تلفزيون نابلس
كوكا كولا
الشاعر طارق محمود… ذاكرة عنبتا التي تنبض شعراً
12/17/2025 1:38:00 PM

بقلم الصحفية: رهف وهدان - في زقاق قديم تفوح منه رائحة الكتب والحبر، وبين جدران غرفة يغمرها دفء الكلمات، جلس الشاعر " طارق عبد الكريم محمود" ابو طريف ابن بلدة عنبتا شرق مدينة طولكرم، وهو رجلٌ في الثمانينات من عمره، يطالع دفتراً قديماً كأنما يعيد قراءة عمرٍ مضى.

عيناكَ لا تحتاجان الكثير لتلاحظا تلك الهيبة التي ترافق صوته حين يتحدث، ولا الحنين الذي يسكن ملامحه حين يذكر أول قصيدة كتبها وهو على مقاعد الدراسة.

بين دفاتر الطلاب ودفاتر الشعر، صنع أبو طريف عالماً خاصاً، جمع فيه بين الحرف والموقف، بين التعليم والكتابة، ليكون مع الوقت شاهداً على جيلين تغيّرا، وهو ثابت هناك، بين القصائد والذكريات، يقول بصوته الهادئ:

“بدايتي مع الكتابة كانت من شدة حبي للقراءة، كنت أترك كتبي المدرسية وألجأ لقصص الشعراء، وكنت أقلّدهم فأفشل”

نشأ الشاعر طارق في عائلة يغمرها الشعر؛ فجده الشيخ محمود عبد الحليم كان شاعرًا كبيرًا في زمن الأتراك، وعمه الشاعر عبد الرحيم محمود كان له الأثر الأكبر في شغفه يعيش بين أجواء القصيدة، فيقول:

“طفولتي كانت كأي طفل، لكن البيت الذي نشأت فيه كان بيت شعراء، وهذا وحده كان كافياً ليأخذ بيدي نحو الطريق”

يروي لحظة لا ينساها، لحظة صعوده المنصة لأول مرة وهو طالب في دار المعلمين في بيت حنينا بأوائل الستينات، يوم ودّع مديره ذوقان الهنداوي الذي انتقل ليصبح سفيراً للأردن في مصر. هناك، قرأ أولى قصائده أمام جمع كبير، ومن أبياتها:

“ماذا أقول لكم يا خير إخواني * والشعر أنشده من عمق وجداني

ماذا أقول وهذا اليوم ولهفي * توديع أغلى رجال العلم ذوقان

يا أيها الرجل المعطاء في كرم * ماذا أسجل في شعري وأوزاني”

يبتسم وهو يستعيد الموقف:

“كانت تلك أول قصيدة، يومها شعرت أن الشعر قد تبناني”

تخرج من دار المعلمين وبدأ رحلة خمسين عاماً بين المدارس الحكومية والخاصة معلماً للغة العربية، فيما ظل دوره كشاعر حبيس الليل.

يقول:

“نهاري للطلاب، وليلي للشعر، لا أكتب إلا في السكينة، فالشعر يحتاج روحاً هادئة حتى يبلغ هدفه”

ورغم سنوات طويلة من التجربة، إلا أنه يحمل ألماً واضحاً لما يراه حال الأدب اليوم، فيقول بنبرة حزينة:

“الأدب تراجع، ذهب كبار الشعراء، وصار الشعر اليوم سُلّم يصعد عليه الجميع ويقولون عن أنفسهم شعراء، وهم غير مثقفين”

ويضيف بأسى أكبر:

“اللغة العربية اليوم تندب حظها، أبناؤها "عقوها “ولم يحافظوا عليها، أجيال اليوم ضعيفة جدًا: قواعد، إملاء، قراءة، تعبير، وما زلت أُعطي دروس خصوصي، فأحزن على حال الطلاب”

وعندما يتحدث عن زوجته الراحلة أم طريف، مربية الأجيال في اللغة الإنجليزية، يطأطئ رأسه قليلًا:

“وفاتها أثرت في حياتي الأدبية كلها”

رثاها بقصيدة من 120 بيتًا نُشرت في ديوانه الجديد “قناديل من كلمات”، ثم عاد ورثاها مرة أخرى بقصيدة خاصة بذكرى مرور عام على رحيلها، كان الحديث عنها يكشف هشاشة الشاعر الذي ظل قوياً أمام الكلمات فقط.

فاز عام 2000 بأول جائزة من وزارة الثقافة الفلسطينية، ثم شارك في مسابقة ضمّت 250 قصيدة لشعراء مختلفين، فحصل على المركز التاسع بقصيدته “ماذا أقول” ، وشارك بمسابقة مع "الأستاذ جواد يونس ابو هليل" لأجمل قصيدة عن بلد الشاعر بمشاركة 350 شاعر من أنحاء العالم والقصائد الفائزة جمعت بكتاب تحت عنوان " أجراس العودة" وغيرها الكثير من الجوائز الأخرى.

ويقول بفخر:

“أساتذتي وشعراء كبار دعموني، وكانوا يؤمنون بي”

بعد نصف قرن من التعليم والكتابة، يلخّص الشاعر طارق محمود رسالته قائلاً:

“أريد للتعليم أن يكون في أعلى مستوى، وللوطن أن يتحرر من الواقع المؤلم”

ويختم حديثه وهو يمرر يده فوق ديوان قديم:

“نصيحتي للجيل الجديد من الكُتّاب: أكثروا من القراءة، فهي التي ترفع الكاتب وتثقف عقله”

لم يكن الشاعر طارق عبد الكريم محمود مجرد شاعر، بل أصبح صفحة مضيئة من حكاية الأدب الفلسطينية وله العديد من الكتب المتنوعة اليوم.

 


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة