تلفزيون نابلس
إسرائيليون يطورون برامج سايبر هجومية لمصلحة مخابرات الإمارات
10/19/2019 8:18:00 AM

 رغم  أن إسرائيل تنظر بخطورة إلى تطوير أجهزة استخبارات في العالم وشركات خاصة برامج سايبر هجومية، ويزداد القلق في أعقاب اتساع ظاهرة خروج شبان إسرائيليين بعد تسريحهم من الخدمة العسكرية في وحدات سايبر هجومية للجيش الإسرائيلي، مثل الوحدة 8200، للعمل في دول أجنبية، وبينها دول عربية، حيث يتقاضون رواتب عالية، إلا أنها في حالات معينة توافق بصمت على عمل هؤلاء المسرحين في شركات تابعة لدول لديها مصالح أمنية معها، بينها الإمارات، حسبما يبين التقرير التالي.

واعتبر مسؤول أمني إسرائيلي رفيع، أنهى مهام منصبه مؤخرا، وبحث في هذه الظاهرة، أن "هذا تهديد للأمن القومي. وما يحدث اليوم هو أن دولا أجنبية تشتري خبرات ومعلومات الجيش الإسرائيلي بمبالغ كبيرة جدا. وقد يتمكنون من التجسس على هاتف رئيس أركان الجيش الإسرائيلي. وكمطلع على أسرار دولة خلال فترة عملي، لم أفكر حتى بإبلاغ زوجتي بطبيعة عملي".

وحول عمل هؤلاء المسرحين من الوحدات التكنولوجية في الجيش الإسرائيلي، قال المسؤول الأمني، في إطار تقرير حول هذا الموضوع، نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" اليوم، الجمعة، إن هؤلاء الشبان "يتسرحون من الجيش في سن 23 – 24 عاما، ويعرضون عليهم مبالغ من خمسة أرقام وبالدولار، كراتب شهري صاف، ويبدأ يتشوش عندهم الفرق بين الجيد والسيئ، وبين المسموح والمحظور. وجميع أجهزة الاستخبارات تدرك هذه المشكلة ووجوب التعامل معها، لكنها لا تفعل شيئا. والسبب هو أنه لا توجد لدى المؤسسة الأمنية قوة للعمل ضدهم".

ومعظم هؤلاء الشبان تسرحوا من الخدمة العسكرية في وحدات سرية، مثل 8200 والوحدات التكنولوجية التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، ويعملون الآن في شركات أجنبية، وبينها شركات "بملكية عربية".  

ويحصل هؤلاء الشبان قبل مغادرتهم إسرائيل للعمل في شركات كهذه باستشارة قانونية، بهدف الالتفاف على القانون الإسرائيلي. ويصرح بعضهم بقطع الاتصال مع الدولة، كي لا يسري عليهم قانون الصادرات الأمنية. وقال محامي خبير في هذا الموضوع إن "هذا يحصل بين حين وآخر. ويأتي إلي أحيانا أشخاص يقومون بعمل غير صحيح، وأنا أقول لهم ذلك وارفض إعطائهم مشورة بهذا الخصوص".

ووفقا للصحيفة، فإن عدد كبير نسبيا من هؤلاء المسرحين تلقوا، في السنتين الأخيرتين، توجهات من قبل جهات تابعة أو تزود خدمات لشركة "Dark Matter" ("مادة مظلمة")، التي تعتبر الذراع التجاري لشعبة السايبر في المخابرات الإماراتية، وقسم من الإسرائيليين باتوا يعملون لصالح هذه الشركة.

كذلك يسعى رجال أعمال إسرائيليون، والكثيرون منهم تولوا في الماضي مناصب رفيعة في أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وأسسوا شركات خارج البلاد، إلى تجنيد شبان مسرحين من وحدات السايبر الإسرائيلية. ولا تخضع هذه الشركات لمراقبة وزارة الأمن الإسرائيلية. والتخوف في إسرائيل هو من "تسرب المعرفة والخبرة في الجيش الإسرائيلي إلى دول أجنبية، وبعضها معاد لإسرائيل". 

المال هو الإغراء المركزي للشبان المسرحين من وحدات السايبر الهجومية في الجيش الإسرائيلي. ويبلغ الراتب الأولي 40 ألف دولار شهريا، ويدعو "صيادو الرؤوس" (الذين يجندون الإسرائيليين لشركات السايبر الأجنبية) الشاب الذي يوافق على العمل معهم إلى تجنيد "كل طاقمه في الوحدة 8200، والحصول على شروط عمل لا يمكن لأية جهة أن تنافسها". وبعض العروض تقترح راتبا شهريا يصل إلى 100 ألف دولار، يضاف إليها مكافآت.

يشار إلى أن الوحدات التكنولوجية في الجيش الإسرائيلي تعتبر، منذ تسعينيات القرن الماضي، دفيئة هايتك، وينتقل الضباط والجنود فيها إلى السوق الخاصة بعد تسرحهم. ومن أبرز الأمثلة على شركات كهذه هي شركة NSO الإسرائيلية، التي باتت معروفة على مستوى العالم في أعقاب تطويرها برنامج "بيغاسوس" للسيطرة الكاملة على الهاتف المحمول لأغراض التجسس، والذي تستخدمه أجهزة استخبارات عربية أيضا، واستخدم في عملية اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي. كذلك اشترت المخابرات الإماراتية هذا البرنامج.

وأشارت الصحيفة إلى أن الجهة التي تشتري برنامج "بيغاسوس" تدفع ثمنه الذي يقدر ببضع عشرات ملايين الدولارات، وبعد ذلك تدفع الجهة التي تستخدمه لـNSO مبلغا آخر بعد كل مرة تستخدمه. والتقديرات تفيد بأن الإمارات دفعت إلى هذه الشركة الإسرائيلية قرابة 100 مليون دولار، إضافة إلى مبالغ كبيرة أخرى دفعتها الإمارات لشركات سايبر أخرى. "ولأن برنامج ’بيغاسوس’ لا يسمح باختراق هواتف إسرائيلية وأميركية، فقد قرر الإماراتيون أن يتحولوا بأنفسهم إلى قوة سايبر عظمى، وبشكل سريع".

ومنذ سنتين، بدأت NSO تواجه ظاهرة غريبة، حسب الصحيفة، وهي أن عاملين فيها، بمستويات مختلفة، وجميعهم يتقاضون رواتب عالية، ويحظون بتقدير عال وحوافز، بدأوا يستقيلون بحجة كهذه أو تلك. واستأجرت NSO محققين خاصين لتعقب موظفين رفيعين جدا إثر استقالتهما، بعد أن كانا يطوران برنامجا لاختراق برنامج تشغيل الهواتف المحمولة الأكثر انتشارا في العالم، أندرويد.

وتبين من ملاحقة طاقمين من المحققين الخاصين للموظفين المستقيلين أنهما وصلا إلى مدينة ليماسول في قبرص، "وبعد ذلك صعدا إلى سيارة مرسيدس بيضاء تقودها امرأة أوكرانية اسمها كاترينا". وبعد ذلك دخلا إلى مكاتب شركة في المدينة، تبين أن ألمانيا يسكن في دبي قد استأجرها. ومكث الاثنان أسبوعا في ليماسول، والتقيا مع موظفين سابقين في NSO.

وحسب تقرير المحققين الخاصين، فإن "حقيقة أن هذا اللقاء لم يجري في البلاد، يدل على أن المحادثة تناولت، على ما يبدو، إعطاء خدمات لا يمكن تزويدها من إسرائيل". وأضاف تقرير المحققين الخاصين أنه بعد عدة أسابيع، أصبح الإسرائيليان يسافران في بداية كل أسبوع إلى قبرص، وعملوا في المكاتب في ليماسول، والعودة إلى إسرائيل في نهاية الأسبوع.

وبعد أن تلقى المسؤولون في NSO تقرير المحققين الخاصين، الذي أثار غضبهم، سافروا إلى دبي، والتقوا مع مدير عام "دارك ماتر" في حينه، الذي أبلغهم أن الإسرائيليين يعملان لصالح شركته، وأنهما بادرا بالتوجه إليه وليس هو الذي توجه إليهما لتشغيلهما. وأضاف أنه يوجد إسرائيليون آخرون يعملون في شركته، وبينهم ضباط سابقون في الوحدة 8200، ويعملون من سنغافورة ودول أخرى.

تأسست "دارك ماتر" في العام 2014، وتعرف نفسها كـ"شركة دفاع واستخبارات رقمية" تابِعة لدولة الإمارات. ومؤسس هذه الشركة هو فيصل البناي، مؤسس شركة بيع الهواتف المحمولة "أكسيوم تليكوم" ونجل قائد في القيادة العامة لشرطة دبي.

وقال مسؤول أمني إسرائيلي سابق للصحيفة إنه "في السنوات العشر المقبلة، ستسعى أي دولة متطورة في العالم إلى أن تبني لنفسها قدرة مستقلة في مجال جمع المعلومات السيبراني، وربما الهجومي لاحقا، والقسم الأكبر منه سيكون في القطاع الخاص. وفي هذا السياق تحديدا أسست الإمارات شركة دارك ماتر".

ولفت تقريران نشرتهما صحيفة "نيويورك تايمز" ووكالة رويترز إلى أن "دارك ماتر" تعمل في مجال التنصت ليس ضد مواطني الإمارات فقط، وإنما ضد مواطنين أجانب ومعارضي النظام في الإمارات أيضا. وهذا التنصت كان جزءا من مشروع "الغراب"، وهو مشروع سري تتجسس الإمارات بواسطته على مسؤولين في حكومات دول أخرى ونشطاء حقوق الإنسان.

وفتح مكتب التحقيقات الفيدالي الأميركي (FBI) تحقيقا، بعد أن تبين أن مسؤولين سابقين في مجال السايبر في وكالة الأمن القومي الأميركية، جرى تجنيدهم للعمل في "دارك ماتر" وتعالت شبهات بأنهم تحولوا إلى جواسيس يعملون ضد مواطنين أميركيين. وجرى اعتقال عدد منهم بعد عودتهم من أبو ظبي، ولا يزال التحقيق جاريا حتى اليوم.

وحسب الصحيفة، فإنه على الرغم من أن NSO سلمت تقرير المحققين الخاصين إلى جهاز الأمن الإسرائيلي، إلا أن الجهاز لم يفعل شيئا. ورجحت الصحيفة أن ذلك يعود إلى العلاقات السرية الوثيقة والمتشعبة بين الإمارات وبين إسرائيل وأجهزتها الاستخبارية.

وقالت الصحيفة إن "علاقات كهذه، مع دولة على الشاطئ المقابل لإيران، يمكن أن تكون أهم بكثير من قوانين كهذه أو تلك". وقال مسؤول أمني إسرائيلي سابق وخبير في الصناعة السيبرانية إن "إسرائيل ترقص هنا رقصة مزدوجة. وتوجد لدولة إسرائيل مصالح كثيرة مقابل الإمارات وتولي أهمية إستراتيجية للعلاقات معها. ورغم أنه ليس مهما كيف يصورون ذلك، فإن دارك ماتر هي شركة حكومية إماراتية، وأقيمت من أجل تطوير سايبر هجومي".

وأضاف أن "دارك ماتر تصطاد رؤوسا داخل الشركات الإسرائيلية. وهم يعرفون كل شيء، ومن يعمل في أي شركة وعلى أي تطوير أي برنامج. وقد توجهوا إلى مجموعة إسرائيليين نوعيين جدا، ويتواجدون في واجهة التكنولوجية، وقالوا لهم: تعالوا إلينا من أجل تطوير منتجات هجومية".

وعقبت وزارة الأمن الإسرائيلية على عمل إسرائيليين في "دارك ماتر" بالقول إن "عمل إسرائيليين في شركات أجنبية تستوجب تصاريح بموجب القانون فقط عندما ينقلون خبرات أمنية أو خدمات أمنية، كما ينص عليها القانون، إلى شركة أجنبية. ووزارة الأمن لا تعطي معطيات بشأن سجل التصدير الأمني الذي تشرف عليه دائرة مراقبة التصدير الأمني أو معطيات تتعلق بطلب تصاريح عينية".


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة