في السابق وخلال الإضرابات عن الطعام، لم تكن تتوفر صورة للأسير، والمعلومات ترشُح بشح عن محاميه، والصور المتوفرة هي صورة لعناصر الأمن أمام باب غرفة الأسير، أو صور لأهله وللمساندين لهم عند مدخل المستشفى. أما اليوم، فالصور تتضمن أهل وأبناء وفيديوهات ورسائل من الأسير نفسه.

أنت في ظل كل انشغالاتك في الحياة - والتي تسببت إسرائيل في جزء منها من حيث لا تدري - وعلى الرغم منها، ستدعم بالنشر ولربما بالتواجد في مظاهرة أو وقفة أمام المستشفى المتواجد به الأسير المضرب المقيد في سريره، والمعزول عن العالم، والذي يعاني من ضعف ووهن ومشاكل صحية نتيجة الإضراب ومخاوف من إطعامه قسرا. الوحدة والقيد وبعده عن الأهل ووجود قوات الأمن في محيط غرفته، يجعلك تتحرك، خصوصًا وأننا نتحدث عن مشهد ظلم واضح ومباشر؛ لكن إدخال عنصر الأهل سيجعلك تطمئن، على الرغم من معرفتك أن الإضراب ما زال قائمًا، وأن الأسير يتألم طبعا. هذه ليست محاولة للتبرير، وإنما محاولة لقراءة سبب تراجع الإسناد الشعبي، الذي أصبح على شكل هبات تحصل عندما يضرب أسير عن الطعام ويصل حالة الاحتضار، أو عندما ينفذ 6 أسرى عملية فرار بطولية من سجن الجلبوع.

الأسير مقداد القواسمي

انشغالات الناس لم تتغير، بل كانت أصعب في الماضي؛ فما الذي يفسر ترك الناس لقضاياهم الشخصية والتوجه إلى مستشفى "برزلاي" في عسقلان عام 2015 لمساندة الأسير محمد علان، ولماذا تراجعت الوتيرة هذه الأيام؟

يقول بروفيسور أسعد غانم، المحاضر في العلوم السياسية في جامعة حيفا، إن التراجع في دعم وإسناد الأسير المضرب عن الطعام يعود للتراجع في كافة القضايا الوطنية الجمعية، في ظل عدم وجود حراك وطني جامع في الداخل والضفة وحتى لدى اللاجئين، وهذا يُنسب بجزء كبير إلى التعمق في مسألة الليبرالية الاقتصادية والميل للاهتمام بالجوانب الفردانية، وفي صلبها الاقتصادي. في الماضي، تحركت الحافلات من قرى الشمال باتجاه مكتب الحاكم العسكري في الناصرة لمنع مصادرة أراضي قرية كفر مندا لصالح مشروع المياه القطري. وفي عام 2013 تحرك الداخل الفلسطيني، من شماله حتى جنوبه، منعًا لتنفيذ مخطط "برافر" في النقب، لكن في العام 2020 هدمت إسرائيل قرابة 2000 منزل في النقب ولم يكن هنالك تحرك يذكر. التراجع في المشهد الوطني العام أدى إلى التحرك فقط في القضايا الجمعية الكبرى مثل القدس، نظرا للمعنى الديني والوجداني.

أذكر أن أحد الأسرى الذي كان قد نجح في انتزاع حريته سابقا، جلس لأيام في أحد المستشفيات الإسرائيلية من دون حراسة على الباب، ومن دون أن يعرف حتى ما إذا كان قد أصبح حرا أو تم إسقاط الاعتقال الإداري في محاولة لتمييع القضية، خصوصًا وأن عدم الوضوح في قضية ما يجعل دعمها شعبيا وإعلاميا يضعف.

الفكرة هنا هي أنه يتوجب علينا دراسة إسرائيل كما تدرسنا وتطبق نظريات علم النفس الاجتماعي علينا، وهذا من وظيفة المؤسسات التي عليها أن تفكر وتترجم أفكارها إلى سياسات ونهج.

الحرية لأسرانا البواسل في سجون الاحتلال.

عرب 48


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة