بقلم : د. محمود مرعي - ألا ليت قلمي يكون حراً !, إلا ليت وطني يكون حراً !, والأسرى جميعاً يتحررون !, ألا ليت الاستبداد والاستعباد يضمحلان !, والإكتتام والخنوع عليه الحق ينتصران !, فأنا لست بشاعرِ مديحٍ , ولا بشاعرِ رثاءٍ لأوافيكم حقكم , فعذراً لِقِصَرِِ قلمي أو بساطةِ كلماتي , فأمامَ هاماتكم تُقَزَمُ ألأقلام , ويتلعثمُ الشعراء والأدباء .., مِنْ خلفِ القضبان انطلق قلمُ الاسير (محمد ابراش) لِيخُطَ كلماتٍ ممزوجةٍ بالدمعِ والحرقة , بعد أن سُلب مِنه قَلمُه ألذي كان يرسم بِهِ تضاريس وَحُلمَ وطنه المسلوب , ويخُطُ مع رِفاق دربه معالِمَ وطنه , فمن عتمةِ الزنزانة كتب بقلمه كلماتٍ مؤلماتٍ استهلها "بِ "لا تخبروا اُمي باني اصبحت اعمى " ولسان حاله يقول : لا أريد أن أحرق قلب اُمي على عتمة عيوني , فيكفي حُزنها على فِراقي , الاسير (محمد براش), ابن مخيم (الامعري) , فقد بصرهُ بسبب الإهمال الطبي , ومماطلةِ ادارةِ السجنِ عدةَ سنواتٍ لعمل زراعة قرْنِية لِعَينِه , حتى فقد بصره , وفقد رجله , وهو وغيره الكثير مِنَ الاسرى ممن يعانوا مِن الامراض ِالمزمنة , دون رعاية طبية تُذكر , ولا عناية بالحالات الخاصة , والتي كفلتها المعاهدات الدولية في كيفية التعامل مع الاسرى , مِنَ الواضح أنَ ادارة السجون الاسرائيلية تتعمد قهر ارادة الاسرى , وقتل الروح المعنوية , والأمل وقوة الايمان بالحرية , لتجعل منهم أشباح وأجسام منهكة مثقلة بالأمراض كالجسد بلا روح ,
"لا تقولوا لامي باني اصبحت أعمى , رسالة تُدمي القلوب وتَعتصِر العيون حُرقه , وترق لها قلوب قاسية , ألأسير البطل بارٌ بأمه ويخاف عليها ولا يريدها أن تعرف بأنه اصبح اعمى , لا يريدُ أن يحترق قلب امه عليه , ولكن هيهات أن نستطيع أن نخفي على اُمهاتنا احزاننا فمهما بلغنا من الذكاء ومهارة التمثيل , أمام امهاتنا نكون عراة مكشوفين من كل الحواجز والسوا تر , وملامحنا وحركاتنا المصطنعة التي نحاول ان نخفيها مفضوحة مكشوفة أمام امهاتنا , ودقات قلبهن تخفق من اجلنا لا مِن اجلهن لو كان الامر بيديهن , أيها الاسير البطل محمد امك من أول زيارة لك في المعتقل وحاولت ان تخفي آلامك وأوجاعك عنها خوفا عليها , هي كذلك عرفت وكتمت حرقتها وألمها من اجلك , مهما حاولت ان تشعرها بنور عينيك فهي رأت الظلام قبل ان تراه أنت , فكيف لها أن تبصر النور وقلبها يحترق , أنت تحاول ،أن تخفي عجزك ووجعك , وهي تحاول أن تشعرك بأنها قوية امامك ؛ وأنها لا تعلم بحالك ووجعك وألمك .
تحمل بين ضلوعك المهشمة آلام وأوجاع كثيرة , ظلام ألسجن ووحشَتِهِ , وظلم السجان ووحشِيَتِهِ , وزائر ألمرض والوجع لا يفارق جسدك الًمنْهَك , وقلة النوم التي تؤرِق مضجعك وإحساسك بأن القلم الذي رسمت به حدود وطنك بتضاريسه وسهوله وجباله قد سُلبَ منك , وأن نور ألحرية قد انطفا , احساس دخيل لا بد أن تقاومه وتطرده , لنْ يخذلوك إخوانك , ومن هم على الدرب سائرون , مهما كان وجعك وألمك ؛ فأنت ومنْ معك من الاسرى من علمتم وما زلتم تعلمون ألناس الصبر وقهر الزمن , وقهر ألسجان , فلا يستطيع سجانك أن يسجن ارادتكم , وأملكم بالفرج القريب , لنْ نخبر والدتك بأنك اصبحت اعمى , سنعيد صياغة كلماتك التي احزنت الكثير من اهلك وأبناء وطنك , وسنقول بأعلى صوت : انتم النور ونحن العُميان في زمن الخذلان , وكما قال الشاعر:
وكم من أسير بقلب طليق .. وكم من طليق كواه ألضجر.
سنقول لامك : التي حَلِمت بأنك ستصبح طبيباً , معلماً , مهندساُ , أنها ارضعتك حليب ألأبطال والتضحية والفداء , حب الوطن والدفاع عنه ,هكذا هي لهذا هي تتوجع اكثر منك .
أيها الاسرى !! , يا احرار الارواح والعقول !, يا احرار القلوب حبيسي الاجساد !! نحن مسجونين بقلوبنا وأرواحنا طليقين بأجسادنا , أجسادٌ بلا روح , ذَوْاتنا مقيدة , نتكلم كأننا مبرمجين بما تستهويه الانفس المريضة , نخاف على اجسادنا الخالية الخاوية من ايَّ روح متحررة , نخاف على هياكلنا ممن يتربص بها من آكلي لحوم البشر , ومن متلذذي امتهان كرامةِ الناس , ومِنَ الباحثين عن ألشر المجبولين على الغطرسة والسيطرة , الذين لا يناموا على فراشهم ووسائدهم وضمائرهم مرتاحة , إنهم عبيد الشياطين لا يناموا ولا ترتاح ضمائرهم إلا اذا عاثوا في الارض فسادا وسرقة , وقطعوا الشجر وحرقوه , وسمموا الزرع بنجاساتهم مِنْ فوق تِلالنا وجِبالنا, وظلموا وأكثروا طغياناٌ, وإلا فلماذا الخوف اذاً من قول الحق ؟ لماذا المديح الزائد في زمن الخسائر والخذلان ؟ . لماذا نصفق , ونغني , ونهلل ونحمد , ونلقي الاشعار الزائفة وأبطالنا الافضل منا في الاسر ؟!, وهنا أتسائل هل اعطينا الاسرى حقهم ؟ وهل حرية الوطن تعتبر حرية وأسرانا في السجون ؟ .
في يوم الاسير الفلسطيني ألذي يصادف 17 نيسان / ابريل , يخرج العشرات في وقفات احتجاجية وتضامنية لا تَرْقَ للمستوى المطلوب , واغلبهم يكون من أهالي الاسرى , ونادي الاسير , وتأتي هذه المناسبة في هذا العام في ظروف استثنائية , واقتصرت على بعض الندوات , وفي نشرات ألأخبار في نطاق ضيق , وذلك بسبب وباء كورونا , مما زاد من معاناة الاسرى وزاد من قلقهم نتيجة الاهمال الطبي وعدم وجود العناية الكافية , أمّا إذا كانت دعوة لاحتفال صاخب لإحدى الفنانين , فيتزاحم الناس ذكورا وإناثا بالآلاف او احتفالات اخرى معروفة ... , عُذراٌ أيها الاسرى فنحن مقصرون , وثقافتنا العربية والنخوة الاسلامية تلاشت أو انها في الرمق الاخير , لكن البشرى جاءت في ألحديث الشريف بقول صلى الله عليه وسلم : "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرة على الحق حتى تقوم الساعة" .
" لا تَقُل لأُمي عن الاسرى المرضى الذين فاضَ الدواءُ في اجسامهم جنوناٌ وحرباٌ " هكذا قال الاسير محمد براش , ونقول لك : أننا سنخبر كل ألأُمهات في فلسطين عن معاناتكم , وعن آلامكم , من أجل أن يبتهلن لكم بالدعاء في صلواتهن , وأن يخفف عنكم ويفرج كربكم , ويشفي مرضكم , ويؤنس وحدتكم , وسنخبر كل الامهات عن أسمائكم وسيحفظنها غيبا كما يحفظن في قلوبهن وعقولهن فاتحة القرآن , ويُصَلّيْنَ الفجر ويسألن الله أن يفرج عنك وعن احمد أبو ألرب , خالد ألشاويش , أحمد ألنجار , منصور موقدة , أكرم منصور , أحمد سمارة , ريما ضراغمة , طارق عاصي , معتصم رداد , رياض ألعمور , ياسر نزال , أشرف أبو ذريع , جهاد أبو هنية , نائل ألبرغوثي , وكريم يونس ولبقية ألأسرى جميعا الفرج آتٍ ولا بد للقيد أن ينكسر ,و"صبر ألرجال وهِمَة الأبطال صنعا دروب العز للأجيال.
تصميم وتطوير: ماسترويب 2016 |