بقلم: علام توفيق علي
أولاً: أعادت مجريات الأحداث منذ انطلاقها قبل نحو أسبوعين، الكلمة الأولى، والأخيرة، والفصل، لأهل مدينة القدس بالدرجة الأولى...عندهم كان القرار والحلّ والربط، وهذا ما أرعب -أو أربك إلى حدّ كبير على أقلّ تقدير- المستويين، السياسي والأمني في إسرائيل.
ثانياً: عزّزت الأحداث، روحَ الوحدة والعمل الوطني الشعبي الجماعي المشترك، كما عزّزت تنحية الخلافات -على اختلافها- جانباً، وانصبّ التركيز على هدفٍ واحدٍ واضحٍ ومحدد.. وكذلك عزّزت الأحداث روح التكامل والتكافل الاجتماعي...فالمقدسيون دعموا التظاهرات والرباط من أموالهم الذاتية، ومن قوت منازلهم، وفي هذا أبهى وأجمل صور التكامل وتبادل وتحديد وتقسيم الأدوار
ثالثاً: أدرك المقدسيون أنهم لا يجب أن يعوّلوا على الفصائل والتنظيمات الفلسطينية، المنشغلة بالانقسام، وبالصراعات الداخلية، عِوضاً عن الانشغال بمواجهة الاحتلال والتحرير، وكان المقدسيون جميعاً على قدر المسؤولية
رابعاً: أدرك المقدسيون تماماً كذلك، أنهم وحدهم في ميدان المواجهة المباشرة في ملف المسجد الأقصى تحديداً، وهذا لا يعني أن الضفة وغزة ليستا معهم، ولكن سكان هاتين المنطقتين غير قادرين على الوصول للمسجد الأقصى، وبالتالي كانت المهمة مضاعفة على المقدسيين بالدرجة الأولى، الذين أدركوا حجم ثقل وأهمية هذه المسؤولية منذ زمن طويل، وكانوا أهلاً لها
خامساً: لم يعوّل المقدسيون خصوصاً، والفلسطينيون عموماً، على الأمتين العربية أو الإسلامية، وأدركوا أن هاتين الأمتين لن تفعلا شيئاً سوى الكلام، وبيانات استنكار خجولة، واستجداء إسرائيل، أو ربما لعب دور الوسيط غير النزيه، وبالتالي لم يفكّروا لا بعرب ولا بمسلمين، واعتمدوا على أنفسهم فقط، وخرجوا للشوارع
سادساً: الحشود الجماهيرية التي تحرّكت بمئات الآلاف، لم تكن متوقعة من الجانبين السياسي والأمني الإسرائيلي، وهو أكثر ما أربك هذين الجانبين، الأمر الذي غيّر المعادلة بشكل جذري وكبير، حيث كان الجانب الرسمي الإسرائيلي يعتقد بأن (الإحباط) قد نال من عزيمة الفلسطينيين عموماً، والمقدسيين خصوصاً، في ظلّ كل الإجراءات الإسرائيلية طوال السنوات الماضية في القدس ومحيط المسجد الأقصى من جهة، وما تشهده المنطقة العربية من صراعات ونزاعات شغلت الرأي العام العربي والدولي عن قضية القدس وفلسطين من جهة ثانية
سابعاً: الحشود الكبيرة، المنظمة والواعية، دقّت ناقوس الخطر في الداخل الإسرائيلي، حيث أدرك المسؤولون الإسرائيليون أن معادلة (الديموغرافيا) هي خطر حقيقي كبير، لا سيما في المدينة المقدسة بالدرجة الأولى، وفي منطقة المثلث (التي خرج منها منفذوا عملية الأقصى قبل أسبوعين) بالدرجة الثانية...الأهم، أن الجانب الرسمي الإسرائيلي قد تيقّن تماماً أن نحو سبعين عاماً من محاولات مسح الهوية والانتماء لم تنجح، بل وما زادت الفلسطينيين في القدس والداخل إلا ثباتاً وتمسكّاً بفلسطينيتهم وهويتهم
ثامناً: أدرك الإسرائيليون أنه ليس من السهل أبداً -كما كان متوقعاً من جانبهم- إحداث أيّ تغيير فيما يتعلّق بالمسجد الأقصى ومحيطه، وأن أيّ تغيير قد يطلق الشرارة التي ستشعل النار التي قد تحرق الأخضر واليابس، في القدس والداخل بالدرجة الأولى، وهو أكثر ما يرعب ساسة إسرائيل، وأكثر ما لا يريدونه، على الأقل في الفترة الراهنة
تاسعاً: أدرك ساسة إسرائيل أن الديمغرافيا هي القنبلة الموقوتة التي لا حلّ لها فعلاً، فهم لا يستطيعون التخلّص من نحو مليوني فلسطيني في القدس والداخل، بشكل سهل أو سريع، ودون ارتدادات
عاشراً: أيقن ساسة إسرائيل، أن أيّ تقارب مع أية دولة عربية أو إسلامية أياً كانت، ومهما كان حجمها ووزنها وتأثيرها، لا يؤثّر بشيء على قرار الفلسطينيين وتسمكّهم بأرضهم وحقّهم في الدفاع عن المقدسات، بل على العكس، فكلّما ازداد التقارب بين إسرائيل وبعض الدول العربية أو الإسلامية، إزداد الفلسطينيون توحّداً، وعناداً، وإصراراً على الحقّ وتحصيل الحقوق
احدى عشر: ربما أكثر ما أثار الارتباك لدى المؤسسات السياسية والأمنية والعسكرية الإسرائيلية، هو (سلمية) التظاهرات، بمعنى أنها تظاهرات حاشدة كبيرة منظّمة، استمرت على مدار الساعة لنحو أسبوعين، بهتافات فقط، دون استخدام الأسلحة أو العنف، وهو الأمر الذي فوّت فرصة كبيرة على الإسرائيليين في استخدام القوة كما يرغبون، وهي النقطة -أي استخدام القوة- التي تمنح الجانب الإسرائيلي نقطة التفوق دائماً في معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وفرصة -حُجّة- إنهاء كلّ حراك أو احتجاج أو مظاهرات
اثنا عشر: كان لوسائل التواصل الاجتماعي -السوشال ميديا- الدور الأهم والرئيس في نقل ما يجري من أحداث، حتى من داخل المسجد الأقصى وعند نقاط التماس، وهو ما ساهم بشكل كبير في نقل التفاصيل، وحشد الرأي العام.. وهذا بالطبع لا يلغي ولا يتعارض إطلاقاً مع دور وسائل الإعلام التقليدية على اختلافها، ودور الصحفيين والإعلاميين الذين عملوا بجدّ واجتهاد على مدار الساعة لنقل الأحداث، من قلب تلك الأحداث
ثلاثة عشر: من السذاجة التسليم بأن إسرائيل لن تردّ، أو أنها استسلمت لأمر واقع وفقط.. بل هي ستحاول الردّ بطرق مختلفة كثيرة ومؤلمة، وستفعل الكثير من الأشياء ضدّ المقدسيين وغيرهم، ولكن المقدسيين واعون لذلك الأمر، ومدركون لحجم الخطر وما يمكن أن تفعله المؤسسات الإسرائيلية المختلفة، لا سيما الأمنية منها، ولكنهم مصرّون على الثبات والصمود حتى النهاية، فلا خيارات أخرى لديهم، ولا نصير لهم إلا هُم.
تصميم وتطوير: ماسترويب 2016 |