تُعدّ المربعانية واحدة من أكثر الفترات المناخية حضورًا في الذاكرة الشعبية الفلسطينية، ليس فقط بسبب قسوتها الجوية، بل لما تحمله من عادات وتفاصيل إنسانية تشكّل جزءًا من هوية الشتاء في فلسطين.

متى تبدأ المربعانية ومتى تنتهي في فلسطين؟

تبدأ المربعانية فلكيًا في 21 كانون الأول/ديسمبر، بالتزامن مع الانقلاب الشتوي، وتستمر 40 يومًا، لتنتهي في 29 كانون الثاني/يناير.
وخلال هذه الفترة، تشهد فلسطين أبرد أيام السنة، مع انخفاض واضح في درجات الحرارة، وزيادة فرص المنخفضات الجوية، والرياح الباردة، والصقيع، خاصة في المناطق الجبلية.

لماذا سُمّيت بالمربعانية؟

جاءت التسمية من مدة الأربعين يومًا التي تستغرقها، وهي فترة اعتاد الناس التعامل معها كمرحلة واحدة متكاملة من الشتاء القاسي، يُبنى عليها الحساب الزراعي والمعيشي.

أبرز مظاهر المربعانية

• البرودة الشديدة: حيث تُسجَّل أدنى درجات الحرارة السنوية.
• الأمطار الغزيرة: التي تُعدّ أساسية لموسم القمح والزيتون.
• الصقيع والثلوج أحيانًا: خاصة في المرتفعات مثل القدس والخليل ونابلس.
• قصر النهار وطول الليل: ما يضفي على الأيام طابعًا هادئًا وثقيلاً.

المربعانية في الذاكرة الشعبية

حضور المربعانية يتجاوز النشرة الجوية، فقد ارتبطت بأمثال شعبية متداولة، مثل:

• “إذا دخلت المربعانية… شدّ الدفا وخبّي القمح”
• “المربعانية يا بتربّع يا بتقبّع”
  في إشارة إلى شدّة بردها وعدم الاستهانة بها.

عادات الناس في التعامل مع المربعانية

رغم قسوتها، طوّر الفلسطينيون عادات خاصة للتعايش معها:

• التدفئة المنزلية: باستخدام الحطب، أو الكانون، أو المدافئ، وما يرافقها من جلسات عائلية دافئة.
• الأطعمة الشتوية: مثل العدس، المجدّرة، الشوربات، السحلب، والزعتر مع الزيت.
• التحضيرات الزراعية: حيث يراقب المزارعون الأمطار ويستبشرون بموسم خير.
• تقليل الحركة ليلًا: خاصة في القرى، تفاديًا للبرد القارس.
• الاهتمام بالفئات الضعيفة: كبار السن والأطفال، في مشهد تضامن اجتماعي متجذّر.

قسوة الطقس… ودفء العلاقات

رغم ما تحمله المربعانية من بردٍ قاسٍ، فإنها تُعيد للبيوت دفئها الإنساني. تكثر الزيارات العائلية، وتطول السهرات، وتُروى الحكايات القديمة حول النار، وكأن الشتاء، في أقسى حالاته، يذكّر الناس بقيمة القرب والمشاركة.

المربعانية في فلسطين ليست مجرد فصل مناخي، بل حالة ثقافية وإنسانية، تختبر قدرة الناس على الصبر، وتُظهر جمال التكاتف في مواجهة البرد. أربعون يومًا قاسية في الطقس… لكنها غنية بالمعنى، وتترك أثرها في الذاكرة عامًا بعد عام.