
يقدّر الجيش الإسرائيلي أن الإدارة الأميركية ستحتاج "من أسابيع إلى بضعة أشهر" لاتخاذ قرار بشأن تشكيل القوة المتعددة الجنسيات، والتي يُنظر إليها كشرط ضروري لإنطلاق المرحلة الثانية من خطة الرئيس دونالد ترامب بشأن قطاع غزة.
وخلال ذلك، يناقش خبراء قانونيون من الأمم المتحدة مع قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي (سنتكوم) صلاحيات القوة، في حين تنشغل فرق العمل في كريات غات بتجهيز "الأرضية الميدانية" لاستيعابها بسرعة.
وتجتمع يوميًّا ستة فرق تخطيط في الطابق الثالث والأخير من مقرّ التنسيق الأميركي في كريات غات، بمشاركة ممثلين عن 21 دولة، لبحث مستقبل قطاع غزة وشكل القوة الدولية المقترحة وانتشارها ومهامها في المرحلة المقبلة.
وأشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى أن النقاشات داخل المقر تشمل تفاصيل دقيقة تبدأ من اسم القوة والجهة التي ستمنحها التفويض، مرورًا بطبيعة تسليحها ومناطق انتشارها داخل القطاع، وصولاً إلى كيفية منع "نيران صديقة" بينها وبين قوات الجيش الإسرائيلي، واختيار أجهزة الاتصال الخاصة التي سيستخدمها الجنود الأجانب عند انتشارهم في غزة.
وأضافت أن المخططين يبحثون كذلك في شكل الدوريات الميدانية وتوزيع المسؤوليات، بما في ذلك المهام الأكثر حساسية، مثل كشف ما تبقّى من أنفاق داخل القطاع وتدميرها، وجمع السلاح "بالتراضي أو بالقوة" من عشرات آلاف العناصر المسلّحة في القطاع.
ووفق المعلومات التي أوردتها الصحيفة، فإن الاتجاه السائد في هذه النقاشات هو أن تكون القاعدة الرئيسة للقوة الدولية داخل قطاع غزة نفسه، لا في الأراضي الإسرائيلية، خلافًا لتقارير سابقة تحدثت عن تمركزها في إسرائيل.
وأشارت إلى أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تصرّ على هذا المبدأ، فيما ستؤخذ في الحسبان مخاوف الدول المشاركة، ولا سيّما الإسلامية منها، بشأن سلامة جنودها.
وخلال الأسبوع الأخير، سمح الأميركيون بدخول وسائل الإعلام إلى المقر للمرة الأولى، في محاولة لتحويل ما يوصف حتى الآن بـ"عمل نظري" إلى مسار واضح، على أمل أن تترجم التصورات إلى خطوات عملية على الأرض.
ويعمل في هذا المجمع العشرات من المختصين والخبراء، بعضهم من دول مثل مصر والإمارات وبريطانيا ونيوزيلندا، ويستندون إلى قرار مجلس الأمن رقم 2803 الذي تبنّاه المجلس مؤخرًا، والذي يُنظر إليه في المقر كخطوة تدفع باتجاه "حكم جديد في غزة من دون حماس".
ولفت التقرير إلى أن ممثّلي السلطة الفلسطينية لا يشاركون في هذه المداولات، وكذلك لا يوجد تمثيل رسمي لتركيا أو قطر في المقر، غير أن "ظلّهما حاضر" في معظم النقاشات؛ إذ يُفترض أن يأتي "المال الكبير والدعم المركزي لإعادة إعمار غزة" من العاصمتين اللتين لعبتا دورًا أساسيًا في الوصول إلى وقف إطلاق النار، أنقرة والدوحة. فيما يحذّر الجيش الإسرائيلي، وفق التقرير، من تعاظم دور تركيا وقطر
واستعرض التقرير آليات تنسيق وصفها بـ"ألفعّالة" ميدانيًا. فبالرغم من عدم وجود ضباط ارتباط رسميين، يجري تنسيق تكتيكي يسمح، مثلاً، بخروج مجموعات من عناصر حماس، بينهم مسلحون، بين حين وآخر إلى "الجانب الإسرائيلي من الخط الأصفر" للبحث عن جثث أسرى، دون أن يتم استهدافهم من قبل قوات الاحتلال، بفضل هذا التنسيق المسبق.
وأشار التقرير إلى أن ضباطًا من شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) يقومون بتقديم تقارير يومية للضباط الأجانب حول "كيفية عمل حماس كتنظيم عسكري". وتشمل هذه العروض صورًا ومواد تشرح "شكل الأنفاق من الداخل"، والفترات الزمنية التي تستغرقها الحركة لـ"بناء فتحة جديدة أو ترميم نفق قُصف".
هذا بالإضافة إلى تفصيل "هيكلية" فصائل المقاومة، وأنواع الأسلحة التي تستخدمها وأنماط الهجمات التي تنفّذها، خصوصًا تلك التي تجمع بين حرب العصابات والصواريخ المضادة للدروع والقنص، والتي استخدمتها حركة حماس على نطاق واسع ضد قوات الجيش الإسرائيلي خلال العام الأخير.
وبحسب "يديعوت أحرونوت"، فإن الهدف من هذا الجهد هو ضمان ألا تتفاجأ القوة الدولية "في أول احتكاك لها مع مقاتلي حماس"، وذلك بعد خضوع عناصرها لتدريبات في قواعد خاصة في الأردن ومصر، "ربما إلى جانب شرطيين فلسطينيين سيجري إعدادهم لمهام مشابهة بالتوازي".
وتنقل الصحيفة عن مصادر عسكرية قولها إنه "لا يوجد نموذج شبيه لقوة متعددة الجنسيات من هذا النوع في العالم"، وأن جهات إسرائيلية حاولت دراسة تجارب سابقة "خاصة لفهم ما لا يجب فعله"، في مقابل الرغبة في أن تكون القوة المزمعة في غزة "ذات طابع مختلف تمامًا".
وذكرت أن مهمة إقامة القوة أوكلت إلى وحدة مختصة بالقوات الخاصة في القيادة المركزية الأميركية، وأن الجنود الذين سيشاركون فيها لن يكونوا مشابهين لمراقبي "أندوف" في الجولان السوري أو "يونيفيل" في جنوب لبنان.
ولفتت الصحيفة إلى أن "يونيفيل" تذكر في هذه النقاشات "كنموذج سلبي"؛ إذ يرى الجيش الإسرائيلي أن فشل القوة في جنوب لبنان، ولا سيّما في العامين الأخيرين، يتمثل في "نجاح حزب الله في ترهيب جنود القبعات الزرقاء" ومنعهم من دخول مناطق خاصة لرصد تعاظم قدراته العسكرية قرب الحدود.
وبحسب التقرير، يشدد مسؤولون إسرائيليون على أن سيناريو من هذا النوع "لن يُسمح بحدوثه" في مناطق مثل دير البلح أو خانيونس بعد استكمال انسحاب الجيش الإسرائيلي من "الخط الأصفر" في إطار المرحلة الثانية من الخطة.
وفي موازاة ذلك، تعمل مجموعة أخرى على ملف "إدارة المساعدات الإنسانية". فمع أن الأميركيين أعلنوا مؤخرًا تولّيهم مسؤولية تنسيق المساعدات إلى غزة، إلا أن الصحيفة تؤكد أن "التحكم الفعلي" بالمساعدات ما زال بيد إسرائيل، سواء عبر تفتيش الشاحنات في المعابر أو من خلال القرار في "القضايا الحساسة"، مثل استمرار حظر إدخال المواد ذات الاستخدام المزدوج كالإسمنت والحديد، الضروريين لإعادة بناء عشرات آلاف المنازل المدمرة، لكنهما يُعتبران أيضًا مواد يمكن أن تُستخدم مجددًا في حفر الأنفاق.
وأشار التقرير إلى هذه السياسة نموذجًا لكيفية "تسويق" العملية للجمهور داخل إسرائيل، إذ تُظهر إسرائيل نفسها كجهة "تُدخل المساعدات إلى غزة وبالتالي إلى حماس"، بينما تعرض الولايات المتحدة نفسها على أنها صاحبة المسؤولية المباشرة عن هذا المسار.
ووصف التقرير هذا التصوّر كأنه يقوم على فكرة أن "الولايات المتحدة وترامب يسيطران الآن على غزة، وكل شيء سيكون ظاهريًا تحت مسؤوليتهم أو على عاتقهم"، على أمل أن يؤدي ذلك إلى "تدمير حماس وضمان الهدوء لسكان الجنوب"، وفق التعبير الوارد في التقرير.
وفي الأثناء، تركز مجموعة أخرى على "المدى البعيد" وتناقش شكل منظومة التعليم في غزة، وما سيتعلمه الأطفال في المدارس ورياض الأطفال، إضافة إلى أسس "تأهيل الأئمة في المساجد" على أمل ألا تشهد غزة في المستقبل "تحريضًا من مكبرات الصوت" في المساجد. ويأخذ هذا النقاش في الاعتبار المعطى الديموغرافي بأن قطاع غزة سيزداد في السنوات المقبلة بنحو 50 ألف فلسطيني سنويًا، وفق ما يورده التقرير.
وأفادت "يديعوت أحرونوت" بأن نحو 150 جنديًا من الجيش الإسرائيلي يخدمون بالفعل ضمن هذا "الآلية الدولية" تحت القيادة الأميركية، بهدف "الحفاظ على المصالح الأمنية الإسرائيلية" في مختلف النقاشات. وقد عُيِّن ضباط عمليات وعقيد وعميد من جانب الجيش الإسرائيلي لهذا المسار، وأفاد التقرير بأن انطباعات بعضهم عن العمل مع الشركاء الدوليين "إيجابية".
وفي الخلاصة، أشار التقرير إلى أن الرأي الغالب في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية هو أن مستقبل غزة سيتجه، في كل الأحوال، نحو "حكم فلسطيني محلي" يخضع لـ"رقابة وتدخل ومساعدة دولية مؤقتة"، مع الإقرار بأن هذا "المؤقت" قد يتحوّل في مرحلة لاحقة إلى واقع دائم.
أخبار اسرائيلية
أخبار الاقتصاد
أخبار فلسطينية
أخبار فلسطينية
مقالات وتقارير
|
تصميم وتطوير: ماسترويب 2016 |