لا نَعرِف ما إذا كانَ الرئيس الفِلسطينيّ محمود عبّاس قَد اتّصل بالسيّدة رشيدة طليب، التي دَخَلت التَّاريخ كأوَّل مُرشَّحَة مِن أصْلٍ فِلسطينيٍّ تَفُوز بمِقعَدٍ في مجلس النوّاب الأمريكيّ، ليُقَدِّم لها التَّهنِئَة بهذا الإنْجاز والاختِراق، فلم نَقْرأ أو نَسْمَع أيّ شَيء يُوحِي بأنّه فعَل، وهذا ليسَ غَريبًا عليه، وهو الذي قاطَع أهَم جنازَتَين لأعظَم زعيمَين سانَدا القَضيّة الفِلسطينيّة، وهُمَا الرئيس نيلسون مانديلا، والفَنزويلي هوغو شافيز.
السيّدة طليب تَعهَّدت في أوّلِ يَومٍ لدُخولِها مجلس النوّاب، وأثناء تأدِيَتها القَسَم واضِعةً يَدَها على القُرآن الكَريم، بالعَمل على إقالَة الرئيس دونالد ترامب صاحِب “صفقة القرن”، وتَهويد القدس المحتلة، وتَصفِيَة القضيّة الفِلسطينيّة عُمومًا.
كانَ جَميلًا ومُعَبِّرًا أنْ تَدخُل السيدة طليب مجلس النوّاب الأمريكيّ بثَوبِها التقليديّ الفِلسطينيّ المُطَرَّز، وما هو أجمَل مِن ذلِك أنّها استَبْدَلت خريطة إسرائيل في مَكتبِها داخِل الكونغرس بخَريطة فِلسطين، الأمْر الذي أحْدَثَ جَدَلًا كَبيرًا في هذا المِضْمار.
سِواء هِي التي أقدَمت على عمليّة التَّغيير هَذِه، أو أيّ شَخْصًا آخَر قامَ بِه، فإنّها نقَلت قضيّة فِلسطين بقُوَّةٍ إلى قَلب الكونغرس مُعتَمدةً على نَفسِها، ودُون مُساعَدة أيّ لوبي رسميّ عربيّ أو فِلسطينيّ، ونَجَتْ مَبْدَئِيًّا في كَسْرِ الاحتِكار الإسرائيليّ للمُؤسَّسات التَّشريعيّة الأمِريكيّة.
رُبّما يَأخُذ عَليها البعض حمَاسها، واستِخدامَها بعض العِبارات غير اللَّائِقَة في نَظَرِ هؤلاء، في تَوصيف الرئيس ترامب، ولكن هَل يُمَثِّل الرئيس الأمريكيّ نَموذجًا يُحْتَذَى بِه في أُصولِ اللِّياقةِ؟ ألمْ يَصِف دُوَلًا أفريقيّةً بالحُثَالة؟
السيّدة طليب وزَميلتها الصوماليّة الأصْل إلهان أحمد، يُمَثِّلان نَموذجًا عَربيًّا إسلاميًّا مُشَرِّفًا في الانْدِماج، والصُّعود إلى القِمّة على سُلَّم التَّعايُش، وفَهْم آليّات المُؤسَّسات الأمريكيّة الحِزبيّة، مُتَسَلَّحين بالعِلمْ والمُثابَرة والإرادَةِ الحَديديّة.
إنّ أفْضَل خِدمَة مُمكِن أن تُقَدَّم لهاتَين السيّدتين مِن قِبَل الحُكومات العَربيّة التي يَغْرَق مُعظَمها في الفَساد والقَمْع هو الابتِعاد عنهن، وعدم نَقْل فَيروسات الخُنوع والتَّطبيع والتَّزلُّف لدَولةِ الاحتِلال الإسرائيليّ إليْهِن، والنُّشَطاء العَرب والمُسلِمين الذين دَعموهنّ في دَوائِرهنّ الانتِخابيّة.
وجود السيدة رشيدة طليب في قلب الكونغرس الأمريكيّ بثَوبِها الفِلسطينيّ هو إنجازٌ كَبيرٌ يُؤكِّد هُويّتها الوطنيّة، ويُوازِي إنْفاق حُكومات عَربيّة مِليارات الدُّولارات لتَحسينِ وَجهِها الدِّيكتاتوريّ البَشِع في أمريكا والعالم، وخاصَّةً تِلك التي تَستأجِر شَرِكات يَهوديّة إسرائيليّة المُيول في هَذا المِضْمار.
لا نُريد تَحميل السيدة طليب، وزَميلَتها العربيّة الصوماليّة إلهان الكَثير مِن الأعباء، ونُلقِي عَليهِما دُروسًا في الوطنيّة، هُما على دِرايةٍ بِها، فيَكْفِي أنّهما نَزَلتا، مُجتَمعتين أو مُنْفَردتين، إلى حلَبة التَّحَدِّي للصُّهيونيّة في عُقرِ دارِها في وَقتٍ يَطلُب ودّها وحِمايَتها الكَثيرون في مِنطَقتنا العَربيّة.
المصدر راي اليوم
تصميم وتطوير: ماسترويب 2016 |