
اعداد وتقرير المحامي علي أبو حبله
ليست قضية الأسرى والجرحى وذوي الشهداء ملفًا اجتماعيًا أو ماليًا قابلًا لإعادة التصنيف أو المساومة، بل هي قضية تحرر وطني بامتياز، تشكل أحد أعمدة النضال الفلسطيني، وترتبط جوهريًا بطبيعة الصراع مع الاحتلال، وبالحقوق الثابتة التي أقرّتها القوانين الوطنية والمواثيق الدولية ذات الصلة.
فالأسرى والشهداء والجرحى لم يكونوا يومًا “حالات اجتماعية”، بل هم نتاج مباشر لمواجهة سياسية وقانونية وعسكرية مع قوة احتلال، وهو ما يجعل التعامل مع قضيتهم خارج هذا السياق مساسًا بالجوهر الوطني للصراع، ومحاولة خطيرة لتفريغه من مضمونه التحرري.
المرجعية الوطنية والقانونية للقضية
تستند قضية الأسرى والشهداء إلى مرجعية وطنية واضحة، تتمثل في قرارات منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وإلى منظومة تشريعية فلسطينية أقرت حقوقهم باعتبارهم مناضلين في سبيل الحرية والاستقلال.
كما تستند إلى قواعد القانون الدولي الإنساني، ولا سيما اتفاقيات جنيف، التي تُقرّ بحق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال في مقاومة الاحتلال، وتكفل الحماية للأسرى والمعتقلين والضحايا المدنيين.
وبناءً على ذلك، فإن أي إجراء أو سياسة أو قرار يمسّ بهذه الحقوق، أو يعيد تعريفها بمعايير إدارية أو مالية ضيقة، يُعدّ انحرافًا عن الإطار القانوني والوطني الناظم لهذه القضية.
خطورة المقاربة الإدارية لقضية وطنية
إن أخطر ما يواجه قضية الأسرى والشهداء اليوم، هو محاولات نزع بعدها السياسي والوطني، والتعامل معها كملف خدماتي يخضع لمعادلات “الاستحقاق” و”الحاجة”، متجاهلًا أن هذه الحقوق ليست منحة، بل حق مكتسب ناتج عن فعل نضالي مشروع.
هذه المقاربة لا تُضعف فقط مكانة الأسرى والشهداء في الوعي الجمعي، بل تفتح الباب أمام إعادة صياغة الرواية الفلسطينية نفسها، بما يتماهى مع الرواية الإسرائيلية التي تسعى إلى تجريم النضال الوطني، وتحويل الضحية إلى متهم.
بين الضغوط الخارجية والواجب الوطني
لا يمكن إنكار حجم الضغوط السياسية والاقتصادية التي تتعرض لها السلطة الوطنية الفلسطينية، سواء من الاحتلال أو من أطراف دولية، لكن الاستجابة لهذه الضغوط يجب أن تبقى ضمن حدود لا تمسّ الثوابت الوطنية.
المواءمة المطلوبة ليست مواءمة على حساب الحقوق، بل مواءمة ذكية ومسؤولة، تقوم على:
الحفاظ الكامل على الحقوق المادية والمعنوية للأسرى والشهداء والجرحى.
إيجاد صيغ إدارية ومالية لا تمسّ جوهر الحق ولا رمزيته الوطنية.
التمسك بالمرجعية الوطنية في اتخاذ القرار، وعدم تفويض هذا الملف الحساس لأي جهة بمعزل عن الإطار الوطني الجامع.
قضية وحدة وطنية لا مجال للعبث بها
إن العبث بقضية الأسرى والشهداء لا يهدد فقط السلم الاجتماعي، بل يضرب أحد أهم عناصر التماسك الوطني، ويخلق شرخًا عميقًا بين الشعب ومؤسساته، ويُضعف الثقة بالقيادة السياسية في مرحلة هي بأمسّ الحاجة إلى الوحدة والانسجام الداخلي.
فالتاريخ الفلسطيني علّمنا أن الأمم التي تفرّط بتضحيات مناضليها، تفقد بوصلتها السياسية والأخلاقية، وأن أي مشروع وطني لا يضع الأسرى والشهداء في قلبه، هو مشروع قابل للانكسار أمام أول اختبار حقيقي.
الخلاصة
قضية الأسرى والشهداء ليست ملفًا قابلًا للتدوير أو التجزئة أو إعادة التوصيف، بل هي عنوان من عناوين التحرر الوطني، وميزان لصدق الالتزام بالمشروع الوطني الفلسطيني.
المطلوب اليوم هو إعادة تثبيت هذه القضية في إطارها الوطني والقانوني الصحيح، وتوحيد الجهود لإيجاد حلول خلاقة تحمي الحقوق، وتواجه الضغوط، دون التفريط بالثوابت أو المساس بكرامة من قدّموا أعمارهم وأجسادهم من أجل فلسطين.
فالأسرى والشهداء ليسوا عبئًا على الوطن، بل هم سبب وجوده ومعنى صموده.
أخبار اسرائيلية
أخبار فلسطينية
أخبار اسرائيلية
أخبار الاقتصاد
أخبار محلية
|
تصميم وتطوير: ماسترويب 2016 |