تلفزيون نابلس
الخاسرون والرابحون من ورشة البحرين
6/30/2019 4:50:00 PM

داود كتاب - قامت إدارة ترامب لسنتين منصرمتين بإبقاء الرؤية الأمريكية لكيفية حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي تحت الكتمان. الآن تم الإعلان عن الجانب الاقتصادي لهذه الرؤية من خلال ورشة عمل عقدت في العاصمة البحرينية المنامة، فمن هم الرابحون والخاسرون في هذه الورشة؟

من الصعب تحديد الرابحين والخاسرين بدقة، بسبب عدم معرفتنا بماهية الأهداف التي كانت مرجوة من اللقاء، ولكن رغم ذلك، يمكن وضع جرد أولي للرابحين والخاسرين، أو من يمكن اعتبارهم رابحين وخاسرين في ذات الوقت:

الرابحون:

غزة : من الواضح أن قطاع غزة خرج من ورشة البحرين ككاسب أكبر. فقد دمرت مشاريع كوشنر وجرينبلات محاولات إسرائيلية جادة لفصل دائم للقطاع عن الضفة الغربية، وها هي الدول الأهم ومعها العديد من الدول والمؤسسات الدولية تعيد تسليط الضوء على قطاع غزة المحاصر وتفتح ممرا أرضيا وسككا حديدية لربط القطاع مع الضفة، والعالم مع التركيز على ضرورة حل مشكلة البطالة رغم أن المسبب الرئيس لمأساة غزة هو الحصار والاحتلال إلا أن التركيز الكبير على القطاع لا بد أن يجلب الثمار عاجلا أم آجلا، والأهم فإنه يقطع الطريق أمام اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي أعتقد أنه من الممكن سلخ القطاع عن الدولة الفلسطينية المستقبلية، كما ومن الواضح أن رجال الأعمال الأمريكيين والدوليين مقتنعون أنه بدون إمكانية النقل السلس للبضائع والأشخاص، فلن يكون هناك أي تطور اقتصادي مما يعني أن الجانب الإسرائيلي الذي فشل حتى من قبل أكثر المؤيدين له بأن يؤيد الأمريكان فصل غزة عن الضفة وعن باقي العالم.

 

محمود عباس : لقد اتخذ الرئيس الفلسطيني مجازفة كبيرة عندما قرر مقاطعة الولايات المتحدة بعد نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس. كما وتحدى الرئيس أبو مازن أمريكا وإسرائيل معاً بموقفه المبدئي برفض تخفيض أي مخصصات للأسرى وعائلات الشهداء، وأخيرا رفض المشاركة في ورشة  اقتصادية أمريكية تستضيفها مملكة البحرين الصديقة وبمشاركة قوية من حليفين قويين هما السعودية والإمارات.

 فموقفه الحاسم من هذه  الأمور الهامة على المستوى الوطني غفرت للرئيس العديد من الأخطاء الداخلية، وفشله بإنهاء الانقسام وعدم تشجيعه للحقوق الديمقراطية للنشطاء والمعارضين.

 

حل الدولتين : رغم أن السياسة كانت ممنوعة من الحوار في ورشة البحرين إلا أن حل الدولتين كان المهيمن على ما يعرف بالنقاش غير المعلن، حيث كان هناك تعليق للعديد حول سيادة القانون وهو طريقة غير مباشرة لطرح السؤال "من هي الجهة التي ستكون ذات السيادة"، وفي نهاية الورشة تحدث رئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير بشكل واضح عندما أكد أنه يدعم بدون تردد حل الدولتين.

 

مؤيدو التطبيع : قد يعتبر البعض أنه يجب وضع العنوان هذا ضمن خانة الخسارة ولكن وللأسف فإن من يؤيد التطبيع العربي العلني الإسرائيلي قد يشعر بنشوة معينة بعدما سمحت مملكة البحرين بقدوم رجال أعمال وستة صحفيين إسرائيليين.

 وقد تكون صورة الصحفي وهو يشهر جواز سفره الإسرائيلي في صورة "سلفي" أمام مقر مناهضة التطبيع قد وصلت إلى العديد من الناس ولكن رغم ذلك فإن البحرين (ويبدو أيضا بعض الدول العربية) كانت قد طالبت بعدم دعوة  المسؤولين الحكوميين الإسرائيليين للمنامة، وهو أمر يضعف من توقع أن يكون باب التطبيع مفتوحا على مصراعيه.

المعروف أن الدول العربية أجمعت على مبادرة السلام العربية والتي تنص على عدم التطبيع مع إسرائيل قبل أن تقوم بالانسحاب من كافة المناطق العربية التي تم احتلالها في حرب حزيران 1967.

 

أما الخاسرين فيمكن حصرهم بـ:

 السلام من خلال الاقتصاد : إن فكرة استباق المسار الاقتصادي على السياسي تضرر كثيرا عندما قال توني بلير موجها الكلام لجيرد كوشنر إنه "من الغباء المطلق (absolutely foolish)  الاعتقاد أنه يمكن إيجاد حل اقتصادي بدون حل سياسي."

 لقد حاول الإسرائيليون منذ عقود بيع مثل هذه الأفكار ولم ينجحوا. ففي عام 2008 قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعرض فكرة السلام الاقتصادي، وقام بتكرار الفكرة عدة مرات منذ ذلك التاريخ ولم تنجح أي من تلك المحاولات. وفي ورشة المنامة قال مؤسسي شركة أوليمبس كابيتال الآسيوية دانيال مينتز "عليكم الاهتمام بالموضوع السياسي من أجل أن تحصلوا على الاستثمار."

 

ورشة الازدهار من أجل السلام : قبل بدء الورشة قال الرئيس الفلسطيني  لصحفيين أجانب أعضاء في اتحاد الصحفيين الدولي في إسرائيل استضافهم في رام الله، إن ورشة العمل "ستفشل"، وفعلا فقد قاطعتها كل من لبنان وسوريا والعراق والكويت وعمان والجزائر والصين وروسيا وغالبية دول الاتحاد الأوروبي وجنوب أمريكا. كما وقاطعها أصحاب الشأن الفلسطيني، ولم يتم دعوة الإسرائيليون (قيل إن ذلك كان شرطا لبعض الدول العربية المشاركة)، فيما شارك عدد منهم  مثل المغرب والأردن ومصر بوفود متدنية المستوى.

أما في تفاصيل الورشة نفسها، فلم تعلن أي دولة دعمها رسميا لطرح كوشنر، كما وقد كان واضحا تجاهل محاولة إنهاء أعمال وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) والذي كان البعض قد قال إنه سيكون أحد نتائج الورشة. بالمقابل، عقدت ندوة في نيويورك بالتزامن مع الورشة، حيث أعلن الأمين العام للوكالة أن العديد من الدول تبرعت لدعم ميزانيتها خلال العام المقبل.

 

جيرد كوشنر : كبير مستشاري رئيس أمريكا وصهر الرئيس لا توجد لديه خبرة في الشؤون الدولية أو السياسية ومعظم خبرته تنحصر في المجال الاقتصادي، وقد كان ذلك واضحا في المنامة. ففي كلمة الافتتاح اعترف كوشنر أنه يعتبر من الأقلية بآرائه، إلا أنه مصر على موقفه. ومن المؤكد أن الخبرة في الشؤون السياسية والدولية مهمة. فلو كان كوشنر له هذه الخبرة الكافية لما أصر على عقد الورشة بغياب ممثلي الشعب الفلسطيني والإسرائيليين وهم أصحاب الشأن. فكانت محاولة كوشنر متجاوزة للمنطق المبني على تجارب متراكمة، ولذلك، فإنه سيتم نسيان كوشنر وورشته بعد وقت قصير.

 

الرابحون والخاسرون في اٌن معا:

 مملكة البحرين : هذه المملكة في الخليج العربي غير معروفة عالمياً، ولذلك فقد شكلت الورشة نجاحا لها لاستضافتها لها وهي التي عقدت وانتهت دون أي مشاكل تذكر. فالورشة وفرت فرصة للمملكة للتعريف عن نفسها ومحاولة جذب الاستثمار خاصة من أمريكا وإسرائيل ودول أخرى. إلا أنه ورغم  الاهتمام والثناء من قبل إدارة دونالد ترامب، إلا أن البحرين تعرضت لانتقادات لاذعة على العديد من المستويات العربية من قبل سياسيين وسائل إعلام، خاصة الرقمية، ومنصات التواصل الاجتماعي. قد يكون عدم وجود مسؤولين إسرائيليين خفف حدة الهجوم والاعتقاد أن البحرين خالفت بشكل فاضح مبادرة السلام العربية، والتي ترفض التطبيع مع إسرائيل قبل أن تنسحب من كافة المناطق العربية المحتلة عام 1967، ولكن لو نجحت البحرين في الحد من الانتقاد الرسمي، إلا أن الشعوب لم تبخل على البحرين بالنقد والنقد الشديد لاستضافة ورشة عن فلسطين بغياب القيادة الفلسطينية.

 

الفلسطينيون : رغم مقاطعتهم لورشة البحرين والتي دعت لها أقوى دولة في العالم واستضافتها دولة عربية خليجية صديقة، إلا أن الفلسطينيين خرجوا من ذلك منتصرين. فقد كان غيابهم واستمرار الاحتلال الإسرائيلي لب كافة النقاشات عبر وسائل الإعلام العالمية والتي وفرت مساحات واسعة لوجهة النظر الفلسطينية. الرئيس محمود عباس استضاف اتحاد الصحفيين الدولي في إسرائيل، وشبكة "سي ان ان" وفرت مدة طويلة لرئيس الوزراء محمد اشتية ليشرح الموقف الفلسطيني وقد أعيد نشر جملته "أن الشعب الفلسطيني لا يريد أن يسكن في فندق خمس نجوم تحت الاحتلال" مرات عديدة عبر الـ"سي ان ان" وغيرها من وسائل الإعلام. كما ونشرت العديد من الصحف العالمية وجهة نظر فلسطين منها واشنطن بوست التي وفرت مساحات واسعة لكتاب مؤيدين للشعب الفلسطيني. ولكن يجب الاعتراف أن الشعب الفلسطيني أيضا كان خاسرا في هذه الورشة لأنه من الصعب قبول أن تناقش مجموعة دولية كبيرة القضية الفلسطينية بغياب فلسطيني. فلو كان هناك مشاركة لكان أمكن الاستفادة منها، ولذلك يجب القول أن الشعب الفلسطيني كان رابحا وخاسرا معا.

لقد انتهت ورشة البحرين التي سينساها العالم بعد قليل، ولكن الرابحين والخاسرين سيتم وصمهم سلباً أو إيجاباً لسنين طويلة..


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة