تلفزيون نابلس
كوكا كولا
الاعتراف بأرض الصومال… خطوة دبلوماسية أم تمهيد لسيناريو تهجير أهالي غزة؟
12/27/2025 1:18:00 AM

 لا يبدو الاعتراف الإسرائيلي بإقليم أرض الصومال بوصفه «دولة مستقلة ذات سيادة» خطوة دبلوماسية عابرة أو معزولة عن السياق الإقليمي والدولي الراهن، بل يندرج ضمن سلسلة تحركات سياسية تتطلب قراءة أعمق، خصوصاً في ظل الحرب المستمرة على قطاع غزة وما رافقها من نقاشات إسرائيلية علنية ومبطّنة حول مستقبل القطاع وسكانه.

ففي السياسة، نادراً ما تكون القرارات الكبرى بريئة أو مجانية، وغالباً ما تسبقها أو ترافقها حسابات تتجاوز العناوين المعلنة. ومن هذا المنطلق، يثير هذا الاعتراف تساؤلات مشروعة حول ما إذا كان يندرج في إطار ترتيبات أوسع، قد تشمل البحث عن مخارج غير تقليدية لأزمة غزة، من بينها سيناريوهات التهجير أو «إعادة التوطين» خارج فلسطين.

اعتراف خارج الإجماع الدولي

أرض الصومال، التي أعلنت انفصالها عن الصومال عام 1991، لم تحظَ طوال أكثر من ثلاثة عقود بأي اعتراف دولي رسمي. وبالتالي، فإن إقدام إسرائيل على هذه الخطوة يضعها في موقع كاسر للإجماع الدولي القائم على احترام وحدة الأراضي الصومالية، وهو ما يستدعي التساؤل: ما الذي يجعل تل أبيب تُقدم الآن على خطوة بهذا الحجم؟

الإجابة الأقرب تكمن في أن الاعتراف ليس هدفاً بحد ذاته، بل أداة سياسية تُستخدم لفتح مسارات نفوذ وتحالفات في منطقة القرن الإفريقي، ذات الأهمية الجيوستراتيجية البالغة، خصوصاً في ما يتعلق بخليج عدن وباب المندب.

غزة في خلفية المشهد

منذ اندلاع الحرب على غزة، لم تُخفِ دوائر سياسية إسرائيلية متطرفة حديثها عن «الهجرة الطوعية» لسكان القطاع، أو البحث عن «حلول إقليمية» للمأزق الديمغرافي والأمني الذي تمثله غزة بالنسبة لإسرائيل. ورغم التراجع الرسمي عن هذه التصريحات تحت الضغط الدولي، إلا أن الفكرة لم تغب عن النقاشات الداخلية.

غير أن المعضلة الكبرى أمام هذه الطروحات كانت، ولا تزال، غياب الجغرافيا البديلة المقبولة سياسياً. فالدول العربية المجاورة، وفي مقدمتها مصر، رفضت بشكل قاطع أي سيناريو تهجير، كما أن المجتمع الدولي أعلن رفضه المبدئي للنقل القسري للسكان.

في هذا السياق، يبرز التفكير في مناطق بعيدة جغرافياً، ضعيفة سياسياً، وتبحث عن اعتراف دولي، كخيار يُناقَش على طاولات التخطيط، حتى وإن لم يتحول بعد إلى سياسة معلنة.

أرض تبحث عن الشرعية

بالنسبة لسلطات أرض الصومال، فإن أي اعتراف دولي، خصوصاً من دولة تمتلك نفوذاً سياسياً وعلاقات واسعة مع الغرب، يُعد مكسباً استراتيجياً. ومن هنا، قد تتحول العلاقة مع إسرائيل إلى صفقة مصالح متبادلة: اعتراف مقابل أدوار مستقبلية، سواء كانت أمنية، لوجستية، أو حتى ذات طابع إنساني–سكاني، تحت مسميات فضفاضة.

ولا يعني هذا بالضرورة وجود اتفاق معلن أو مكتوب حول تهجير سكان غزة، لكن السياسة كثيراً ما تُبنى على إمكانيات مفتلاحظ لها الطريق اليوم لتُستثمر غداً.

اختبار ردود الفعل الدولية

لا يمكن إغفال أن الاعتراف بأرض الصومال قد يشكل أيضاً اختباراً لردود الفعل الدولية. فمرور هذه الخطوة دون كلفة سياسية حقيقية قد يشجع على خطوات أكثر جرأة، تمس قضايا أشد حساسية، في مقدمتها مستقبل غزة وسكانها.

خلاصة رأي

حتى اللحظة، تبقى أي معلومات حول اتفاق مباشر لتهجير سكان غزة إلى أرض الصومال في إطار التكهنات والتحليلات غير المؤكدة. غير أن خطورة المشهد لا تكمن فقط في ما هو معلن، بل في ما هو قابل للتفكير والتخطيط داخل العقل السياسي الإسرائيلي.

فالاعتراف بأرض الصومال، في هذا التوقيت تحديداً، يبعث برسائل مقلقة مفادها أن إسرائيل لا تكتفي بإدارة الحرب، بل تسعى إلى إعادة هندسة الواقع السياسي والديمغرافي لما بعدها.

وفي ظل تاريخ طويل من فرض الوقائع بالقوة، يصبح من الضروري التعامل مع هذه الخطوة بقدر عالٍ من اليقظة السياسية، لأن ما يبدأ اليوم كتحليل، قد يتحول غداً إلى أمر واقع.

 


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة