تلفزيون نابلس
كوكا كولا
لماذا تخشى إسرائيل قرار صندوق الثروة النرويجي؟
8/15/2025 2:19:00 PM

امطانس شحادة: شكّل قرار صندوق الثروة النرويجي، وهو أكبر صندوق استثمار سيادي في العالم يدير محفظة استثمارات تقارب 1.9 تريليون دولار، سحب استثماراته من الشركات الإسرائيلية -وتحديدًا بيع حصصه في 11 شركة إسرائيلية من أصل 61 شركة يمتلك أسهمًا فيها - صدمة في الاقتصاد الإسرائيلي، ليس بسبب حجم الاستثمار وتنوّعه فحسب، بل لأنه قد يعكس بداية مرحلة جديدة في علاقات إسرائيل الاقتصادية العالمية، خاصة مع الدول الأوروبية. كما قد يمثل هذا القرار بداية تراجع في الاستثمارات الخارجية، ولا سيما في قطاع التكنولوجيا المتقدمة (الهايتك) والصناعات العسكرية والأمنية، التي تُعدّ محركًا أساسيًا في نمو وتطوير الاقتصاد الإسرائيلي، التي تشكل نحو 1.5% من الناتج المحلي.

من أبرز الشركات التي يستثمر فيها الصندوق النرويجي:

- شركة محركات بيت شيمش، التي تأسست عام 1968 في أطراف مدينة بيت شيمش كجهة مصنّعة لأجزاء محركات النفاثات، متخصّصة في إنتاج أجزاء المحركات وإصلاحها وتقديم خدمات الصيانة والدعم الفني للعملاء. وبعد خمسة عقود، أصبحت محركات بيت شيمش رائدة في هذا المجال، وتزوّد بقطع وخدمات لمحركات التوربين لقاعدة عملاء في مختلف أنحاء العالم، من أبرزهم وزارة الأمن الإسرائيلية. كما تمتلك الشركة مصانع وشركات خارج إسرائيل، من بينها في الولايات المتحدة وصربيا. وقد بلغ حجم مبيعات الشركة عام 2024 نحو 260 مليون دولار، وفقا للتقرير المالي في موقع الشركة الرسمي، وربح تشغيلي نحو 50 مليون دولار.

- شركة نكست فيجن، وهي شركة متخصّصة في توفير حلول التصوير للطائرات المسيّرة. بلغت حصة صندوق الثروة النرويجي فيها نحو 16 مليون دولار، وقد حققت الشركة عائدًا بنسبة 186% خلال العام الأخير فقط. ووفقًا لتقارير الصندوق، فإنه لم يقم حتى الآن ببيع حصته فيها.

- شركة وان تكنولوجيات للمعلومات، حيث كان الصندوق يمتلك حتى نهاية عام 2024 أسهمًا فيها بقيمة تقارب 5 ملايين دولار. وتشتهر الشركة بنشاطها في مجال الاستعانة بمصادر خارجية مع شركات مدنية، غير أنها اشترت قبل عامين الحصة المسيطرة في شركة ووبكس، التي تطوّر أنظمة لتحليل البيانات والتحكم والمراقبة في القطاع الأمني.

- يستثمر الصندوق مبلغ 1.2 مليون دولار في شركة "فورمولا سيستمز"، المالكة لشركة TSG، التي تلعب دورًا محوريًا في أداء منظومة الدفاع الجوي لدولة إسرائيل.

- يمتلك استثمارًا ضئيلًا بقيمة 120 ألف دولار في شركة "أوديوكودس"، التي توفر حلول اتصالات مؤسسية، وتدمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في منتجاتها، وتزوّد بها القطاع الأمني.

- شركة "سكوب للمعادن"، التي بلغت قيمة استثمارات الصندوق فيها 8 ملايين دولار، وهي مورّد للصناعات العسكرية مثل الصناعة الجوية الإسرائيلية، التي تُعد جزءًا أساسيًا من منظومة التسلح في جيش الاحتلال.

- شركة "جيلات لأنظمة الاتصالات الفضائية"، التي توفر أنظمة اتصالات لوزارة الأمن الإسرائيلية، وكان الصندوق يمتلك فيها مبلغًا ضئيلًا قدره 6,000 دولار

- يستثمر الصندوق 5 ملايين دولار في مجموعة "عموس لوزون"، التي تضم شركة فرعية تُدعى "روم للجبس"، تنفذ مشاريع لصالح مؤسسات أمنية. كما يستثمر الصندوق نحو 22 مليون دولار في شركة أشباه الموصلات "تاور"، التي تعمل مع وزارة الدفاع الأمريكية في إطار الدعم الذي تقدمه لمساعدة إسرائيل في حربها على غزة.

- يستثمر الصندوق ما يقارب 360 مليون دولار في بنك هبوعليم، وهو كيان يبدو ظاهريًا بلا أي صلة مباشرة بجهاز الأمن، إلا أن البنوك الإسرائيلية تدير برامج خاصة للجنود المسرّحين والمصابين، كما أنها منحت في السابق قروضًا لوزارة الأمن لتمويل مشترياتها.

بالإضافة الى ذلك يستثمر الصندوق في قائمة طويلة من الشركات الاسرائيلية، منها: أزوريم (البناء والعقارات)؛ ديلك للسيارات (وكالات استيراد سيارات)؛ إل عال (شركة طيران)؛ إنرجكس (الطاقة المتجددة)؛ إيتورو (تجارة الكترونية في اسواق الاسهم)؛ ماكس ستوك (تجارة وبيع أدوات منزلية بالمفرق)؛ لوينشتاين للهندسة (الهندسة والبناء والعقارات)؛ بريون (تكنولوجيا وخدمات دعايات الكتروني)؛ بريورتك (صناعة الشرائح الالكترونية)؛ رامي ليفي (شبكة تسويق وتجارة)؛ ريت 1 (صندوق استثمار في محجال العقارات)؛ ريتيليرز (استيراد وتسويق ملابس واحذية زمستلزمات رياضة)؛ سكوب للمعادن (توسق معادن وبلاستيك)؛ سيلع للعقارات (استثمار في العقارات)؛ تورباز (المتخصصة بصناعات مكملات الغذاء والاطعمة).

أي أن استثمارات صندوق الثروة النرويجي لا تقتصر على قطاع اقتصادي محدد، بل تتوزع على غالبية الفروع الاقتصادية. وبذلك، فإن تأثير قرار الصندوق لا يقتصر على القطاعات ذات الصلة المباشرة بصناعة الأسلحة والأمن والمساهمة في حرب الإبادة على غزة، بل يمتد ليشمل مختلف القطاعات الاقتصادية.

ما هو صندوق "الثروة النرويجي للاستثمار Norwegian Government Pension Fund Global – GPFG"،

هو أكبر صندوق سيادي في العالم من حيث قيمة الأصول في الاسواق. تأسس الصندوق في عام 1990 بهدف استثمار الفوائض المالية الناتجة عن صادرات النفط والغاز النرويجية. الهدف الأساسي منه هو ضمان استدامة الاقتصاد النرويجي على المدى الطويل، بحيث تستفيد الأجيال القادمة من عائدات النفط حتى بعد نضوب الموارد الطبيعية.

يدير الصندوق أصولًا تتجاوز 1.9 تريليون دولار أمريكي (وفقا لتقديرات 2024). ويملك حصصًا في أكثر من 9,000 شركة حول العالم، ويمتلك في المتوسط حوالي 1.5% من إجمالي الأسهم المدرجة عالميًا.

لديه سياسة استثمارية صارمة تراعي المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، ويستبعد الشركات المتورطة في صناعة وتجارة أسلحة محرمة، أو انتهاكات حقوق الإنسان، أو الأضرار البيئية الكبيرة.

يُدار الصندوق من قبل البنك المركزي النرويجي عبر ذراعه الاستثمارية ويضع لرقابة مشددة من البرلمان النرويجي، مع تقارير شفافة تُنشر للجمهور.

خشية إسرائيلية من تراجع الاستثمارات الأجنبية

أبرزت قضية سحب صندوق الثروة النرويجي جزءًا من استثماراته في السوق الإسرائيلي حجم وعمق الاستثمارات الخارجية في الشركات الإسرائيلية، خاصة تلك العاملة في القطاعين الأمني والعسكري. ويُذكر أن سوق الأسهم في تل أبيب يضم 15 شركة إسرائيلية تُصنَّف كشركات تعمل في المجال الأمني–العسكري بشكل مباشر، وتستثمر فيها صناديق أجنبية إما عبر سوق الأسهم أو من خلال استثمار مباشر. وقد حققت هذه الشركات أرباحًا كبيرة في السنوات الأخيرة نتيجة حرب الإبادة على غزة، وكذلك الحرب على لبنان وإيران، إضافة إلى ارتفاع الطلب العالمي على المعدات العسكرية والأمنية منذ اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا. كما تكشف هذه المعطيات عن حجم سوق الصناعات والخدمات الأمنية والعسكرية في إسرائيل وأهميته في تعزيز الناتج المحلي والنمو الاقتصادي، فضلًا عن أن حتى الشركات المصنفة كمدنية ترتبط بشكل واسع، وإن كان بشكل مباشر او غير مباشر، بالصناعات العسكرية وتقديم الخدمات لوزارة الأمن والجيش الإسرائيلي.

تخشى إسرائيل من توسع مقاطعة صناديق الاستثمار من دول أخرى للسوق الإسرائيلي. وبطبيعة الحال، فإن إسرائيل لن تعلن أو تنشر هذا القلق والخشية، بل تحاول التقليل من آثار قرار صندوق الثروة النرويجي، وكذلك من الدعوات إلى مقاطعة الصناعات العسكرية والأمنية الإسرائيلية وغيرها، كنتيجة لحرب الإبادة على غزة وسياسات التجويع.

وقد نشر المحلل الاقتصادي في صحيفة ذي ماركر الاقتصادية، حغاي عميت، مقالًا مطولًا (13 آب) يحذر فيه من خطوة الصندوق النرويجي، موضحًا أنه لا يجوز الاستهانة بهذه الخطوة غير المسبوقة التي أعلنها صندوق الثروة السيادي النرويجي، لأنها قد تؤدي إلى سحب صناديق سيادية أخرى استثماراتها من الاقتصاد الإسرائيلي، سواء بشكل كلي أو جزئي.

على سبيل المثال، أعلن صندوق التقاعد النرويجي (KLP) يوم الأربعاء 12 آب أنه يقوم بتصفية حصصه في شركة "نكست فيجن الإسرائيلية"، لأنها تزوّد بمكوّنات أساسية للطائرات المسيّرة التي تعمل في غزة. وفي الأسبوع الماضي، أعلن صندوق التقاعد الدنماركي (PBU)، الذي يدير نحو 14 مليار يورو، أنه باع حصصه في شركات Booking وAirbnb وExpedia بسبب نشاطها في المستوطنات بالضفة الغربية.

وفي أستراليا، يُمارس ضغط شعبي على صندوق المستقبل التابع للدولة، الذي يدير أكثر من 200 مليار دولار أسترالي، لوقف استثماراته في الشركات الداعمة للمستوطنات الإسرائيلية وشركات السلاح الإسرائيلية. وينطبق الأمر نفسه في نيوزيلندا، حيث يدير الصندوق المماثل للصندوق الأسترالي مبلغًا مشابهًا.

تشكل هذه القرارات مصدر إزعاج لإسرائيل وصنّاع القرار الاقتصادي، كما تثير قلق الشركات والقطاع الخاص، نظرًا لأنها تمثل حصة مركزية من الاستثمارات الخارجية في الاقتصاد الإسرائيلي. ذلك أن الاستثمارات الخارجية المباشرة والتجارة الدولية (الاستيراد والتصدير) باتتا تشكلان جزءًا مهمًا من الناتج المحلي الإسرائيلي، وعاملًا أساسيًا في النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل وزيادة الدخل.

وفقًا لتقرير بنك إسرائيل حول "الاستثمارات الأجنبية المباشرة في إسرائيل: التطورات والاتجاهات خلال العقد الأخير" (نشر في نيسان 2025)، ارتفع حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في إسرائيل بين الأعوام 2013 و2019 بشكل ثابت، مدفوعًا بازدهار قطاع التكنولوجيا الفائقة (الهايتك) وصفقات الاستحواذ على شركات ناشئة إسرائيلية من قبل شركات متعددة الجنسيات. وقد احتلت إسرائيل مراتب متقدمة عالميًا في نسبة الاستثمار الأجنبي إلى الناتج المحلي، حيث وصل حجم الاستثمار السنوي في بعض السنوات إلى ما بين 20 و25 مليار دولار.

كان عام 2021 استثنائيًا، إذ تجاوزت الاستثمارات الأجنبية المباشرة 30 مليار دولار، نتيجة الطفرة العالمية في قطاع التكنولوجيا بعد جائحة كورونا، وزيادة صفقات الدمج والاستحواذ، ودخول استثمارات ضخمة في شركات الأمن السيبراني وأشباه الموصلات والطاقة المتجددة. ابتداءً من النصف الثاني لعام 2022، بدأت الاستثمارات الأجنبية بالتراجع، وفي عام 2023، وبحسب بنك إسرائيل انخفضت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنحو 60% مقارنة بعام 2021، لتصل إلى ما يقارب 10–12 مليار دولار. وقد أثرت الحرب على غزة والتصعيد الأمني الذي تبعها سلبًا على تدفقات الاستثمار، حيث أوقفت بعض الصناديق العالمية أو خفّضت استثماراتها. وبلغ حجم الاستثمار الاجبني عام 2023 نحو 16 مليار دولار، وفي عام 2024 نحو 19 مليار دولار.

تشير التوقعات لعام 2025 إلى استمرار التراجع في الاستثمارات الأجنبية، خاصة في القطاعات المرتبطة بالمجهود الحربي أو بالمستوطنات، وذلك رغم الصفقات الكبرى التي شهدها قطاع التكنولوجيا الفائقة (الهايتك)، والتي شملت شراء شركات أمريكية لشركات إسرائيلية بمبالغ ضخمة جدًا.

نتائج العقوبات الأوروبية غير الرسمية وغير العلنية على الاقتصاد الإسرائيلي لم تتضح بعد، والحكومة الإسرائيلية تحاول التقليل من وقع هذه العقوبات وتجاهل أسبابها ونتائجها، خاصة ما يتعلق بسحب الاستثمارات ووقف التعاون الصناعي والأكاديمي. وما شفع لحالة الاستثمار الأجنبي لغاية الات، ومنع تراجع خطير في حجم الاستثمارات الأجنبية كان الاستثمارات الضخمة التي قامت بها شركات أمريكية عبر شراء شركات تكنولوجيا فائقة (هايتك) إسرائيلية خلال العام الحالي، إضافة إلى استمرار الصناعات العسكرية والأمنية الإسرائيلية في إبرام صفقات مع دول عديدة حول العالم، بينها دول أوروبية.

لكن إسرائيل لا تستطيع الاستمرار في تجاهل اتساع نطاق المقاطعة وسحب الاستثمارات أو توقفها، وتأثير ذلك على مجمل الاقتصاد الإسرائيلي، نظرًا لأن هذه التطورات تمس عصب الاقتصاد ومحركاته الأساسية، خاصة صناعات التكنولوجيا الفائقة والحديثة، والصناعات العسكرية والأمنية، التي تُعد محرك الاقتصاد الإسرائيلي والعامل الأهم في رفع الناتج المحلي والأجور، ومصدرًا مركزيًا لدخل الحكومة عبر الضرائب.

وما بدأه صندوق الثروة النرويجي قد يتحول إلى كرة ثلج تؤدي إلى خطوات مماثلة من قبل صناديق سيادية أخرى أو شركات اقتصادية خاصة، وهو ما قد يفرض ضغوطًا إضافية على الاقتصاد الإسرائيلي، وعلى القطاع الخاص، وعلى الحكومة، خاصة إذا استمرت في حرب الإبادة على قطاع غزة وسياسات التجويع.  

"عرب48"


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة