
إعداد: المحامي علي أبو حبلة
يشكّل المؤتمر العام الثامن لحركة "فتح" محطة سياسية دقيقة وتاريخية، ليس فقط على مستوى إعادة بناء الحركة داخلياً، بل على مستوى موقعها ودورها داخل إطار منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وفي ظل التحولات الجذرية التي فرضتها الحرب على غزة، وتسارع الاستيطان، ومحاولات فرض واقع الضم والتفكيك، يبرز المؤتمر كاختبار لمدى قدرة الحركة على التجديد والانفتاح، بعيداً عن عقلية التعصب التنظيمي أو محاولات الهيمنة داخل مؤسسات المنظمة.
هذا المؤتمر، وفق قراءة موضوعية، ليس ساحة لتثبيت نفوذ طرف أو تعزيز موقع قيادة، بل منبر وطني من المفترض أن يعيد تعريف دور فتح كجزء أساس من الائتلاف الوطني العريض، لا باعتبارها بديلاً عن مؤسسات منظمة التحرير أو إطاراً فوق الكيانات الوطنية الأخرى.
أولاً: السياق الوطني – فلسطين أمام مرحلة أكثر تعقيداً
تعيش الساحة الفلسطينية لحظة فارقة تتطلب تفكيراً جديداً ومقاربة تتجاوز الأطر التقليدية:
غزة تحت القصف والدمار، ومعها تتبدل المعادلات وعناصر القوة والضعف في المجتمع الفلسطيني.
الضفة الغربية تواجه تغولاً استيطانياً غير مسبوق وواقع انفلات المستوطنين.
القدس تتعرض لتهويد ممنهج.
منظمة التحرير تواجه تحديات إعادة تجديد مؤسساتها وضمان التمثيل الحقيقي.
النظام السياسي الفلسطيني يعاني من غياب المساءلة، وتراجع الثقة الشعبية، وحالة استقطاب داخلي.
في ظل هذه التحديات، يصبح نجاح مؤتمر فتح الثامن مصلحة وطنية وليس مجرد استحقاق تنظيمي.
ثانياً: فتح ودورها داخل المشروع الوطني – ضرورة الفصل بين الحركة والمنظمة
تاريخياً، لعبت حركة فتح دور العمود الفقري في منظمة التحرير، لكنها لم تكن يوماً بديلاً عنها.
وفي المرحلة الراهنة، يبرز ضرورة التأكيد على:
منظمة التحرير هي المظلة الوطنية الجامعة.
حركة فتح أحد أهم مكونات هذه المظلة، وليست الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني.
تعزيز الائتلاف الوطني داخل المنظمة، لا تفكيكه أو إضعافه.
رفض أي توجه يُعيد إنتاج "المركزية الفصائلية" أو يتجاهل مكونات العمل الوطني الأخرى.
هذا التوازن هو شرط أساسي لبناء وحدة وطنية حقيقية، ولإعادة الاعتبار لمفهوم الشراكة داخل النظام السياسي.
ثالثاً: الحاجة الملحة للتغيير داخل الحركة
إن حالة الترهل والبُطء، وتآكل مؤسسات الحركة، وغياب آليات الرقابة والمساءلة، جعلت إعادة البناء ضرورة وطنية قبل أن تكون تنظيميّة.
أولويات الإصلاح المطلوب:
1. تجديد الشرعية الداخلية عبر انتخابات شفافة وديمقراطية حقيقية.
2. تجديد الرؤية السياسية لتلائم المتغيرات في غزة والضفة والقدس.
3. إعادة تفعيل الأطر التنظيمية من القاعدة حتى اللجنة المركزية.
4. إعادة الاعتبار للمؤسسات على حساب التفرد والشخصنة.
5. تجديد الدماء من خلال تمازج الأجيال، واستعادة دور الكادر التاريخي والقاعدي.
6. إنهاء ثقافة الهيمنة والاستحواذ داخل الحركة ومؤسسات المنظمة.
رابعاً: القوى الداخلية في فتح – قراءة موضوعية
تعاني الحركة اليوم من تشرذم داخلي واضح تجلّى في:
تيار يميل إلى المحافظة على الوضع القائم (Status Quo).
تيار إصلاحي يدعو لتغيير جذري في القيادة والمنهج.
تيار ثالث يسعى لخلق توازن داخلي يضمن الوحدة.
قوى شبابية مقصاة رغم حضورها الميداني.
كفاءات تنظيمية وجماهيرية تم تهميشها بفعل المحاصصة.
ويبرز بين هذه التيارات اسم القائد الأسير مروان البرغوثي كأحد أبرز الرموز القادرة على تشكيل نقطة التقاء وطني، لما يتمتع به من شرعية نضالية ومحبة جماهيرية عابرة للفصائل والمناطق. تجاهل هذا الوزن الوطني في أي عملية تجديد أو بناء سيُفقد المؤتمر أحد أهم عناصر قوته
خامساً: سيناريوهات المؤتمر الثامن
السيناريو الأول: الإصلاح الحقيقي
ويقود إلى:
وحدة داخلية.
برنامج وطني موحد.
تعزيز موقع الحركة داخل منظمة التحرير.
استعادة ثقة الشارع.
إنهاء حالة الترهل وإعادة إنتاج الحركة كقوة تحرر وطني.
السيناريو الثاني: استنساخ الماضي
وينتج عنه:
تكريس الأزمة الداخلية.
تعزيز الهيمنة والاصطفاف.
تراجع تأثير الحركة داخل المنظمة.
خسارة دورها التاريخي كقائدة للمشروع الوطني.
السيناريو الثالث: انفجار داخلي مُدار
تتعزز فيه حالة الانقسام بين التيارات، بما يخلق حالة شلل تنظيمي تؤثر سلباً على المنظمة والمشروع الوطني بأكمله.
سادساً: توصيات لضمان نجاح المؤتمر
1. التأكيد على أن منظمة التحرير هي المرجعية العليا، وفتح جزء من ائتلافها وليس بديلاً عنها.
2. انتخاب قيادة تعبّر عن توازن التيارات داخل الحركة، لا قيادة محاصصة أو استحواذ.
3. إدراج رؤية سياسية جديدة تُعيد تعريف العلاقة مع الاحتلال والاستيطان وإدارة الصراع.
4. تفعيل المحاسبة والرقابة داخل الهيئات التنظيمية.
5. إطلاق برنامج وطني داخلي جامع يستند إلى الشراكة والديمقراطية.
6. إعادة الاعتبار للكادر الأسير، وفي مقدمته مروان البرغوثي، كركيزة لوحدة الحركة والمنظمة.
7. ربط تجديد الحركة بتجديد منظمة التحرير وإعادة بنائها على قاعدة شراكة وطنية شاملة.
الخلاصة
المؤتمر الثامن لحركة فتح ليس محطة تنظيمية عادية، بل اختبار تاريخي لقدرة الحركة على التحول من عبء سياسي إلى رافعة وطنية، ومن حالة الترهل إلى قوة تحرر فاعلة.
نجاح المؤتمر مرهون بمدى القدرة على تجاوز عقلية الإقصاء والاستحواذ، واستبدالها بثقافة الشراكة، والانفتاح على التيارات الداخلية، والالتزام بالدور الطبيعي للحركة كأحد أعمدة المشروع الوطني الفلسطيني، لا بديلاً عنه.
إن مستقبل الحركة، ومستقبل المشروع الوطني، مرتبطان بمدى قدرة فتح على قراءة اللحظة، والاستجابة لمتطلبات الشعب الفلسطيني، وتحصين النظام السياسي من خلال دمقرطة الحركة، وتجديد علاقتها بمنظمة التحرير على أسس وطنية سليمة.
|
تصميم وتطوير: ماسترويب 2016 |