تلفزيون نابلس
32 حالة انتحار بالضفة والقطاع منذ مطلع العام الحالي.. الأسباب والوقاية
12/17/2019 7:27:00 PM

رام الله- تُظهر الإحصاءات المتوفرة تصاعُداً في حالات الانتحار في الضفة الغربية وقطاع غزة، خلال السنوات الماضية، في ظل تنوُّع أسبابها الاجتماعية والنفسية والاقتصادية.

وتكشف "القدس"دوت كوم، من خلال تحقيقها الذي أعدته حول الانتحار في فلسطين، أن أكثر الذين أنهوا حياتهم بالانتحار هم من فئة الشباب، ذكوراً وإناثاً، الفئة التي من المفترض بها أن تكون مُنتجةً ومفعمةً بالنشاط والحيوية.

تنبَّهوا لأعراض الانتحار.. فيها تكمن الوقاية

ويبدو أنَّ للأعراض التي تسبق الانتحار أهميةً في اكتشاف الأشخاص المُقدمين على الانتحار قبل حدوثه، إذ تؤكد رئيسة دائرة العلوم الاجماعية في جامعة بيت لحم والدكتورة في الصحة النفسية فردوس عبد ربه العيسى، في حديث لـ"القدس" دوت كوم، أنّ الانتحار لا يحدث فجأةً، بل هناك أعراض ومؤشرات تظهر على من يُقدمون على الانتحار، أهمها: الانسحاب الاجتماعي، وعدم الرغبة في الحياة أو عدم وجود معنى لها، والحديث عن الفشل، والشعور بعدم وجود قيمةٍ للذات، والحديث بشكل متكرر عن الموت.

وتشير العيسى إلى أن بعض تصرفات سلوك الانسحاب الاجتماعي تتمثل بعدم المشاركة بأنشطة الأسرة والأصدقاء الحالية أو السابقة، وتشكل المناسبات الاجتماعية لمن يعانون أعراض الانتحار ضغطاً أكبر، ويشعرون بالهزال والكسل، ولا يقدرون كذلك على الدراسة والقيام بالواجبات الدراسية أو العمل.

وأبرز أعراض الانتحار الأساسية، وفق ما يؤكد مدير مركز غزة المجتمعي للصحة النفسية واستشاري الطب النفسي للأطفال والمراهقين د. سامي عويضة، في حديث لـ"القدس"دوت كوم: "الشعور بعدم وجود قيمة للشخص وأنه بائس ويائس، ولا أحد يقدر على مساعدته، وأنّ الموت أرحم به من الحياة، ولا توجد له قيمة، وأنّ إقدامه على الانتحار سيُريحه وعائلته، فهو يشعر بأنه عبءٌ على نفسه وعائلته وعلى الآخرين، لذا يجب أن تتنبَّه العائلة لذلك، وإبلاغ المختصين، ويجب الحديث والتوعية في الإعلام بهذه الأعراض".

أسباب الانتحار في فلسطين

وقد تأتي أعراض الانتحار نتيجةً لحدثٍ صادم، كالاعتداءات الجنسية والاغتصاب، وفي هذه الحالة تكون أعراض الإقبال على الانتحار سريعةً أكثر من غيرها، بحكم الشعور الذي يرافق الضحية بالذنب والعار، بالرغم من أنّه لا ذنب للضحية بما جرى، بسبب المنظومة الفكرية للمجتمع التي تُجرّم الضحية وتُسبّب لها الإهانة والاضطهاد، ما يُحفز نزعات الانتحار للضحية، وربما تتحول إلى اتجاهٍ آخر غير الانتحار، كإيذاء النفس أو الذهاب باتجاه إدمان المخدرات أو تطور أمراض معنية، أو باتجاه الكحول والسلوكيات المعادية للمجتمع، خاصةً إن كان المجتمع هو السبب.

وهناك مجموعة من العوامل التي تدفع بالإنسان إلى الانتحار ناتجة عن حالات القمع والقهر وغياب العدالة وعدم وجود تكافؤ الفرص ووجود الاحتلال وقمعه والظروف الداخلية التي يعيشها الشعب الفلسطيني، التي تنعكس على الشباب، وهم الفئة التي من المفترض أن تكون مُقبلة على الحياة، لكنها تتعرض للإحباط نتيجةً لتلك الظروف، ما يسبب عدواناً باتجاه المجتمع عبر سلوكياتٍ معينة، أو ربما تتحول نحو الداخل والذات، ومنها إيذاء النفس والانتحار، وفق العيسى، التي تؤكد أن من يموتون نتيجة الانتحار لديهم تجارب سابقة للانتحار ضمن محاولاتٍ وإصرارٍ على الانتحار.

والمنتحر هو الشخص الذي يقدم على إيذاء نفسه بهدف إنهاء حياته مع سبق الإصرار، علاوةً على أنّ أكثر الأشخاص المُعرّضين للانتحار هم مَن لديهم محاولات سابقة فاشلة في ارتكاب الانتحار، "لذا يجب عدم الاستهتار بهم، حينما يصلون إلى مرحلة تتساوى لديهم فيها الحياة بالموت"، يؤكد مدير مركز غزة المجتمعي للصحة النفسية واستشاري الطب النفسي للأطفال والمراهقين د. سامي عويضة، في حديث لـ"القدس"دوت كوم.

أسباب الانتحار وطرق علاجه

تشدد العيسى على أن معرفة أسباب الانتحار هي الأساس لعلاج هذه القضية وليست الأعراض، فتلك الأعراض ناتجةٌ إما عن تفكك أُسري أو اعتداءات داخل الأسرة وغيرها، وفي حال وجود المشكلة داخل الأسرة فمن المهم التدخل الفوري عبر إجراءاتٍ وقائيةٍ بتوعية الأهل لأبنائهم والانتباه لطلب المساعدات من المختصين، علاوةً على ضرورة التدخل عبر حملات التوعية في الإعلام والمدارس والتجمعات الشبابية وبين الأهالي.

وتضيف: إن الأشخاص الذين لديهم نزعات انتحارية بحاجةٍ لعنايةٍ وعلاجٍ نفسي، عبر الحفاظ على التوازن وإشعارهم بالأمن وإبعاد كل الخطر عنهم، إذ لا بد من التدخل في الأزمة ثم الحماية والعمل طويل المدى معهم عبر تعديل الأفكار غير المنطقية التي يحملونها، وذلك بدعمهم من داخل الأسرة ومساعدتهم بوجود قيمة مهمة لذواتهم من خلال الحصول على عمل أو تأهيل مهني، وبعضهم بحاجة إلى أدوية للأمراض النفسية، وبعضهم يحتاج إلى علاج وإقامة بمصحات عقلية.

وتشدد العيسى على أن ملاحظة الأهل نزعات أبنائهم الانتحارية هي من الأمور المهمة، فهم الأقدر على متابعتهم ومساندتهم من دون إهانةٍ وقمعٍ وإشعارٍ بالدونية، إلى جانب طلب المساعدة من المعالجين المهنيين، فيما تشير العيسى إلى أن المجتمع غالباً ما يتوجه إلى المعالجين النفسيين في أوقاتٍ متاخرةٍ جداً من المرض النفسي، وفي أحيانٍ أُخرى يتوجهون إلى أُناسٍ آخرين، ومنهم المشعوذون، وحين وصول أولئك الأشخاص إلى المعالجين يصلون بحالاتٍ صعبة، لذا يجب على الأهل استشارة المختصين حين وجود أيّ تغيُّرٍ على أبنائهم، ومن المهمّ الخروج من الشعور بالعيب والحرج والوصمة حين طلب المساعدة من الأخصائي النفسي.

وتشدد العيسى على أنه مطلوبٌ من الحكومة والوزارات المختلفة التدخل للتوعية، فهذا الأمر ليس مسؤولية الأخصائيين النفسيين فقط، ولا بد من التوعية ووضع سياسات وخطط وطنية بهذا الاتجاه، وتوفير التأهيل والعلاجات، ووجود برامج مجتمعية مبنية على المجتمع، وبحاجة لرؤيةٍ مختلفةٍ للتعامل مع الاضطرابات الاجتماعية، بما فيها الانتحار.

 ويشير مدير مركز غزة المجتمعي للصحة النفسية واستشاري الطب النفسي للأطفال والمراهقين، د. سامي عويضة إلى أن "العلاج لمن يقدمون على الانتحار، ولم تنجح محاولاتهم، يكون عبر الوازع الديني، إذ إن مجتمعنا هو مجتمع ثقافته عربية وإسلامية، والوازع الديني ما زال عاملاً وقائياً يمنع تزايد الحالات، إذ إنه في حال كشف محاولات انتحار يتم التركيز فيها على العلاج عبر العيادات وعلى العائلة وعلى المريض ذاته، علاوةً على زيادة الوعي في البيئة المحيطة للقضاء على الانتحار عبر المدارس والمساجد والإعلام، حيث إن معظم الحالات كانت على خلفيةٍ نفسيةٍ ناتجةٍ عن اضطراباتٍ نفسيةٍ واقتصاديةٍ ناتجةٍ عن تبعات الوضع السياسي".

ذوو المنتحرين يحتاجون لرعاية نفسية من آثار الصدمة

من المُهم أنه في حال وقَعَ الانتحار فإنه لا بد من مساعدة الأهل على التعامل مع الصدمة التي سبّبها لهم انتحار ابنهم، فهم يعانون الفقدان والوصمة الاجتماعية نتيجة الانتحار، ولذا يجب التدخل أيضاً مع الأهل لأنهم قد يحتاجون علاجاً مما أصابهم، وربما ما جرى يُسبّب للأسرة انهياراً، خاصةً إذا كانت مخلخلةً أصلاً، لذا يجب المحافظة على ما تبقَّى من الأُسرة، وفق رئيسة دائرة العلوم الاجماعية في جامعة بيت لحم والدكتورة في الصحة النفسية فرودوس العيسى.

أما رئيسة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة سماح جبر، فدعت إلى "العناية بأهل المنتحر، كونهم مفجوعين، ومن المهم أن يُدار النقاش عن قضية انتحار ابنهم بطريقةٍ صحيحة، وعدم ترك أحكامٍ قاسيةٍ عن الناس، وتركهم وشأنهم لرب العالمين، لأننا لا نعرف الظروف التي أدت بالإنسان إلى الإقدام على الانتحار، ويجب احتواء عائلة من يُقدم على الانتحار، ولا بد من تضافر الجهود بين المؤسسات المختلفة.

22 مليون شخص يُحاولون الانتحار في العالم سنويّاً!

ويُشكل المرض النفسي أبرز العوامل التي تدفع بالأشخاص إلى الانتحار، إذ تبلغ نسبة المنتحرين بسبب المرض النفسي الثلثين من مجموع المنتحرين، كما يؤكد مدير مركز غزة المجتمعي للصحة النفسية د. سامي عويضة، لـ"القدس" دوت كوم. ويشدد عويضة على أن هذه النسبة خطيرة، والانتحار هو السبب الثاني للوفاة في العالم بعد أمراض الأوعية الدموية والقلب، ويبلغ مجموع المنتحرين سنوياً نحو مليون شخص في العالم، فيما يبلغ عدد من يحاولون الانتحار ويفشلون نحو 22 مليون شخص سنوياً، وفقاً للإحصاءات العالمية.

حفظ النفس من مقاصد الشريعة الإسلامية

واهتمت الشرائع بحفظ النفس، كون حياة الإنسان مُلكاً لخالقها، وهي من مقاصد الشريعة الإسلامية الخمسة التي جاء الإسلام ليؤكد ضرورة المحافظة عليها، وهي: "حفظ النفس وحفظ العقل وحفظ النسل وحفظ المال وحفظ الدين"، لذا فإن الانتحار قضيةٌ خطيرةٌ تهدم البنية الاجتماعية للأُسرة، نهت الشرائع عنها.

ويؤكد وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية حسام أبو الرب، لـ"القدس" دوت كوم، أنّ قضية الانتحار خطيرةٌ جداً، وتهدم البنية الاجتماعية للأُسرة، وتنشر الأفكار الهدّامة واليأس بين الناس، فالإسلام حضّ على التفاؤل، مشيراً إلى أنّ الوزراة، ومن خلال دائرة الوعظ والإرشاد عبر المساجد وفي خطب الجمعة، تدعو إلى الابتعاد عن هذا الأمر، وتدعو إلى أن يُحافظ الإنسان على نفسه وعلى الآخرين، مشيراً إلى أنّ وزارة الأوقاف تستغل المناسبات والأحداث للحديث عن قضية الانتحار في خطب الجمعة، لتبيان خطورة الانتحار.

الانتحار تعدٍّ على النفس، وفاعلُه آثم

يؤكد مفتي محافظة رام الله والبيرة الشيخ إبراهيم عوض الله لـ"القدس" دوت كوم أنّ الانتحار حرّمه الله، وتوعد الرسول عليه الصلاة والسلام المُنتحر بالجحيم في نار جهنم، "فالمنتحر يتهرب من قدر الله، ويتصرف بنفسه، ويُفترض أن نفسه يبقى أمرها لله ليست لصاحبها، وهو تعدٍّ على النفس، وفاعله آثم، ولا يجوز مهما كانت الأسباب والظروف أن يُقدم الإنسان على الانتحار، الإنسان إن كان مؤمناً المفترض أن لا ييأس للظروف المحيطة والهروب إلى التصرف السلبي والخلاص من الحياة، فمهما كانت الدنيا وضاقت فهي بنظر المؤمن قصيرة، ولها مخرج، وله فسحة من النعيم، أما الذي يفقد الصبر والصواب وينتحر فهناك وعيد شديد له، واختلف العلماء بالصلاة عليه أم لا، وهناك تأويلات بالصلاة عليه خوفاً من الفتن".

ويشدد عوض الله على أنه يُفترض بالأهل أن لا يتركوا أبناءهم أن يصلوا إلى اليأس، لكنّ المؤمن لا يلجأ للانتحار، وحفظ النفس من الضرورات الخمس وهي: (حفظ المال، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ الروح، وحفظ العرض، وحفظ النسل)، وجميعها من الأساسيات المطلوب الحفاظ عليها ومنع المس بها، سواء من الآخرين أو من نفسه.

ويشير إلى أنّ إهلاك النفس بأي صيغةٍ حتى لو ترك رسالةً بطوليةً أمرٌ لا يجوز شرعاً، "الإنسان أحياناً يفقد الوعي والإدراك، وربما ذلك يعود للجهل أو التقليد لبطولاتٍ مُعينةٍ ظناً أنه يسجل موقفاً، لكن مهما كانت الغايات لا يُقبَل ذلك، فالغاية لا تبرر الوسيلة، علاوةً على أنّ المنتحر يترك ألماً في نفوس عائلته والمجتمع".

ويدعو عوض الله إلى "المحافظة على المجتمع، ومن الأمور السيادية تحسس ظروف الشباب، وأن لا نجعلهم يصلون للإحباط، إضافة إلى ضرورة التوعية الإعلامية والإرشاد عبر الأوقاف حتى لا يقول أحدٌ إنني أجهل بقضية الانتحار".

ويؤكد عوض الله أن "الانتحار سلبية كبيرة، ولا تليق بصفات المجتمع المسلم الذي يتفانى بحب الله وحب الآخرة ويبتعد عن سخط الله، والانتحار آفةٌ، سواء أكان حجمها محدوداً جداً أو كبر، وخطورة الانتحار أيضاً حينما نحاول أن نقلد المنتحر".

32 حالة انتحار بالضفة والقطاع منذ مطلع العام.. المدن أكثرها والمخيمات أقلها

وتُظهر الإحصاءات التي حصلت عليها "القدس" دوت كوم وجود 32 حالة انتحار في الضفة الغربية وقطاع غزة، منذ مطلع العام الجاري، إذ توضح الشرطة في الضفة الغربية، بحسب المتحدث باسمها العقيد لؤي ازريقات في حديث لـ"القدس"دوت كوم، وجود 22 حالة انتحار في الضفة الغربية بما فيها ضواحي القدس منذ مطلع العام الجاري 2019، مشيرا إلى أن تلك الحالات يتم الإعلان عنها بعد التأكد من وقوع الانتحار، فيما يوضح ارزيقات أن نسبة الذكور كانت الأكثر تنفيذاً للانتحار، فيما الإناث كُنّ الأكثر شروعاً فيه.

ويشير ارزيقات إلى أنّ أكثر من ثلثي حالات الانتحار كانت من فئة غير المتزوجين من كلا الجنسين، وأعلى نسبة للأشخاص الذين أقدموا على الانتحار جاءت ضمن الفئة العمرية ما بين 25- 28 عاماً، وكانوا من فئة حملة الشهادات الثانوية.

في حين كان العدد الأكبر للأشخاص المنتحرين من سكان المدن بنحو 50%، وجاءت القرى في المرتبة الثانية بنسبة 44%، وحظيت المخيمات على أقل نسبة بين الأشخاص المنتحرين بنسبة 4%، وفق ارزيقات.

ويشير ارزيقات إلى أن نسبة المنتحرين بالحبل "الشنق" بلغت الأكثر استخداماً، حيث شكلت 75% من مجموع المنتحرين، و12% كان سبب انتحارهم نتيجة السقوط من علو، تلاها السموم والسلاح والأداة الحادة، ولوحظ وجود أشخاص يشرعون بالانتحار في إطار محاولاتٍ فاشلة، كتناول حبات دواء أو جُرحٍ للأطراف أو تعليق أنفسهم، وكانت الإناث الأكثر عدداً في هذه المحاولات، وسُجل أكثر من مائتي حالة حاولت الانتحار.

وشهد العام الماضي (2018) ازدياداً بحالات الانتحار بنسبة 14% بوقوع 25 حالة انتحار، مقارنة بالعام الذي سبقه 2017 الذي سُجلت فيه 22 حالة انتحار.

أما في قطاع غزة، وبحسب إحصاءاتٍ حصلت عليها "القدس" دوت كوم من مركز الميزان لحقوق الإنسان، فإنه من العام 2015 ولغاية الآن تمّ رصد 57 حالة انتحار في القطاع، من بينها 13 طفلاً و9 نساء.

ويوضح مركز الميزان لحقوق الإنسان أنه رصد في العام 2015 انتحار 5 أشخاص، بينهم طفل، وفي عام 2016 تم رصد 10 حالات انتحار بينهم طفلان، وفي عام 2017 تم رصد 18 حالة انتحار بينهم 3 أطفال و3 نساء، وفي عام 2018 تم رصد 14 حالة انتحار منها 6 أطفال و4 نساء، ومنذ مطلع العام 2019 وللآن تم رصد 10 حالات انتحار بينها طفل و2 من النساء.

40 % من المنتحرين بالضفة الغربية يعانون أمراضاً نفسية

ووفق المتحدث باسم الشرطة لؤي ارزيقات، فإن من أهم أسباب الإقدام على الانتحار ودوافعه: الإصابة بمرض نفسي، وعدم سعي ذوي الأشخاص المصابين بهذه الأمراض للتوجه لعلاجهم، وشكلت هذه الأسباب ما نسبته 40% من بين أسباب الانتحار، وجاءت الخلافات العائلية في المستوى الثاني كدوافع للانتحار، وبلغت نسبتها 32%، وجاءت الأوضاع المادية في المرتبة الثالثة بنسبة 12%، ثم الأسباب العاطفية 4%، والابتزاز كان له دورٌ في الانتحار بنسبة 0,4%.

الحصار وغياب الأُفق السياسي أبرز أسباب الانتحار في غزة

ويوضح مدير مركز غزة المجتمعي للصحة النفسية واستشاري الطب النفسي للأطفال والمراهقين د. سامي عويضة أن الانتحار في غزة يعود إلى أسبابٍ، من أبرزها: الاحتلال والحصار وعدم وجود أُفق لحلٍّ سياسيٍّ، ووجود انقسام سياسي، علاوة على تكدس الخريجين والبطالة والمشاكل الاجتماعية، فيما يشير إلى وجود حالات انتحارٍ لأطفالٍ في غزة، ومنهم من كان متابعاً للعبة الحوت الأزرق، أو طفل يقلد مسلسلاً، وبعضهم نتيجة ظروفٍ اجتماعيةٍ وعاطفية، لكنّ نسبة المنتحرين في أوساط البالغين أكثر من الأطفال في غزة، فيما تنوعت وسائل الانتحار بين الشنق بالحبل أو شرب الأدوية أو المبيدات الحشرية وأدوية الأشجار.

من جانبه، يوضح مدير عام الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان د. عمار الدويك، في حديث لـ"القدس" دوت كوم أنّ فلسطين بشكلٍ عامٍّ ما زالت هي الأدنى في المنطقة بالنسبة لحالات الانتحار مقارنةً بعدد السكان، لكن حين مقارنتها بالسنوات السابقة فهناك زيادة، خاصةً في غزة، إذ يعود ذلك للضغوط الكبيرة جداً على المواطن الفلسطيني نتيجة الحصار والبطالة والفقر وعدم وجود فرصة أمام الشباب.

ويشير الدويك إلى أنّ تلك الحالات في غزة كان أغلبها بين الذكور في الفئة العمرية بين 18-35 عاماً، وهم فئة الشباب الذين يتوقع المجتمع منهم العمل والإنتاج، لكن بسبب عدم توفر الفرص قد يشعر الإنسان أنه ليس له قيمة في المجتمع ويتجه نحو الانتحار، كنوعٍ من الإحباط واليأس.

ويوضح الدويك أن أغلب حالات الانتحار في غزة مرتبطة باليأس والإحباط، وعدم توفر فرص الحياة وبعض حالات الانتحار مرتبطة بالتعاطي والمخدرات والعقاقير، فيما في الضفة الغربية قد تكون حالات الانتحار أقل بالنسبة لعدد السكان، ويعود سببها إلى التفكك الأسري والضغوطات التي تقع على الشاب أو الفتاة نتيجة هذا التفكك الأُسري.

ويدعو الدويك إلى العمل على مواجهة الانتحار بأكثر من صعيد، ودراسة الحالات ومعرفة الأسباب والتعامل معها، والبحث عن جذور المشكلة وتقديم الدعم النفسي ومحاولة توعية العائلات، لتكون لدينا المقدرة على الاكتشاف المبكر للنزعات الانتحارية لأحد أفراد العائلة، فيما يشير الدويك إلى أنّ المعطيات عن الانتحار هي مؤشراتٌ أوليةٌ حول هذا الموضوع الذي هو بحاجةٍ لدراسةٍ مُتخصصةٍ بشكلٍ أعمق للخروج باستنتاجاتٍ حول الانتحار.

استراتيجيةٌ وطنيةٌ للوقاية من الانتحار

وتؤكد رئيسة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة اختصاصية الطب النفسي د. سماح جبر في حديث لـ"القدس" دوت كوم أنّ وزارة الصحة تعمل على إطلاق استراتيجيةٍ وطنيةٍ للحدّ والوقاية من الانتحار في الفترة المقبلة، بالشراكة مع كافة الوزارات والجهات الحكومية والمنظمات العاملة بهذا المجال.

وتؤكد جبر أنّ الوزارة تعمل كذلك على تحسين آليات الرصد والتوثيق بشأن قضية الانتحار، مشيرة إلى أن الإحصاءات لدى الشرطة لا تعني بالضرورة زيادة نسبة محاولات الانتحار وإتمامه، فكلما كان التوثيق أدق وأوضح من المتوقع أن تزيد الأرقام المتعلقة بنسبة الانتحار، لأن الرصد سيكشف عن الظاهرة بطريقةٍ صحيحةٍ لأنها موجودة ومخفية.

وتدعو جبر إلى أن يكون هناك تعاونٌ بين الشرطة ووزارة الصحة في هذا المجال، وأن يكون الإعلان مشتركاً ومنسقاً، فالشرطة لها دور مهم في فلترة قضايا الانتحار من الجريمة، لكن من المهم الحفاظ على الخصوصية وعدم تجريم الفعل وتناول الموضوع بمنهجيةٍ طبية.

أُلفة الموت وانخفاض رهبته!

تتحدث سماح جبر عن أبرز أسباب الانتحار في المجتمع الفلسطيني، مؤكدةً أن المرض النفسي هو أبرز تلك الأسباب، لكن المرض النفسي غير معزول عن الظروف المحيطة الأُخرى، فقد يتفاعل المريض مع المجتمع سلباً أو إيجاباً، وربما قد يشعر المريض النفسي بأُلفةٍ واعتياديةٍ بالموت، وبحسب تفاعل المجتمع يقل أو يزيد السلوك الانتحاري، ومن دون أدنى شك فإن المجتمعات المتأزمة والمقهورة سياسياً، والأُفق فيها مُنغلقٌ أمام الشباب تخفض لديهم فرص التشبث بالحياة.

وتشير جبر إلى أنّ رهبة الموت في العالم العربي قلّت، وارتفعت نسبة الأُلفة مع الموت، وهذه القضية تظهر من خلال اتساع دوائر الفقدان والأسى كفقد الأقرباء والأصدقاء، فيصبح الشخص يألف الموت، عدا ظاهرة التقليد، حيث يلعب الإعلام دوراً مهماً في ذلك، حينما نضفي صفة البطولة على الإقدام على الموت، وهذا أمر إشكالي، كما حدث في تونس، فبعد ظاهرة البوعزيزي ازدادت الحالات التي قلدت هذا الفعل، لأنّ المجتمع أضفى عليها نوعاً من البطولة.

لا تُمجّدوا الانتحار....!!

وتؤكد جبر أنه لا بد من الانتباه إلى دور الإعلام في تناول قضية الانتحار، فيجب أن تنشر المواد الصحافية والإعلامية بطريقةٍ لا تُمجد الفعل الانتحاري وأن تكون مواد محايدة، وأن لا تظهر في النص أو الصورة الأدوات المستخدمة في عملية الانتحار، حتى لا تكون هناك أُلفة مع الفعل الانتحاري، وأن لا يتعود المجتمع على تلك المناظر أو أدواتها على أنها اعتيادية.

وتشدد جبر على ضرورة استغلال المواد الإعلامية تلك، بالحديث عن مشاكل الصحة النفسية وإمكانية حل تلك المشكلات وإضافة أرقام للمصحات والعيادات النفسية التي تقدم المساعدة والحلول للخروج من هذه الازمات.

التنمر والحوت الازرق وتقليد مشاهد بالمسلسلات وراء ظاهرة انتحار الأطفال

وبحسب جبر، تمّ رصد حالات انتحار لأطفال في فلسطين شنقاً بسن 12 عاماً، بالرغم من أنّ الإحصاءات العالمية تشير إلى أن وقوع الانتحار يكون بين سن 15-29 عاماً، وكان من أسبابه المرض النفسي والظروف العائلية الصعبة، وكذلك تفكير الطفل بتجربة الموت وقلة إدراكه للموت بعكس الكبير، علاوةً على تقليد الأطفال للآخرين، وفي بعض الحالات كانت قضية ممارسة لعبة الحوت الأزرق اعتماداً على اللعبة والظروف التي يعيشها الطفل كالتنمر وأن يشعر أنه منبوذ ويُسيء له أصدقاؤه والضعف النفسي.

وتشدد جبر على ضرورة أن يدرك الناس أنه يتوجب عليهم عدم استبعاد فكرة الانتحار عن الأطفال الذين من الممكن أن يُقدموا على الانتحار، ولا بد في هذه الحالة من الاحتواء العائلي للأطفال والانتباه للإشكالات التي يواجهها الصغار، الذين هم عرضةٌ للمرض النفسي كذلك، إذ تظهر الدراسات أن 50% من الأمراض النفسية تظهر بحلول العام 14 في عمر الإنسان، لذا من المهم أن ننتبه للأطفال.

تحقيق خاص بـ"القدس"دوت كوم


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة