تلفزيون نابلس
جدل في عيد ميلاد الفنان عادل إمام ال 79 حول تاريخه الفني ومواقفه السياسية محبوه يحتفون ومنتقدون يسخطون
5/20/2019 4:58:00 PM

 حالة من الجدل سادت منصات التواصل الاجتماعي تزامنا مع عيد ميلاد الفنان المصري عادل إمام(مواليد 17 مايو 1940).

 لم يكن ميلاد إمام ال 79 هو السبب الوحيد للاهتمام به مدحا وقدحا، بل تزامن عيد ميلاده مع خلو رمضان من أي عمل للزعيم، وهو الأمر الذي اعتبره البعض شيئا إدا!

فإمام ولسنوات طويلة ظل متربعا على عرش السينما والتليفزيون، لم ينازعه منازع، وظل يغرد وحيدا فوق قمة المجد الفني.

يقولة الناقد الفني طارق الشناوي  “في الستينيات عندما بدأ جيل عادل وسعيد وسمير وجورج يعرف بداية الانتشار، وفي نفس الوقت التعرف على الفلوس، أسدى عادل هذه النصيحة لصديقه سمير غانم (أي جنيه تحصل عليه حوله لدولار).

مؤكد أن سمير سخر من اقتراح عادل، فلقد كان الجنيه في عز قوته، فمن هو المجنون الذي يفكر في استبداله، ثم إن الجنيهات أساسا لا تستقر في جيب سمير، فمتى يستبدلها، روى لي غانم تلك الواقعة والتي لا أستبعد أن عادل لم يبخل بها على صديقه الاقرب سعيد صالح.. ما هي الدلالة ونحن نتحدث في الذكرى الرابعة للفنان سعيد صالح؟ إنها تشير الى العقل الذي يدير الموهبة

حتى في أبسط الأمور”.

وتابع الشناوي: “دعونا ننتقل سنوات قليلة قبل رحيله، ما الذي حدث لسعيد عندما احترقت شقته، اعتقد الجميع أن عادل إمام سوف يؤجر له شقة أخرى يقضي بها ما تبقى أمامه من زمن، فلقد بات واضحا أن سعيد يعاني من مشاكل صحية متعددة وتراجع في القوى البدنية، ولكن لم يتحرك عادل، وأعلن سعيد أنها مستورة والحمد لله، ولا ينتظر شيئا من أحد.

 سعيد صالح انتقد السلطة السياسية في مسرحياته بل سخر منها، عادل إمام كان يعلم أن الدولة لديها أسلحتها ولن تسمح له بالاقتراب الا بالقدر الذي تريده، أفلامه السياسية هي في النهاية ترديد لما تريده الدولة، سعيد صالح لم يحتفظ بأي حساب في البنك أو مع الدولة، عادل امام توأمه الفني وضع ألف حساب للدولة وفي البنك!”

مواءمات السياسة!

أما د. عمرو الشوبكي فيرى أن هناك مَن يتصور أن حسابات عادل إمام لا ترى إلا السلطة، مشيرا إلى أن حسبته الأساسية هى رضا الجمهور والحفاظ على شعبيته الجارفة العابرة للعصور والنظم المختلفة. لا يمكن اعتبار عادل إمام فنان سلطة، إنما هو قام بمواءمات مع السلطة، لأن موهبته أكبر من أى سلطة، والمساحة التى استهدفها هى الجمهور الواسع وليس النخبة الضيقة، ولكى يصل إلى هذا الجمهور كان لابد أن يوازن أموره مع السلطة. والحقيقة أن كل المواهب الكبرى فى تاريخ مصر المعاصر لم تبتعد كثيرًا عما قام به عادل إمام، فأم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وكبار مطربينا غنوا للملك وعبدالناصر، وعبدالحليم حافظ كان مطرب ثورة يوليو والحقبة الناصرية، وفى نفس الوقت أيّد السادات وغنى له: «عاش اللى قال”.

وتابع الشوبكي: “يُحسب لعادل إمام أنه اتخذ موقفًا شجاعًا من الإرهاب، حتى حين كان ضحاياه كبار رجال الدولة «رفعت المحجوب فى الثمانينيات وهشام بركات 2015 وغيرهما» وكبار المثقفين «فرج فودة»، ولم يَخَف الرجل ولم يوائم أموره فى وقت استهدف فيه الإرهاب الجميع”.

واختتم قائلا: “عادل إمام فنان جماهيرى بالمعنى الواسع للكلمة وليس فنان سلطة، وهنا تكون حساباته معقدة عن أى «فنان طليعى أو ثورى» تقف حساباته عند حدود بضع مئات أو آلاف من محبيه، فحسابات عادل إمام تتعلق بالحفاظ على جماهيرية تضم ملايين البشر، وهو أمر لم يُقدِّره البعض أو يَرْتَح له بكل أسف”.

عن أي زعامة يتحدثون؟!

الكاتب الصحفي

أسامة الرحيمي تساءل: أي زعامة تلك التي يصفون به عادل إمام .. هل لمجرد أنه قدم مسرحية بالاسم ذاته يصبح زعيما.. هكذا مباشرة.. وزعيم لمن.. فإذا كانت المسرحية تسخر من الدكتاتورية فهو نفسه «كمواطن وفنان» لم يعترض على الدكتاتورية في كل تجلياتها ومراحلها صراحة ولا مرة واحدة.. فلم نسمع له رأيا في انفراد عبد الناصر بالسلطة وحبسه الإخوان واليسار كله لسنوات طويلة وإلغاءه الحياة الحزبية وحصر كل الأمور في ابويته المطلقة حتى لو كان وطنيا ونزيها.. فالناس كانوا يخشون الكلام أمام بعضهم بحرية طوال سنوات حكمه.. من أزمة مارس إلى وفاته في سبتمبر 1970.. والزعيم الفنان كان منطلقا بين الأدوار الثانوية في أفلام ومسرحيات عديدة .. لكنه لم يقل مفردة واحدة.. وربما كان خائفا.. وهذا شئ مشروع بتقديري.. فهو إذن كان خائفا لأن «عضمه كان لسه طري وقتها».. وربما لا يكون رأيه مؤثرا إلا عليه بالسلب.. جايز!!.

وتابع الرحيمي: “وكانت انطلاقته في «مدرسة المشاغبين» التي لو تم تقييمها بمعايير المسرح الموضوعية والفنية لاعتبرناها إفساد للأصول الفنية للمسرح الهادف، وتدمير لمنظومتي القيم الاجتماعية والتعليمية.. وكان ذلك العمل الذي لا أعترف بأنه مسرحية.. لأنها مجموعة اسكتشات فارغة .. وإفيهات لابتزاز الضحك من جمهور يسهل استدراجه.. لدرجة أن الناس كانوا يضحكون فعلا على المدرس اللي قلّعُوه ملابسه وأفقدوه عقله .. وكانت الصالة تزدحم بالضحك على تدمير صورة المدرس الطيب اللين.. وكذلك السخرية من المُدرِّسة الفاهمة الجادة.. ويضحكون أكثر على ترك الولاد دراستهم ومذاكرتهم وسفرهم إلى بيروت وراء الجنس أو المقررات كما أسموها في هزليتهم.. وكانت الكريشندو في «حرق الناظر» وتحويله إلى ألعوبة!!”.

وتابع الرحيمي متسائلا: “ألم تكن هذه التهريجة الهدَّامة هي «خشبة قفز» هذا الزعيم الفنان.. ألم ينطلق بعدها إلى أعلى درجات الشهرة.. وتوزيع الأفلام على أوسع نطاقض في دول الخليج التي اهال عليهم البترول ثروات طائلة مفاجئة.. فأحبوا أن يضحكوا ملء أشداقهم وهم يلاعبون زوجاتهم صغيرات السن.. وغلمانهم.. وخلقوا سوقا رائحة على نحو واسع جدا.. وكانت فرصة ذهبية لسينما السبعينات الهابطة للانتشار عند جمهور يريد الضحك ببلاهة.. ويدفع بسخاء.. فأصبحت الأفلام مكونة من التوليفة الرخيصة الشهيرة.. شوية إفيهات جنسية قارحة.. على كم فخذ أو وصدر مكشوف.. على شوية مياسة ودلال لمداعبة روح البروستاتا البترولية السائدة الجديدة آنذاك.. وما زالت..”

وتابع منتقدا: “كل أدوار الزعيم كانت مش عارف مين اللي «شايل سيفه» كإيحاء مباشر لقدرات الرجل الجنسية، ومين «فوق صفيح ساخن»، ومين «تحت الصفر»، وكلها أفلام بلا موضوعات، وبلا قيمة واحدة، والتيمات مكرورة، والأداء هو هو بلا أي جهد ولا إخلاص إلا للفلوس، والتوزيع وصل إلى أقصى مدى، وشركات الانتاج أقبلت على الممثل الرابح، حتى لو كان ذلك في إجماله على حساب صورة مصر العظيمة، ودورها حيث كانت تقطر العالم الثالث وراءها بالإبداع والثقافة.. بالسينما والكتاب والأغنية .. وتخلق آفاقا وسيعة للفن في وجدان العرب.. هذه تم تحطيمها بشكل منظم منذ السبعينات في زمن صعود الزعيم الفنان!!”.

وهنا لابد من التوقف أمام الأداء.. التمثيل.. التعب في تلبس الشخصيات.. وسنجد الأمور واضحة تماما.. فالذي يراه الناس في كل الأدوار هو «عادل إمام» وليست الشخصيات ذاتها.. عادل بكل تفاصيله وحركات وجهه.. بالبنطلون الجينز والكوتش نفسه.. والتي شيرت عينه.. ونفس الإيقاع الصوتي.. واستخدام بحَّة الغُلب والتوجع وقت اللزوم لاستدرار تعاطف المشاهدين واستدراجهم لفخ الإعجاب.. لكن.. إنه يُغُوص في تفاصيل الشخصية فلا نجد شئ من هذا.. وللأمانة هي الشخصيات كانت سطحية وبلا عمق.. وغير مُركّبة.. وتم تشكيلها على ذلك النحو لتحميلها بالنُكت الجنسية الصريحة.. والإفيهات التي يتناقلها الناس بسهولة.. وهم يرددون على رأي «عادل إمام» وكأنه الوحيد اللي اشتغل الفيلم.. ولا مخرج ولا كاتب ولا مصورين ولا أي أحد.. هو فقط.. وتكرست هذه الحالة بشكل رهيب.. حتى بات هو من يختار كل الفريق بلا منازع.. ولا يستطيع أحد مناقشته.. وأصبح دكتاتورا مطلق النفوذ في مجاله.. واقتنع هو بالضرورة أنه موهبة خارقة.. أو زعيم لا يبارى.. والدليل إقبال السوق.. والتوزيع والأرباح التي راحت تتراكم في أرصدة المنتجين.. وتباروا عليه بالأكتاف.. والحقيقة أنني أشفق على كل من يوضع في هذه الزاوية لأنها مخيفة وتأثيرها السلبي على النفوس دامغ وعميق..

وحين تمكن وأحسن الظن بنفسه إلى أبعد مدى، راح يسخر بثقة من مكونات الواقع السياسي.. فاختزل اليسار في أسرة هزلية يعاملون «الشغالة الرفيقة» بمنطق الأخوة الانسانية.. وتحيز الفيلم بشكل صارخ للطبقية وسخر من تساوي الحقوق الإنسانية.. وكذلك أفراد الأسرة رائحتهم عفنة لأنهم لا يستحمون.. وأفكارهم لا تستحق غير الاستهزاء.. وهذا الخط لابد أن يؤدي لتقبل وجود «سفارة الصهاينة في العمارة» ومقابلة السفير في الأسانسير والتعامل معه عادي جدا في حالة ترويج مكشوفة للتطبيع مع من ذبحوا أبناء مصر بالآلاف في النكسة ودفنوهم في مقابر جماعية ومن نجا منهم وفر في الصحراء لاحقوهم فتيات الجيش العنصري الصيهوني بالهليوكبتر ليتركوهم للموت عطشا ومهانة في قيظ الصيف ومتاهات الرمال..”

“ولم يثبت أنه قال كلمة واحدة ضد السادات الذي باع دم الشهداء، ووقع معاهدة العار، ولا ضد مبارك لاحقا الذي سام المصريين سوء الفقر والضياع لثلاثين عاما، بل وصل به الأمر أن كان يشاهد أفلامه معه في قصر العروبة في عرض خاص لأسرة الرئيس، وكان يفاخر بهذا عادة، وحين بدأت ثورة يناير البهية دافع عنه باستماتة وهاجم الثوار بسهولة، وتراجع لاحقا حين اشتدت شوكتهم وتنحى مبارك، ثم عاد لانحيازه للنظام الذي يقول بعض الناس ببساطة أنه أوقف مسلسله الأخير..

وهنا لابد أن يقول البعض أن له أفلاما جيدة، وقدم فيها أدوارا مهمة، وهذا للموضوعية صحيح، وله أسبابه المنطقية.. أولها أن كل الأفلام الجيدة تراجيدية وليست كوميدية، مثل الحب في الزنزانة، والحريف، والمنسي، وحتى لا يطير الدخان، ويعقوبيان، وفيها تم تجريده مما اشتهر به، وهي الإفيهات، ولأن مخرجا مثل محمد خان، مثقفا، ويفهم سينما بشكل عظيم، وليس ضعيف الشخصية، ولا يبحث عن أرباح الخليج، بل يذهب إلى جمهوره الحقيقي، والمهرجانات الحقيقية، والجوائز المحترمة، لن يقبل أن يقود عادل إمام فريق العمل كما اعتاد في هزلياته، بل يتحكم خان في موضوعه، وممثليه حتى لو كانوا من حجم عادل إمام أو أحمد زكي..

وبمناسبة زكي نصل لمستوى الأداء المرهون بالموهبة، وإخلاص الممثل للشخصية، ومذاكرة ما يلزمها، وإذا قارنا أداء عادل إمام بأحمد زكي سنجد الجمهور العادي، وربما الذي لا يمتلك غير حسِّه العفوي، ينحاز لأداء زكي الصادق الصافي، ففي «البيه البواب» نرى أمامنا «عبد السميع البواب» بقفاه الطويل المكشوف.. ولطاخته في تصرفاته، وهو ما نجده في «أحمد سبع الليل» في فيلم «البرئ» لـ «عاطف الطيب»، والضابط القاسي الضائع في «زوجة رجل مهم»، وغيرها من الأفلام الكثيرة التي تدل على أن الموهبة ترفع الأداء والشخصيات إلى أعلى عليين، وتسكنها في وجدان الناس، لكن البكش والاستخفاف لا يفعلان شيئا غير وضع الممثل بشخصه وشحمه ولحمه كما هو في الحياة في كل الأدوار، فلا نجد أثرا للشخصية التي يدعي القيام بها.. وتمكنه من ذلك متطلبات السوق التي خرَّبت صناعة السينما، وقدمت ذوي المواهب العجفاء، على الموهوبين الحقيقيين، ويتقدم كل مستسهل للدفاع عمن ضيعوا سينمانا العظيمة، واستبدلوها بأفلام هابطة تغازل الغرائز والنزوات، ولا يعنيها كل منظومات القيم التي كانت السينما القديمة تدافع عنها بدأب ووعي..”.

واختتم الرحيمي قائلا: “وكم أتمنى على من يوزعون الألقاب بهذه السهولة، أن يتذكروا أن فن التمثيل قد وصل لمستويات هائلة على يد موهوبين أفذاذا، مثل جاك نيكلسون، وآل باتشينو، وميريل ستريب، وجوني ديب، وغيرهم عشرات ومن عندنا، وبعيدا عن نجوم الصف الأول، يمكننا فقط تأمل أداء زكي رستم وحسين رياض، ومحمود المليجي، وعبد المنعم إبراهيم، وشفيق نور الدين، وعدلي كاسب، على سبيل المثال لا الحصر، فهؤلاء كانوا يدركون بمواهبهم الفطرية، وثقافتهم، واحترامهم لمنظومات المجتمع، والمشاهدين، أن التمثيل ليس استسهالا، ولا مصدر للفلوس فقط بغض النظر عن القضايا المهمة، ولا مجلبة لألقاب زائفة، ولا دافعا للتحيز للدكتاتوريات ضد الشعب، وحين يكشر النظام عن طرف أنيابه، يسارع الممثل إلى الشعب الذي كان يحتقره ليحميه من النظام، ويستمتع بلقب الزعيم المجاني !!”.


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة