تلفزيون نابلس
كيف خَرَجَ أردوغان من الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة الزَّعيم الأقوَى مُنذ عهد السَّلاطين العُثمانيين؟ وما هُوَ السِّر خلف هذا الانتصار الكاسِح؟
6/26/2018 6:56:00 AM

 خرج الرئيس رجب طيب أردوغان من الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة وشارَك فيها حَواليّ 60 مليون تركي، أكثرَ قُوَّةً وصَلابةً، وفَرض نَفسِه كزَعيمٍ وقائِدٍ لم تَحْظَ البِلاد بمِثلِه مُنذ انتهاء عصر السَّلاطين العُثمانيين، ولا نُبالِغ إذا قُلنا أنّ الشعبيّة التي يَحظَى بِها تتجاوز شَعبيّة كمال أتاتورك مُؤسِّس تركيا الحَديثة.

الرئيس أردوغان خيّب آمال جميع مُعارِضيه داخِل تركيا وخارِجها، عندما حصد أكثر من 53.6 بالمِئة من الأصوات، بينما لم يَحصُل مُنافِسوه السَّبعة على مَنصِب الرئاسة إلا على 46 في المِئة، ولم يستطيعوا الوصول إلى هَدفِهم في الانتقال إلى دَورةٍ انتخابيّةٍ ثانِية.

انتصار حزب “العدالة والتنمية” الذي يتزعّمه الرئيس أردوغان في الانتخابات التشريعيّة وحُصول ائتلافِه على 53 بالمِئة من المَقاعِد في البَرلمان لا يَقِل أهميّةً، ويُعطيه ورئيسه تَفويضًا شَعبيًّا مَفتوحًا لتَطبيق سِياساتِه الداخليّة والخارجيّة دُون أيِّ عَقباتٍ، وبصِلاحيّاتٍ مُطلَقة.

أثبَتت نتائج هذه الانتخابات أنّ الرئيس أردوغان سِياسيًّا مُحنَّكًا، يَملُك رؤيةً ثاقِبةً، مِثلما يَملُك الشعبيّة الأكبَر في أوساط شَعبِه، فدعوته لانتخابات مُبكِرة لم تَكُن مُقامَرة، وإن كانت مِثلَما أجمع مُعظَم الخُبراء، فإنّها كانت مُقامَرةً مَحسوبةً بعِنايةٍ ودِقَّةٍ.

المُعارضة التركيّة بقِيادَة الحِزب الجُمهوري خَسِرت لأنٍها كانت تَضُم تَحالُفًا غير مُتجانِس من أحزابٍ جَمعها هدف واحِد هو الإطاحة بالرئيس أردوغان وحزبه، ولم تَملُك برنامَجًا واضِحًا، وقِيادةً قويّةً بـ “كاريزما” قادِرة على جَذب الجَماهير، فما الذي يَجمَع بين الحِزب الجمهوري الاشتراكي الأتاتوركي، وحِزب السعادة الإسلامي المُحافِظ، وحزب الخير القومي اليميني، غير العَداء للرئيس أردوغان؟

العامِل الإيجابي الوحيد بالنِّسبةِ للمُعارضة الذي يُمكِن رصده من بين رُكام هَذهِ الهَزيمة المُهينة، هو حُصول السيد محرم اينجه مُرشَّح المُعارضة في الانتخابات الرئاسيّة على 31 بالمِئة من الأصوات، وهي نِسبة عالِية لم يَحصُل عليها أي زعيم حِزبي آخر غيره، الأمر الذي ربّما يَجعل مِنه مُنافِسًا قَويًّا للرئيس أردوغان في الانتخابات المُقبِلة بعد خمس سنوات، ومِن غير المُستَبعد أن يَتولَّى قِيادة الحِزب الديمقراطي الجمهوري في المَرحلةِ المُقبِلة خَلفًا لزَعيمِه الحاليّ كمال كلتشدار أوغلو، فالرَّجُل يتمتّع بِمُيولٍ إسلاميّةٍ مُحافِظة واستطاع حشد المَلايين من المُصَوِّتين أثناء حَملَتِه الانتخابيّة.

الرئيس أردوغان يُواصِل انتصاراتِه في السَّاحةِ السياسيّة التركيّة التي بَدأها عام 2002، وعَبر صناديق الاقتراع، ووسط غابَةٍ من الأعداء في الدَّاخِل والخارِج، وربّما يعود ذلك إلى صلابَتِه، وصُمودِه، وعزيمَتِه القَويّة، والتفاف مُعظَم أبناء الشعب التركي حَوله في هَذهِ المَرحلة الحَرِجة في تاريخ البِلاد.

التحدي الأكبر الذي يُواجهه بعد هذا الفَوز المِحوَري الكبير من وِجهَة نظر هذه الصحيفة “رأي اليوم” يأتي من شَقّين، الأوّل: أن يَتصرَّف كرَئيسٍ لثمانين مليون تركي، وليس كرئيس حزب “العدالة والتنمية” فقط، والثاني، أن يُحافِظ على الإنجازات الاقتصاديّة التي جعلت من تركيا القُوّة رقم 17 على سُلَّم الاقتصاديّات الأقوَى في العالم.

الرئيس أردوغان وفي خِطابِه الأوّل بعد إعلان نتائج الانتخابات قال أنّ “الفائِز” الحقيقيّ في هَذهِ الانتخابات هو “الدِّيمقراطيّة” و”الإرادة الوَطنيّة”، وكان مُصيبًا في هذا التَّوصيف، الأمر الذي يُحتِّم عليه أن يُحافِظ على هَذهِ الديمقراطيّة أيضًا ويُعزِّز جُذورها وقَواعِدها، وأبرزها حُريّة التعبير، والتسامح مع الرأي الآخر، ونشر ثقافَة التسامح، وإلغاء حالة الطَّوارِئ، والإفراج عن المُعتَقلين السِّياسيين.


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة