تلفزيون نابلس
كوكا كولا
أين تولد الكراهية؟ وكيف يرسمها الدماغ البشري؟
12/19/2025 1:11:00 PM

 تبدو الكراهية اليوم أكثر حضورًا من أي وقت مضى، تتسلل إلى نشرات الأخبار، وتفيض في الفضاء الرقمي، وتتحول أحيانًا إلى تهديد صريح بالعنف. ففي مشهد حديث خلال تجمع سياسي في الولايات المتحدة، عبّر أحد المشاركين عن كراهيته لخصومه السياسيين بلغة صادمة، وصلت إلى حد الاستعداد لقتل أحد أفراد عائلته في حال اندلاع صراع داخلي. هذا المثال المتطرف يعيد طرح سؤال قديم متجدد: ما هي الكراهية؟ ومن أين تنبع داخل الدماغ؟

كيف فهم الفلاسفة والعلماء الكراهية؟

لم يكن الاهتمام بالكراهية وليد العصر الحديث. فقد وصفها أرسطو قبل أكثر من ألفي عام بأنها شعور قد ينشأ دون إساءة مباشرة، ويتسم بالقسوة، ولا يزول مع الزمن، بل يسعى إلى إقصاء أو تدمير موضوعه.
أما تشارلز داروين، ففي كتابه التعبير عن الانفعالات لدى الإنسان والحيوان (1872)، رأى أن الكراهية تفتقر إلى تعبير وجهي واضح، وغالبًا ما تتجلى عبر الغضب.

في علم النفس الحديث، تُفهم الكراهية بوصفها حالة انفعالية معقدة، تتجاوز مجرد عدم الإعجاب، وقد تمتزج بالغضب أو الاشمئزاز أو الازدراء، لكنها أكثر عمقًا واستمرارية، وغالبًا ما تقترن برغبة في إلحاق الأذى أو الإقصاء.

متى ولماذا تنشأ الكراهية؟

تشير أبحاث نفسية إلى أن الكراهية تظهر عادة عندما يُنظر إلى الآخر على أنه يشكّل تهديدًا أخلاقيًا أو وجوديًا. ولهذا السبب، يلجأ الخطاب السياسي كثيرًا إلى شيطنة الخصوم، مستخدمًا أوصافًا أخلاقية سلبية لتحفيز مشاعر الكراهية الجماعية.

وقد أظهرت الدراسات أن الكراهية تُحدث مستويات أعلى من الإثارة العاطفية والشعور بالتهديد، مقارنة بالغضب أو الازدراء أو الاشمئزاز، كما أنها أطول عمرًا وأكثر رسوخًا. ولا تقتصر الكراهية على الأفراد، بل يمكن أن تنشأ بين جماعات كاملة، خصوصًا على أسس أيديولوجية أو سياسية، حتى دون وجود صراع شخصي مباشر.

ما علاقة الكراهية بالاشمئزاز؟

تُظهر الأبحاث النفسية تقاطعًا كبيرًا بين الكراهية والاشمئزاز. ففي تجارب مقارنة، لم تختلف الكراهية كثيرًا عن الاشمئزاز من حيث الشدة أو المدة، وهو ما يفسر استخدام كثيرين لغة “الاشمئزاز” عند وصف مشاعر كراهية عميقة تجاه الآخرين.

أين تعيش الكراهية في الدماغ؟

في محاولة لفهم الأساس العصبي للكراهية، استخدم علماء الأعصاب التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) لدراسة نشاط الدماغ لدى أشخاص شاهدوا صورًا لأفراد يكرهونهم، مقارنة بأشخاص لا يكنّون لهم مشاعر خاصة.

كشفت النتائج عن نمط نشاط مميز أُطلق عليه اسم «دائرة الكراهية»، وتشمل ثلاث مناطق رئيسية في الدماغ:

  • القشرة المعزولة (Insula)
  • البُطامة (Putamen)
  • التلفيف الجبهي الأمامي الأيسر العلوي

المثير للاهتمام أن هذه المناطق نفسها تنشط أيضًا عند رؤية شخص محبوب سابقًا انتهت العلاقة به مؤخرًا، ما يشير إلى تشابك عصبي بين الحب المفقود والكراهية.

الكراهية أم الغضب؟ ما الفرق؟

يفرق علماء النفس بين الكراهية والغضب من حيث الطبيعة والهدف:

  • الغضب يرتبط بسلوك محدد؛ أنت غاضب مما فعله شخص ما، وغالبًا تسعى لتغييره أو الحصول على اعتذار.
  • الكراهية تتعلق بالهوية ذاتها؛ أنت تكره الشخص لما هو عليه، لا لما فعله فقط.

وعندما يتكرر الغضب دون تغيير، قد يتحول إلى ازدراء، وهو شعور أكثر برودة، يتسم بالابتعاد النفسي والنظر إلى الآخر باعتباره غير جدير حتى بالغضب.

الاحتقار أم الكراهية: أيهما أقسى؟

يرى بعض الباحثين أن الاحتقار هو النسخة الباردة من الكراهية، شعور يقوم على نفي القيمة الإنسانية للآخر. وفي حين تدفعك الكراهية إلى التفاعل والرغبة في الإقصاء، يدفعك الاحتقار إلى التجاهل التام، وهو ما يجعله في نظر البعض أكثر قسوة على المتلقي.

هل للكراهية بصمة جسدية؟

على عكس الغضب، لا تمتلك الكراهية نمطًا فسيولوجيًا واضحًا، لأنها شعور طويل الأمد يتشكل تدريجيًا. ومع ذلك، تُظهر الدراسات أن أنماط الإثارة الجسدية والعصبية للكراهية والغضب متقاربة إلى حد بعيد.

هل يمكن فهم الكراهية للحد منها؟

يأمل العلماء أن تسهم هذه الأبحاث في تفكيك جذور الكراهية وفهم آلياتها العصبية والنفسية، تمهيدًا لتطوير استراتيجيات تقلل من النزاعات المدمرة بين الأفراد والجماعات. ففهم الكراهية، كما يرى الباحثون، ليس تبريرًا لها، بل خطوة أولى نحو كبحها.


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة