تلفزيون نابلس
مريم سعد... طفلةٌ تحاول والدتها جهدها كي لا تنسى ملامح أبيها
9/22/2017 1:45:00 PM

حياة دوابشة- خلال ثلاث سنوات، بذلت جنديةٌ مجهولة قوةً وجهداً كي لا تنسى طفلتها الصغيرة مريم، وجه والدها، أخبرتها عنه القصص، سردت له محاور شخصيته، كانت اليد التي رافقتها إلى المدرسة وقطعت بها الطريق، ولفتت انتباهها إلى أن والدها لم يملك أمر أن يتركها، ولم يختر ذلك، حضّرت لها في كل مناسبةٍ هديةً خاصة، وقالت لها في كل مرة "أرسلها والدك".

في بيت لحم، تسكن منال قراقع، هي وطفلتها الغضة، تجتمعان كل مساءٍ لسرد حكاية خاصةٍ ببطلهما، تتحضر مريم الصغيرة فربما تكون هناك هديةٌ ما مرافقةٌ لحديث والدتها، لقد وعدت منال زوجها الأسير أمير لطفي سعد (30عاماً) من مخيم الدهيشة، أن تبقيه حياً في ذهن طفلته، واتفقا على أن يكون هناك هدايا باسمه في كل فرحةٍ تمر، كي لا تنسى مريم، وكي لا يصاب قلب والدها بالهرم.

اتفاقية الهدايا والحكايات أصبحت عادةً بعد أن استيقظت منال ذات يومٍ على خبر اعتقال شابٍ بتهمة تنفيذ عملية طعن قرب قرية حوسان، لا تزال تتذكر أن مريم كانت لا تزال رضيعةً في ذلك الوقت، كانت على حضنها، ولم تعرف لمَ شدّها ذلك الخبر، ولمَ نظرت إلى وجه طفلتها بشكلٍ آخر بعد ذلك اليوم، وعلمت أنها هي لن تعود كما كانت.

مرت ساعاتٌ طويلة قبل أن تتأكد منال قراقع من هواجسها، قبل أن تصبح فجأة وجهاً جديداً لممرات عبور ذوي الأسرى أثناء الزيارة، وصورةً على زجاج اللقاء والصدمة بأن كل هذا حدث في وقتٍ قصير، بتاريخ 22/7/2014.

سبع سنواتٍ من الانتظار علمت منال قراقع لاحقاً أنها ستقضيها منتظرة، وسترافقها طفلتها مريم هذا الواجب والألم، لا تزال منال تتذكر في زوجها ضحكته رغم كل شيء، ابتسامته وشخصيته الحية التي لا تميتها السجون.

واجبات منال أصبحت أكبر من أن تحتويها إنسانةٌ بقوتها، فكان عليها أن تتعلم الكثير وتلتهم الصبر التهاماً، ستذهب صوب محلٍ لألعاب الأطفال، ستطلب منه تغليف هديةٍ لطفلتها، لقد اتفقت وزوجها أمير على أن لا تقطع عاداتهم وخططهم المستقبلية لتربية مريم.

أصبح على منال أن تكون أماً وأباً في آن واحد، زوجة تحضر نفسها لزياراتٍ مرهقة، وحكواتية تخبر طفلتها بقصص عن الأب البعيد، وسنداً لأسير، تقول منال قراقع: "كان علي أن أرفع روحه المعنوية، كان علي أن أعطيه جرعاتٍ من الصبر، أسرد له تفاصيل أيامنا بدونه، وكيف تكبر طفلته".

تؤمن منال قراقع بأن المسؤولية التي ألقيت على عاتقها لم تكن من فراغ، فقد أعطتها قوةً ودعماً للحياة، حافزاً للاستمرار، وصنفت مريم على أنها ابنة أسير، ولكن في ذات الوقت جعلتها ابنة أمٍ عصامية، تمتلك مخزوناً جهلته من القوة.

تقطع منال قراقع على زوجها وعداً بأنها ستواصل معالجة غيابه في ذهن طفلتها، بصورهم معاً، بالهدايا التي تجلبها لها باسمه، بتربيتها تربية أبٍ وأمٍ ذات الوقت، ستخبرها كيف حرمها الاحتلال ذات محكمة من الحديث معه، كيف وقف الجنود أمامها ومنعوا عنهم حتى لغة الإشارة، ستحدثها عن التفتيش وعن أحقيتها في هذا الوطن، وستطمئن قلبها بأن موعد عودة والدها إلى المنزل باتت قريبة.

وداخل روحها فقط، في منطقةٍ لم يسبق لأحدٍ من البشر أن قرأها من قبل، تحتفظ بلحظة ضعف، بألمٍ وبجلسةٍ مسائية تتخيل فيها أن باب المنزل يدق، وأن الطرق مختلفٌ هذه المرة، طرقٌ لم تسمعه منذ ثلاث سنوات.

 ج القدس


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة