تلفزيون نابلس
ملاحظات حول رؤية د. صائب عريقات .. بقلم : أ. د. محمد دجاني داوودي
12/27/2020 7:04:00 PM

(ردا على مقالة  د. دلال عريقات استاذة الدبلوماسية وحل الصراع، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الامريكية المنشور في صحيفة القدس بتاريخ٢٠/١١/٢٠)

 

هنالك اتفاق عام مع رؤية السياسي الفلسطيني المرحوم صائب عريقات على "ضرورة تغيير وظيفة السلطة الفلسطينية". وضرورة نقل الشعب الفلسطيني من الاحتلال للاستقلال، ومن السلطة للدولة دون انتظار التوصل الى حل سياسي مع الاسرائيليين ولكن الوسيط الأمريكي الرئيس دونالد ترامب الذي اظهر انحيازه الى الاسرائيليين بشكل كامل قد انتهت ولايته وجاء رئيس جديد معروف بدعمه لإسرائيل له رؤية استراتيجية مختلفة ومن الضروري منحه الفرصة لعرض تلك الرؤية على ارض الواقع.

الدكتور صائب عريقات محق في طرحه " رؤية متكاملة تضمنت خطة عمل فلسطينية بحتة دون الاعتماد على أي طرف عربي أو دولي"، ولنناقش رؤيته التي تقوم حسب ما جاء في مقالة ابنته على سبعة مرتكزات للحفاظ على المشروع الوطني والانتقال من السلطة الى الدولة، هي:

- انجاز المصالحة الفلسطينية.

المصالحة الفلسطينية حتى ولو تمت فإنها ليست بالأهمية القصوى كما يطرح لان ما حدث في غزة قد يتكرر في الضفة باستيلاء حماس على السلطة اما عن طريق الانتخابات او العنف.

- اعتماد منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.

منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني من تراث الماضي ولم يعد لها أي دور بل التمسك بها يشكل عقبة امام قيام الدولة الفلسطينية.

- تعزيز صمود الفلسطينيين على أرضهم.

تعزيز صمود الفلسطينيين على أرضهم ضرورة وطنية وقومية ودينية تم تجاهلها من السلطة منذ تأسيسها فاستغلتها حكومة إسرائيل اليمينية لبناء المستعمرات لتثبيت اقدامها ومخططاتها التوسعية على الارض الفلسطينية.

- انتخاب مجلس وطني فلسطيني يمثل جميع أبناء الشعب الفلسطيني دون تمييز.

المجلس الوطني الفلسطيني لن يمثل جميع أبناء الشعب الفلسطيني دون تمييز بل يمثل الفصائل السياسية ولا داع له في ظل وجود برلمان فلسطيني من ضمن مؤسسات الدولة الفلسطينية.

- أن تكون المرجعية في أي خلاف هي صناديق الاقتراع، وترسيخ مبدأ تحريم الاقتتال الفلسطيني - الفلسطيني.

صناديق الاقتراع ليست بالضرورة هي الحل بل قد تتسبب باعطاء الشرعية للفصائل المتطرفة المتعطشة للسلطة وكما حدث في انتخابات 2006 التي فتحت الباب امام حماس لتستولي على السلطة في غزة. اما ترسيخ مبدأ تحريم الاقتتال الفلسطيني – الفلسطيني فانه لن يحدث بمجرد كتابة قانون يحرمه او اتفاق يوقع عليه بل بالتركيز على نشر ثقافة دينية وسياسة قائمة على الوسطية والتسامح والتعاطف بين أبناء الوطن.

- تعزيز المؤسسات الوطنية الفلسطينية واستكمال بنائها.

تعزيز المؤسسات الوطنية الفلسطينية ضرورة وطنية ولكن كجزء من مؤسسات الدولة الفلسطينية وليس السلطة الوطنية او منظمة التحرير الفلسطينية فالسلطة قامت كمؤسسة مرحلية والمنظمة انتهى دورها.

- الاستناد للشرعية الدولية والقوانين الدولية ومنها القرار 19/67 الصادر عام 2012 الذي نص على الشخصية القانونية لدولة فلسطين.

الاستناد للشرعية الدولية والقوانين الدولية ومنها القرار 19/67 الصادر عام 2012 الذي نص على الشخصية القانونية لدولة فلسطين. يجب ان لا يعول عليه كثيرا فمنذ نكبة عام 1948 وقرارات الأمم المتحدة تصدر قرارا تلو القرار دون اية فائدة تذكر. وهذا ما افشل قمة كامب ديفيد عام 2000 حين ذهب الوفد الفلسطيني متحصنا بقرارات الأمم المتحدة فقيل له انت في كامب ديفيد وليس نيويورك وان اردت الأمم المتحدة فالعنوان خطأ. ولذا علينا الاستناد الى امكانياتنا الذاتية وطرح أفكار جديدة للتوصل الى حلول وسطية مع الطرف الآخر وامريكا.

رؤية عريقات كما ذكر اعطت توضيحاً لاستراتيجية نتنياهو القائمة على أربعة محاور:

١- إيجاد سلطة فلسطينية دون أي سلطة، وذلك بتغيير وظيفة السلطة من سلطة وجدت بالأساس لنقل الشعب الفلسطيني من الاحتلال الى الاستقلال، تحولت وظيفتها إلى سلطة تُقدم خدمات في مجال الرواتب والأمن وغير ذلك من الوظائف المدنية.

٢- إيجاد احتلال دون تكلفة، موضحاً أن التكلفة تشمل المقاومة المسلحة او النقد الشفوي او الذهاب للجمعية العامة او مجلس الأمن او المحكمة الجنائية الدولية او مجلس حقوق الانسان.

٣- إبقاء قطاع غزة خارج إطار الفضاء الفلسطيني من خلال استمرار الانقسام الداخلي مع استمرار حصار غزة.

٤- دفن مشروع الدولة الفلسطينية وإنهاء المشروع الوطني الفلسطيني بشكل كامل.

ونتفق مع رؤية الدكتور عريقات من أن "القيادة الفلسطينية أمام خيار واحد وهو رفض استراتيجية نتنياهو بالصمود على الأرض" ولكن ليس فقط بإجبار إسرائيل على دفع ثمن احتلالها بل على الضغط عليها لانهاء ذلك الاحتلال.

ولا اتفق مع رؤية عريقات بأن تشمل الإجراءات الفلسطينية لتحميل إسرائيل تكلفة احتلالها ما يلي:

- إلغاء جميع الاتفاقيات والتفاهمات بما فيها الأمنية.

الغاء هذه الاتفاقيات والتفاهمات مطلب إسرائيلي للاستمرار في سياسات الضم والقمع والاحتلال وعلينا ان لا نقع في هذا الفخ.

- وقف التنسيق الأمني والمدني.

التنسيق الأمني والمدني والتفاهمات الأمنية تصب في صالح السلطة اكثر ما تصب في صالح إسرائيل. فالقدرة الفلسطينية لجمع المعلومات الأمنية مقارنة مع القدرات والامكانيات الإسرائيلية والغربية محدودة تماما وغياب تلك التنسيقات سوف يؤدي الى انهيار السلطة الحتمي وانتشار العنف والفوضى في الأراضي الفلسطينية. ومع انتشار الكورونا فانهما سوف يتسببان بمأساة قومية.

- إيقاف اي اتصال مع ادارة ترامب.

لا اتفق مع عريقات بإيقاف اي اتصال مع ادارة ترامب بل كان علينا تكثيف الاتصالات معها في محاولة لتصويب الأمور وتحسين العلاقات وعل كل حال فهذا ترامب قد رحل واخذ معه كافة من كانوا حوله من متنفذين وجاءت إدارة أمريكية جديدة علينا التعامل معها بحكمة ودراية.

كان من التسرع قرار القيادة الفلسطينية إيقاف السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير عمليات التنسيق و قرار القيادة في اعتبارانها في حل من الاتفاقيات السابقة دون دراسة متعمقة لأبعاد ذلك على وجود السلطة الفعلي على الامن القومي. وكان القرار يصب في مصلحة السياسة التوسعية لإسرائيل مكرسا إياها على الأرض كقوة الاحتلال.

واتفق مع عريقات في رؤيته حل الدولتين وليس حل الدولة الواحدة كاستراتيجية وطنية دون اقتراحه  بحل السلطة قبل تحقيق ذلك.

وتطرق المقال لرؤية عريقات حول خيار المقاومة وحول التطبيع والبعد العربي والدولي مؤكداً أن تقارب العرب التطبيعي "بدون ثمن" مع اسرائيل قد يكون "خطأ استراتيجي" بالنسبة للفلسطينيين ولكن ليس بالضرورة للدول العربية المطبعة. واتفق مع عريقات، بإن لغة التهديدات والمصالح الأمريكية والاقليمية لن تجد في الشعب الفلسطيني من يقبل بهذا الطرح لانها لن تصب في المصلحة القومية الفلسطينية بل ستسبب اضرارا كبيرا للقضية وكما تسببت العمليات الانتحارية ضد المدنيين في خسارة الرأي العام العالمي.   ومع ان خيار الدولة الواحدة فكرة حضارية، الا انه ليس واقعيا بعد اقتتال دام نحو قرن بين الشعبين كما انه ليس خيار أي من الشعبين، الإسرائيليون  الذين ناضلوا لإنشاء دولة يهودية والفلسطينيون الذين ناضلوا لإنشاء دولة فلسطينية.

أما قرار القيادة الفلسطينية في نوڤمبرالماضي لاستئناف التنسيق مع إسرائيل والرجوع عن قرارها أنها في حل من الاتفاقيات الموقعة، فانه القرار السليم على الرغم من انه قد أثار احتجاجاً شعبياً واسعاً. ولو كنا قد قبلنا بقرار التقسيم او قبول مشروع روجرز او الذهاب مع الرئيس المصري أنور السادات الى كامب ديفيد لأثار ذلك احتجاجاً شعبياً واسعاً ولكننا نندم اليوم على تلك القرارات التي أدت الى خسارة وطنية كبيرة لنا.

وارجو ان لا نرتكب نفس الأخطاء التي ارتكبناها في الماضي مع إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن الذي عبر على الدوام التزامه العميق لأمن إسرائيل. ولكن بايدن يؤيد حل الدولتين ويؤمن بأن هذه هي الطريقة الوحيدة لضمان مستقبل إسرائيل كدولة يهودية، ديموقراطية وآمنة، إلى جانب تحقيق التطلعات المشروعة للفلسطينيين. وسيحافظ جو بايدن ويعمق التعاون العسكري والاستخباراتي مع اسرائيل لضمان التفوق العسكري الإسرائيلي لان ذلك جزءا من الاستراتيجية الامريكية للحفاظ على امنها القومي. وسيطالب إسرائيل والفلسطينيين بعدم اتخاذ خطوات أحادية تمنع العودة لحل الدولتين، وقد يجدد الدعم للسلطة الفلسطينية، او يفتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية، وقد يقوم بتقديم مساعدات إنسانية واقتصادية للفلسطينيين بموجب قانون تايلور فورس وقد يعارض موضوع الضم ولكن كل ذلك يعتمد على الموقف الفلسطيني وضرورة أن يتوقف الفلسطينيون عن التحريض على العنف والخطوات الأحادية في السياسة والتعليم.

علينا الاستفادة من واقع أن انتخاب جو بايدن رئيسا أمريكيا جديدا يمكن أن يفتح الباب أمام عودة المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية في إطار رؤية حل الدولتين، ووقف خطط الضم الإسرائيلية التي تندرج تحت المشروع الاستيطاني الصهيوني الذي يهدف الى القضاء على أمل وجود دولة فلسطينية جغرافياً وسياسياً.

والجواب على السؤال: هل ستغير إدارة الرئيس الأمريكي الجديد "بايدن" سياستها تجاه الفلسطينيين مقارنة لما كان عليه الحال أيام الرئيس ترامب؟

الجواب: الأمر منوط بالفلسطينيين والسعي لتحسين صورتهم امام الرأي العام الأمريكي. علما بان بايدن يؤيد حل الدولتين ولن يتراجع عن اعتراف الولايات المتحدة بالقدس كعاصمة لإسرائيل. وسوف يستمر في تأييد اتفاقيات التطبيع العربية على أساس انها تحسن من فرص الحل السياسي، وعلى اعتبار ان مبادرة السلام العربية كشرط للتطبيع العربي الاسرائيلي قد باتت من الماضي.

بالخلاصة، نريد للمرحلة القادمة قيادة فلسطينية تقود بالفكر المنفتح والعقلية الخلاقة ولا تقاد بالعواطف الجماهيرية والمزايدات السياسية. مع عميق التقدير والاحترام للمرحوم صائب عريقات شمله الله سبحانه وتعالى برحمته وغفر له واسكنه فسيح جناته.


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة