تلفزيون نابلس
جميعنا شركاء في النصر النسبي الذي حققه المقدسيون
7/31/2017 8:42:00 PM

محمد خضر قرش – القدس

أحدث الفلسطينيون وفي مقدمتهم المقدسيون خلخلة نسبية ملموسة وظاهرة للعيان ولكل ذي عقل فيما يتعلق بموضوع السيادة الميدانية والعملية على أرض زهرة المدائن. فلم يعد ممكنا إغفالها أو القفز عنها أو تجاهلها أو حتى التقليل من شأنها ومن النتائج التي ستترتب عليها لاحقا فيما يخص الصراع المحتدم منذ عقود بين اصحابها وأهلها الشرعيين من جهة والمحتلين والمغتصبين من الجهة الثانية. فقد تيقن العالم أجمع ومن ضمنهم وربما أولهم المتغطرس نتنياهو وحزبه أن ادعائهم بالسيادة على القدس بما فيها مسجدها وكنيستها قد سقط وانتهى إلى غير رجعة ولم يعد قائما عمليا.

 فلو كانت هناك سيادة كما تدعي حكومة نتنياهو لما اضطرت لنشر الاف الجنود ورجال الأمن وحرس الحدود والشرطة وهم مدججين بالسلاح القاتل بشكل يومي ولما اقامت الحواجز العسكرية الدائمة على مداخل المدينة واحيائها بما في ذلك نصب البوابات الاليكترونية والكاميرات الذكية الكاشفة للعورات.

فلو كانت القدس موحدة وتحت السيادة الإسرائيلية فعلا كما يدعي ويزعم نتنياهو ورئيس بلدية الاحتلال وبقية الجوقة، لقامت بتطوير وتجديد وتحديث مرافق البنية التحتية في القدس الشرقية لتتساوى مع ما هو قائم في الشطر الغربي. فهناك فجوة عميقة جدا وتزداد اتساعا عاما بعد اخر وخاصة في قطاع السكن والتعليم والمواصلات وإقامة مناطق صناعية وحدائق وروضات الأطفال.

فالقدس كما يراها ويشاهدها كل زائر، هي قدسان وحضارتان وأعياد متنافرة ومتعارضة ومختلفة ولغتان وثقافتان وقوميتان ومدينتان متباينتان في كل شيء ودرجة العداء بينهما كبيرة لا يمكن جسرها.

لقد تمكن المقدسيون العزل إلا من التصميم والإرادة والعزم والإصرار، على كسر المقولة الجوفاء التي ما دأب الاحتلال تردادها والترويج لها بأن القدس عاصمة له وأنه وحده صاحب القرار النهائي بكل ما يتعلق بها وخاصة المسجد الأقصى والكنيسة.

 لكن طوفان المقدسيين الذي جاء قويا وهادرا وأد هذه المقولة بشكل نهائي واقتلعها بل ومحاها كليا من عقول كل الإسرائيليين وخاصة غلاة المستوطنين والمتغطرسين من أحزاب اليمين الصهيوني كنتنياهو وليبرمان وبينيت. فلقد فكفك واقتلع المقدسيون الأوهام التي عشعشت في عقولهم بكفاءة منقطعة النظير قل حدوثها في معارك النضال الوطني ضد الاحتلالات المماثلة. ولا اغالي او أتوهم إذا ما قلت بأن ما فعله المقدسيون بالفترة الممتدة من 14 تموز الماضي إلى 28 منه يكاد يماثل ما حققته الجيوش العربية في حرب أكتوبر 1973والتي اسقطت نظرية أو مقولة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر أو يهزم أو يذل أو يؤسر. فقد شاهدناه بالصوت والصورة وهو منهزم ومستسلم ويتم اقتحام مواقعه بشجاعة منقطعة النظير ورأيناه بأم العين وهو يرفع الراية البيضاء في يداه مستسلما وخانعا وذليلا كما يحصل في كل الجيوش. ثم ألفنا هذه المشاهد فيما بعد في لبنان والقطاع. وهكذا نجح المقدسيون ومعهم شعب فلسطين وكل الوطنيين الشرفاء في العالمين العربي والإسلامي، من إنهاء وإسقاط مقولة أو نظرية بأن القدس وفي الصدارة منها المسجد الأقصى هي تحت السيادة الإسرائيلية الكاملة حيث شرطتها وحرس حدودها من يقرر متى يغلق ومتى يفتح ومن يدخل ومن يصلي ومن لا يصلي. لقد نسف المقدسيون الادعاءات الباطلة التي تقول بان القدس تحت السيادة الإسرائيلية لا يشاطرهم أو يشاركهم بها أحد.

لقد اثبت المقدسيون أنهم قادرون على خلخلة المعادلة التي حاول الاحتلال بكل السبل والوسائل ترسيخها بان القدس موحدة بشطريها وأنها عاصمته الأبدية. لقد واجه الفلسطينيون جنود الاحتلال بتحدي وبشجاعة وببسالة فاقت كل التوقعات، بالوقت الذي كانت فيه أرجل العديد من الحكام العرب ومن هم على شاكلتهم وبطانتهم، تصطك وتضطرب وتهتز وترتجف امام قوات الاحتلال وامام تصريحات نتنياهو. لقد أعاد المقدسيون للعرب الثقة بالنفس والقدرة على مواجهة المحتل. فقد لقنوا الحكام العرب درسا بقدرات وامكانيات الشعب على تحقيق التغيير ووقف التراجع. لقد استطاع المقدسيون تحريك الشارع العربي وإعادة البوصلة الوطنية نحو القدس وفلسطين في الوقت الذي ظن فيه المبطلون والمرتجفون والمساومون والمفاوضون العبثيون بأن الأوضاع قد اقتربت من خواتمها بالتنسيق والتوافق الكامل مع الاحتلال.

 لقد أفشل المقدسيون بكل جرأة ما كان يحاك في دهاليز اللقاءات والمؤتمرات الإقليمية وخاصة تلك التي عقدت أخيرا برئاسة دونالد ترامب في بعض الدول العربية، على اعتبار ان الطرف الفلسطيني هو الأضعف بفعل الانقسام المقيت وانشغال الأنظمة بأوضاعها الداخلية وتجاهل الحكام العرب للقضية الفلسطينية وعدم تبوأها للأولوية التي كانت تحظى بها قبل سنوات قليلة.

فقد جاء الطوفان المقدسي في موعده، قويا ومزلزلا فاجأ الجميع وقض مضاجع المتآمرين والصامتين والخانعين. فلم يتوقع أعضاء حكومة نتنياهو المغرورين ولا العديد من الحكام العرب بأن الطوفان سيكون هائلا وضخما بهذه الدرجة. لقد سكتت الأنظمة العربية في الأسبوع الأول ولم تصدر أي بيان ومع دخول الطوفان المقدس اسبوعه الثاني بزخم أكبر حتى بدأت البيانات والاستنكارات تتوالى مما اضطر رئيس السلطة لوقف التنسيق الأمني وكل الاتصالات مع الاحتلال. وسارع مجلس الأمن الدولي للانعقاد لبحث الإجراءات الإسرائيلية بحق القدس والمسجد الأقصى. لقد صُدم العديد من الحكام العرب بما جرى في شوارع القدس وخاصة بعد أن بدأت المظاهرات الشعبية تتسع وتمتد في عواصمها ومدنها.

لقد تنفست الأنظمة العربية الصعداء من تراجع سلطات الاحتلال عن إجراءاتها بحق المسجد الأقصى، بسبب الطوفان الفلسطيني وخاصة المقدسي الذي وضعهم وحشرهم بالزاوية امام شعوبهم. لقد حقق المقدسيون انتصارا نسبيا في صراعهم المرير والطويل مع الاحتلال وعلينا ان لا نضيع المكاسب والنقاط التي حققناها بدماء شهدائنا الابطال وجرحانا البواسل وبالتحدي الأسطوري للاحتلال في شوارع القدس وأزقتها وببقية المدن الأخرى.

يجب ألا نسمح تحت أي ظرف للحكام العرب بالانقضاض على ما تم تحقيقه بالدماء الطاهرة الزكية وان نتصدى للادعاءات الباطلة التي يروجونها بأنهم كانوا وراء هذا النصر. يجب الا نسمح لهم بركوب الموجة، فأصحاب النصر وصانعيه هم المقدسيون والفلسطينيون على وجه التحديد والشعوب المؤيدة التي وقفت معنا وساندتنا في الميدان وكل ما يقال غير ذلك لا يخرج عن كونه هراء وتدليس.

 لقد تمكن المقدسيون من توفير الروافع النضالية للبدء بالنهوض ووقف الانهيار، فهل تلتقط الأحزاب والفصائل والحركات والجبهات وفي المقدمة منظمة التحرير هذه الفرصة الذهبية لإعادة توجيه البوصلة نحو فلسطين والقدس؟؟ نحن ندرك بأن القيادات الفلسطينية الحالية لم تعد قادرة على التقاط واستثمار الفرص العديدة التي وفرتها الانتفاضات والهبات السابقة والطوفان المقدسي الأخير. اعتقد جازما بأن القيادات الفلسطينية الحالية إذا لم تدرك وتستوعب الطفرة النوعية التي حدثت في القدس وتقوم بإعادة ترتيب هياكلها القيادية، فسوف يتجاوزها شعب فلسطين ولن يكون لها مكانا في مسيرته النضالية بالمستقبل وبكل تأكيد سيفرز شعب فلسطين الرائع قيادات جديدة وتحويل الحالية إلى الاستيداع بل والمحاكمة فهل من يتعظ؟


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة