تلفزيون نابلس
الى شيء من التفاؤل
2/8/2014 6:19:00 PM

د يحيى جبر

اقرأ واستمتع مجانا... وهذا آخره أعذب من أوله

كثيرا ما نستخدم ألفاظا بطلاقة لكن دون أن نعرف منشأها. وقبل البدء في الرحلة أرجو أن تربطوا الأحزمة. مستعدون؟ إذًا وجهوا الشراع قُبالة الريح...في الحديث الشريف يقول النبي صلى الله عليه وآله، ورضي عن أصحابه: تفاءلوا بالخير تجدوه. (بالمناسبة استشهد بهذا الحديث إسحق نافون لدى افتتاحه الكلية الإسلامية في باقة الغربية، وبحديث آخر: الله مع العبد ما دام العبد في عون أخيه؛ أقحمت هذا ههنا لتعلموا أنه ليس المسلمون وحدهم يمكن أن يقولوا ذلك، و" الشاطر يفهم") وحديث المصطفى يدل من باب الضرورة أن التفاؤل يمكن أن يكون في الشر!! لأنه قال تفاءلوا بالخير...، فذكره الخير يعني جوازه على الشر، نعم هو هذا، لأن التفاؤل هو التوقع، وقد تتوقع خيرا، وقد تتوقع شرا.. ولكن؛ وهذا هو الأهم، أن استخدام العرب لهذا اللفظ كثر في مجال الخير، ولذلك أصبح التفاؤل مقترنا بالخير مع مرور الزمن.

لكن كيف وصلتَ إلى هذه النتيجة؟ استمع جيدا، اجعل عينيك وأذنيك أربعا، كل فاء تليها همزة فهي لدلالة تقع على معنى الدقة والتقدم، تبصّر في الألفاظ التالية (بعضهم قد يتفلسف ويقول هي الآتية؛ فأشيح عنه بوجهي تاركا له سفاسف بعض اللغويين وسفسطاتهم):

فأر... لا تخافوا ليس هنا فأر، ولكن تخيلوه قفز أمامكم وجرى، ما الذي ترونه؟ نرى جسما مستدقا من قدام ومنطلقا للأمام.

فأس: انظروا ما نضرب به الأرض منها، يكون مستدقا من قدام، ومنطلقا للأمام

فأد العجين دسه في الفرن ونحوه لينضجه، وفي ذلك امتداد اليد، وفيه دقة وتقدم، ومنه الفؤاد، لحرارته وهو في القفص الصدري

الفأو ( الفاو) مصب شط العرب في الخليج، وفيه دقة وامتداد للأمام

والفائجة " من الأَرض : " مُتَّسَعُ ما بينَ كلِّ مُرْتَفِعَيْن "وفيه دقة على اتساعه وامتداد بينهما.

والفئام؛ كيس أو مثله يكون صغير الفم، يغطى به مركب المرأة، وفي هذا دقة وامتداد كرأس الفار والفأس

والفأل، وهو بيت القصيد، من لعبة كان العرب يلعبونها قديما وقد لعبناها صغارا في فلسطين والجزيرة العربية، وهي أن نجعل كومة من الرمل أو التراب، يجلس إليها فريقان، يدير فريق ظهره، ويخبئ الفريق الآخر فيها خاتما أو حجرا أو نحو ذلك، ثم يطلب من الفريق الأول أن يدخل يده طولا في أسفل الكومة (تتبعوا معنى الدقة والامتداد قدما) ويقسمها قسمين، وهذا هو الفأل، أي إدخال اليد في التراب على النحو الموصوف، ثم عليه أن يحزر في أي النصفين يقع الخاتم أو الحجر..حينئذ يتوقع، يخمّن، وقد يعرف وقد لا يعرف، وهذا هو التفاؤل في الأصل القديم، وهذه هي لعبة المفايلة، وقد ذكرها طَرَفَة بن العبد البكري في معلقته حيث قال مشبها الناقة في السراب بالسفينة في الماء:

يشق حَباب الماء حيزومُها كما شق التُّربَ المُفايلُ باليد

أرأيتم أصل التفاؤل ؟ هذه شهادة ميلاده لمن أراد أن يتدبر أو أراد شكورا. أورأيتم كم هي عظيمة لغتنا، وكم نحن مقصرون في حقها؟

 


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة