تلفزيون نابلس
كتب _ بدر القريوتي _ أسير وشهيد ومذياع
10/19/2017 4:03:00 PM

 كم كانت للشهيد صخبة تهز مدن كثيرة، كنت أستمع حينها لمذياع صغير يحوي قرابة الخمسة محطات إذاعية محلية ؛ في ذلك اليوم كان الخبر واحد تشترك فيه كل الإذاعات  كنت أبحث في ذلك المذياع المهترء على أغنية صباحية علني أجد في لحنها الشيء الجميل في طفولتي في ذلك الوقت.

إستمريت بالبحث.. وكنت أتوقف قليلاً عند هذا الخبر .. يبدو لا مفر من ذلك بسبب إجماع المحطات عليه ،كان يتخلل الخبر الأغاني الوطنية والشعبية ، وعلى ما يبدو أن أمل عرفة كانت في أغنيتها " وين الملايين " حاضرة بقوة في الخمسة محطات.

الخبر كان يتحدث عن جريمة إقترفها جيش الإحتلال في إحدى مدن قطاع غزة وهو: "إستشهاد شاب في قطاع غزة " جملة ترددت على كافة الموجات . شهيد واحد حينها كان كافياً أن يشعل الإذاعات المحلية.

كنت على موعد في ذلك اليوم مع أحد الأصدقاء بمدينة أخرى ، خرجت بعدما

فشلت في الحصول على أغنية حتى لفيروز لأرى  الحزن في طريقي على وجه إمرأة كبيرة في السن تحدث نفسها بصوت منخفض، سرقت بعض الكلمات منها مثل : " الله ينتقم من اليهود" هكذا عنونة هذه المرأة الكبيرة خبر إستشهاد الشاب في قطاع غزة، أضف إلى ذلك تفاصيل وجهها الذي يدل على الحزن والغضب في نفس الوقت وكأن إبنها الذي أستشهد.

عندما وصلت المدينة كانت الشوارع شبه فارغة ويبدو أن المارة تجمعوا في شارع ومكان واحد ، ليدفعني ذلك إلى الإتجاه إليهم لأعرف ما الذي يحدث ... يقول شخص هنك : سوف نخرج بمظاهرة واسعة في جميع المدن الفلسطينية؛ آخر يقول : لقد صدر قرار من كافة الدوائر الحكومية والتنظيمات بالحداد لمدة ثلاثة أيام.

قلت في نفسي " ما الذي حدث لكل هذا ؟ "

حاولت أن أسرق بعض المعلومات لكي لا أظهر أنني لا أعلم ماذا حدث في بلدي فلسطين

يتصل بي صديقي يسألني فيما إن وصلت حتى الآن، قلت له منذ نصف ساعة وقال

لي بإستغراب : كيف إستطعت أن تصل المدينة بسبب الإضرابات والمظاهرات وحالات الغضب تنديداً بإستشهاد شاب في قطاع غزة صباح اليوم؟ عرفت حينها أن هذا التجمع شيء بسيط مما يجري في المدن الأخرى حتى تلك اللحظة.

كبرت أنا وصديقي وأستطيع الآن أن أبحث عن أي إذاعة وأستمع إلى أي أغنية أو إلى سيمفونية فرنسية معقدة في اليوم السادس والثلاثين من إضراب الأسرى... كبرت أكثر وصار بإمكاني أن أسهر في أفخم المطاعم بالمدينة وأشاهد الطائرات "الإسرائيلية" تقصف غزة وأنا أشرب عصير الليمون بكل إرتياح مع صديقتي الفاتنة وأحلل لها الواقع السياسي في بلادنا.

كبرت وكبرت ووصلت إلى أن أنتظر ألف أسير يموت دون أن أستمع إلى أي محطة إذاعية.

كبرت وكتبت لأنني لا أملك إلا قلمي الحزين ومذياعي القديم المهترء.

سأكبر أكثر حتى أكون آخر الحرس أو شاعر يتمشى في هواجسي.


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة