تلفزيون نابلس
كوكا كولا
"غزّة الباقية".. حين ينتصر المتحف الفلسطيني على الحصار وينتزع جائزة الممارسات المتحفية لعام 2025
12/4/2025 1:50:00 PM

 في لحظة فارقة للثقافة الفلسطينية، فاز «المتحف الفلسطيني» في بيرزيت بجائزة الممارسات المتحفية المتميزة لعام 2025، التي تمنحها «اللجنة الدولية للمتاحف والمجموعات الفنية الحديثة» (CIMAM)، وذلك عن معرضه الاستثنائي «غزّة الباقية». تتويجٌ يعكس قدرة مؤسسة فلسطينية محاصرة على إعادة تعريف معنى المتحف ودوره، بوصفه مساحة للبقاء والمقاومة وحفظ الذاكرة في ظل الإبادة وتدمير البنية الثقافية.

هذا الفوز ليس مجرد إنجاز مؤسساتي، بل شهادة على صمود مشهد ثقافي مُستهدَف. فمنذ الأسابيع الأولى لبدء الإبادة على قطاع غزّة في تشرين الأول/أكتوبر 2023، سارع المتحف إلى استجابة ثقافية طارئة بعد تدمير متحفين (متحف رفح ومتحف القرارة) ومعرضين فنيين (محترف شبابيك للفن المعاصر، غاليري التقاء)، إضافة إلى إحراق أرشيفات تاريخية، بينها أرشيف بلدية غزة العائد لنهاية القرن التاسع عشر، وأرشيفات جامعات ومؤسسات ثقافية. وقد استُشهد خلال الحرب عشرات العاملين في القطاع الثقافي.

أمام هذا الخراب، قدّم المتحف الفلسطيني قاعة عرضه امتداداً رمزياً لغزّة المقصوفة، مطلقاً معرض «هذا ليس معرضاً»، الذي جمع أعمالاً لفنانين غزّيين خلقوا تحت الحصار وتحت القصف. وتمكّن المتحف، عبر شبكة واسعة من الشراكات، من جمع أكثر من 330 عملاً فنياً لأكثر من 130 فناناً في فلسطين، رغم التهجير والتدمير. ستة من الفنانين المشاركين استُشهدوا خلال الحرب، بينهم فتحي غبن، هبة زقوت، شهد نافذ، محمد سامي، ضرغام قريقع، إضافة إلى الصحافي فؤاد أو خماش. وباتت بعض الأعمال المعروضة شاهداً أخيراً على وجودهم الفني.

وفي موازاة هذه المجموعة الطارئة، أطلق المتحف معرض «غزّة الباقية» الرقمي، الذي صُمّم ليكون قابلاً للتحميل والاستخدام دون قيود، جامعاً 44 لوحة سردية و33 عملاً فنياً فلسطينياً و66 صورة أرشيفية، مدعومة بروابط QR تقود إلى فيديوهات وبودكاست ومواد تفسيرية. تحوّلت هذه المقاربة إلى ممارسة متحفية مبتكرة، نقلت الاستجابة من لحظة طارئة إلى مشروع ثقافي مستدام يتيح الوصول المفتوح للجمهور حول العالم.

ومع إطلاق مشروع «غزّة تبقى القصة» في أيلول/سبتمبر 2024، وجد المعرض طريقه إلى 245 مساحة عرض في 48 دولة، من بينها الجامعة الأميركية في بيروت وجامعة القديس يوسف، ليصبح حضور المتحف العالمي بديلاً عن عجز الجمهور الفلسطيني عن الوصول إليه.

المعرض لا يوثّق الحرب فقط، بل يضعها في سياق تاريخي يمتد لأكثر من قرن من الاستعمار، مستحضراً حياة الغزّيين اليومية، والزراعة، والموسيقى، والفن، والتضامن العالمي، ليقدّم رواية الفلسطينيين بأنفسهم في مواجهة التضليل ومحاولات المحو.

يتساءل كثيرون: كيف يفوز متحف لا يستطيع جمهوره الوصول إليه بجائزة عالمية؟
الإجابة تكمن في الظروف الاستثنائية. فبسبب التشتت الجغرافي والقيود الصارمة التي يفرضها الاحتلال بين الضفة وغزّة والداخل، لم تتجاوز نسبة الفلسطينيين القادرين على زيارة المتحف 10%، وهي نسبة تضاءلت أكثر مع تشديد الحواجز خلال الحرب. ومع إغلاق المتحف أمام الزوار لفترة قصيرة نتيجة صدمة الأحداث، انتقل تركيزه نحو بناء ممارسات متحفية رقمية شاملة، مكّنت الشعب الفلسطيني والعربي من الوصول إلى المعرفة والأرشيف دون عوائق.

وكان «غزّة الباقية» أولى الثمرات الكبرى لهذا التحوّل. فقد شهد «أرشيف المتحف الفلسطيني الرقمي»، الذي يضم أكثر من 350 ألف وثيقة، زيادة في التفاعل والاطلاع بنحو 20 ضعفاً من مؤسسات وأفراد في العالم.

بهذا العمل، أعاد المتحف تعريف وظيفته من كونه مبنى يحتاج جمهوراً يصل إليه، إلى منصة معرفية مفتوحة تعبر الحدود والحصار، وتمنح الفلسطينيين والعالم رواية مقاومة تُسجَّل، وتُعرض، وتبقى.


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة