تلفزيون نابلس
كوكا كولا
الموظف الفلسطيني... ضحية بين مطرقة خصومات الرواتب وسندان البنوك! أين الحكومة وسلطة النقد من حماية كرامة الإنسان؟
7/2/2025 12:35:00 PM

إعداد: المحامي علي أبو حبلة

أزمة تتفاقم... وحقوق تُهدر

في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعصف بفلسطين، يجد الموظف الفلسطيني نفسه الحلقة الأضعف في معادلة اقتصادية معقدة، يتقاسمها عجز الحكومة وغياب الحماية من سلطة النقد، وجشع بعض البنوك التي تواصل استنزاف ما تبقى من فتات الرواتب.

بات الموظف بين خيارين أحلاهما مر؛ خصومات حكومية طالت أكثر من نصف الراتب في كثير من الحالات، واستقطاعات قاسية من البنوك التي لم تراعِ الأزمات المالية، ولا الظروف الاستثنائية التي تمر بها فلسطين، الأمر الذي أدى إلى انهيار القدرة المعيشية لغالبية الموظفين.

الأجر حق دستوري وليس مِنّة

القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لسنة 2003 أكد في المادة (25) أن:

"العمل حق لكل مواطن، وواجب وشرف، وتسعى السلطة الوطنية إلى توفيره لكل قادر عليه. ولكل عامل الحق في الأجر العادل، وظروف العمل اللائقة، والحماية الصحية والاجتماعية."

هذا النص لا يترك مجالاً للجدل؛ الراتب ليس ترفاً ولا مكرمة، بل هو حق قانوني ودستوري لا يجوز المساس به إلا بموجب قانون، وبما لا ينتهك الحد الأدنى للمعيشة الكريمة.

كما أن الاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها فلسطين، وعلى رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تلزم الدولة الفلسطينية بحماية حق المواطن في الأجر الكافي، والعيش بكرامة.

من يتحمل المسؤولية؟

1. الحكومة الفلسطينية:

تتحمل مسؤولية كاملة في ضمان رواتب موظفيها، وتوفير شبكة أمان اجتماعي لهم.

سياسة الخصومات المتكررة التي تُفرض دون إطار قانوني واضح، تمثل انتهاكاً لمبدأ سيادة القانون الذي نصت عليه المادة (9) من القانون الأساسي.

الحكومة ملزمة بحماية مواطنيها من تداعيات الحصار المالي الإسرائيلي، لا أن تُلقي بثقل الأزمة على ظهر الموظف وحده.

2. سلطة النقد الفلسطينية:

سلطة النقد التي يفترض أنها الجهة الرقابية على البنوك، ملزمة بموجب قانونها رقم (2) لسنة 1997، وبموجب قانون المصارف رقم (9) لسنة 2010، بحماية النظام المالي مع مراعاة البعد الاجتماعي.

غياب تعليمات حقيقية للبنوك لإعادة جدولة القروض أو منح فترات سماح أو تخفيف الفوائد، يُعد تقصيراً قانونياً وأخلاقياً واضحاً.

3. البنوك العاملة في فلسطين:

بدلاً من أن تلعب البنوك دوراً في التخفيف من معاناة الموظفين، واصلت اقتطاع الأقساط والفوائد كاملة فور تحويل الرواتب، دون أي اعتبار لانخفاض الرواتب بفعل الخصومات.

هذا السلوك يخالف مبدأ حسن النية في تنفيذ العقود الذي نص عليه القانون المدني الفلسطيني، ويُناقض المسؤولية الاجتماعية التي تُفترض في المؤسسات المالية.

تداعيات كارثية لا يمكن تجاهلها

ارتفاع معدلات الفقر بين الموظفين بنسبة غير مسبوقة.

تصاعد أزمات القروض غير القانونية، وانتشار السوق السوداء.

زيادة حالات الطلاق والمشاكل الأسرية والتفكك المجتمعي.

تنامي معدلات الهجرة ومحاولات الانتحار، كنتيجة مباشرة لفقدان الأمل.

تهديد خطير للسلم الاجتماعي والاقتصادي، قد تكون له ارتدادات على مجمل الوضع الداخلي.

ما الحل؟ مطالب قانونية عاجلة

على الحكومة الفلسطينية:

وقف سياسة الخصومات التعسفية.

توفير حماية قانونية للحد الأدنى من الرواتب.

فتح حوار وطني موسع مع النقابات والقطاع الخاص والمجتمع المدني للخروج بحلول عملية.

 على سلطة النقد:

إصدار تعليمات واضحة بإعادة جدولة القروض دون فوائد إضافية.

فرض فترات سماح حقيقية على أقساط القروض للموظفين المتضررين.

مراجعة شاملة للفوائد البنكية المرتفعة بما يتناسب مع الظروف الاستثنائية.

على البنوك:

الالتزام بالمسؤولية الاجتماعية، ووقف استقطاع القروض والفوائد كاملة من الرواتب المخصومة.

تقديم حلول جدية عبر برامج إعادة الجدولة، وتخفيض الفوائد، ومنح تسهيلات إنسانية.

العمل ضمن شراكة مع الحكومة وسلطة النقد لحماية الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ونختم بالقول إن استمرار تجاهل هذا الواقع المؤلم، يضع الحكومة الفلسطينية، وسلطة النقد، والبنوك أمام مسؤوليات قانونية وأخلاقية ووطنية جسيمة. إن الحقوق لا تُختزل في الشعارات، بل تُترجم إلى سياسات تحمي كرامة الإنسان وتضمن له الحد الأدنى من الحياة الكريمة.

الموظف الفلسطيني لا يطالب بالرفاهية، بل يطالب بحق دستوري بسيط: أن يعيش بكرامة، وأن يحصل على أجره كاملاً دون انتقاص أو استغلال. فهل من مجيب؟


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة