تلفزيون نابلس
شتاء دافئ
10/15/2017 2:28:00 PM

 كتب- بدر القريوتي:

تلك الفتاة الفلسطينية التي تقف بجانب الطريق المحفر، خلفها جدار الفصل العنصري يحجب عنها شمس الصباح، تتأبط كتبها ودفتر مذكراتها، تتشدق بهن كما الطفل الذي يمسك لعبته الصغيرة ... لا أدري لماذا تحتفظ بهذا الدفتر الصغير يرافقها أينما كانت، لم أستطع أن أتخيل ما يحتضنه ذاك الدفتر بين صفحتيه السميكتين، تخيلت أبيات من الشعر بداخله وفشلت بمعرفة نوع الغزل أهو شعر الغزل الصريح أم العذري.

تصورت مذكرات حزينه ، أوقات الدوام في جامعتها، موعد المحاضرات، جلسات الإختبارات، خربشات الطالب الكسول، رسومات رجلا بلا رأس، وردة بلا غصن، شيخا يتكأ على عصى .. تخيلته فارغا ...... لماذا تحتضنه بهذه اللهفة دائما وتضعه بمنتصف الكتب؟.

 تأشر للباص الأبيض الذي يحمل العلامة الصفراء الغير قانوني، يتوقف قبل أن تكمل رفع يدها اليسرى، وتحاول فتح الباب وتلتصق به علها تجمع شيئ من القوة لديها لتتمكن من فتحه حتى لو بفتحة صغيرة .... يكمل الركاب مهمتها ويفتح الباب أمامها وكأنها ستار لمسرح ينتظره الجمهور بشغف.

يحملق بها الركاب بنظرات بعضها مسروقة وبعضها بتبجح وبعضها بالمرآة المهترئة أمام السائق. يتجه نظرها يسارا من خلف الزجاج وتبدأ تعد الوقت للوصول، وترتب أول خطوة ستقوم بها عند الوصول.

صوت فيروز يلوح بكل أجزاء الباص، منهم من وضع السماعات في أذنيه،  ومنهم من يقرأ استعدادا للاختبار مع سرقة نظرة منها بين كل فقرة من الكتاب.

البعض الآخر يروي قصته لصديقه دون أن يأبه بصوت فيروز ولا حتى بحاجز قد يوقفهم فجأة ...أما هي ، فقد إختارت أن تسرق مقاطع متفرقة من أغنية للسيدة فيروز  * أعطني الناي وغني * دون أن يلاحظها أحد ودون أن تلفت النظر بأنها مهتمة بسماع شيئ.

تلتفت تارة لجوالها وتضغط عليه بأصابعها بعد قفله وتخفض رأسها نحو كتبها الصامدات على ركبتيها المضمومتين كأجنحة الفراشة في الشتاء البارد، تنظر أمامها وتتفحص أين وصلت ، وصاحب الباص ذو الشارب الممتد يمينا ويسارا بشكل معكوف يوجه المرآة على نفسه وكأنه معجبا بشاربه الطويل ينتظر أن ينمو أكثر في كل لحظة وكأنه يربي وردة أمام منزله .

يوقفنا قبل الوصول ببضع كيلو مترات حاجزا عسكري "إسرائيلي"، وتتبدل كل تلك المشاهد التي سبقت ذلك الحاجز الملعون كما سماه راكب في الباص، لم تعد النظرات المسروقة من أولويات البعض ولم يهتم السائق بأي إتجاه يوجه مرآته،  ولم تعد تلك الفتاة صاحبة المعطف الكحلي تنظر لجوالها او تراقب المارة من خلف الزجاج.

الكل ينتظر .... البعض ينظر إلى الساعة وإلى الحاجر برفع رأسه للسقف عله يجد أول سيارة تقف عنده ليتوقع موعد وصولنا للجندي وإنهاء الإجراءات التي لا نستطع توقع شكلها كيف سيكون . الكل يحملق برأسه تجاه الحاجز، حتى فتاة القصة لم تعد حركاتها تعجب الركاب ، لم تهتم بالمحافظة على رصانتها وهدوئها فالجمال يختبأ في تلك الصفات ، كان جل إهتمامها أن تتخلص من ذاك الحاجز فقط...... ليمضي بعدها الجميع بسلام. لكنهم ما زالوا ينتظرون أن يزول هذا الحاجز وللأبد.


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة