
قرار مجلس الأمن 2803: إسرائيل تحتفل بالنص وتراهن على الالتفاف لتحقيق مصالحها
إعداد المحامي علي أبو حبلة
أولاً: هامش المناورة الإسرائيلي
رغم ما يوحي به القرار من التزام دولي لإنهاء العمليات القتالية وإرساء استقرار نسبي، تكشف الممارسات الإسرائيلية على الأرض العكس تمامًا. فمنذ بدء سريان وقف النار، سجلت أكثر من 400 خرق، تضمنت عمليات عسكرية في الشجاعية وبيت حانون وخان يونس، مع نسف للمنازل وتوسيع للسيطرة الميدانية، بما يضمن تثبيت "الخط الأصفر" الذي يمثل مناطق النفوذ المباشر لإسرائيل.
القرار إذًا ليس سوى امتداد لمسار تاريخي يُستبدل فيه أدوات السيطرة دون أن تتغير الغايات: إعادة إنتاج الهيمنة عبر قنوات "شرعية"، وتغليف القوة العسكرية بزخارف القانون الدولي، ما يحافظ على القدرة على التدخل متى شاءت إسرائيل.
ثانيًا: الاحتفال بالنص والرهان على الالتفاف
تل أبيب تروج للقرار كمكسب استراتيجي: وجود قوة حفظ استقرار دولية تعمل بالتنسيق معها، نزع سلاح غزة، ولجنة فلسطينية مهنية قابلة للتوجيه. لكن هذا الاحتفال يخفي إدراكها أن التنفيذ الفعلي للنص ليس مضمونًا، وأن أي قوة دولية ستواجه صعوبات مشابهة أو أصعب من تجارب اليونيفيل وقوات الطوارئ السابقة.
المهم لإسرائيل ليس الالتزام بالنص، بل ضمان ألا يُستخدم ضدها، عبر "رسائل جانبية" من الولايات المتحدة تحدد النقاط الغامضة لصالحها، وتضمن تفسير القرار وفق مصالحها طويلة المدى، خصوصًا في ما يتعلق بالحكم المحلي وتركيبة اللجنة الفلسطينية المهنية.
ثالثًا: آليات الالتفاف والتحكم الإسرائيلي
تتعامل إسرائيل مع القرار عبر أربع قنوات رئيسية:
1. التنسيق مع القوة الدولية: حيث تعمل القوة بالتنسيق معها ومع مصر، وليست خاضعة للأمم المتحدة إلا شكليًا، ما يمنحها حق الفيتو غير المعلن على أي قرار ميداني.
2. الحكم المدني الغامض: يسمح الغموض في مصطلح "سلطة الحوكمة للمرحلة الانتقالية" بفرض ضغوط على تركيبة اللجنة الفلسطينية المهنية، وتحجيم قدرة أي عنصر مقاوم على التأثير.
3. التمويل غير الأممي: عبر تبرعات الدول وبمساعدة البنك الدولي، ما يقلص قدرة الأمم المتحدة على الرقابة ويزيد النفوذ الإسرائيلي.
4. الحق في التدخل العسكري: يضمن القرار من خلال رسائل جانبية حق إسرائيل بالتدخل بذريعة "خرق القرار"، ما يمنحها رخصة شبه دائمة للعمليات العسكرية.
رابعًا: المكاسب والهواجس الإسرائيلية
ترى إسرائيل أن القرار يحقق أهدافًا مباشرة: تكريس نزع سلاح غزة، شرعنة وجود قوة دولية متعاونة، ومنع الأمم المتحدة من لعب دور إشرافي مباشر.
لكن المخاوف الإسرائيلية تتمثل في:
احتمال ضم عناصر في اللجنة الفلسطينية لا تنسجم مع رؤيتها.
الغموض في توزيع الصلاحيات بين مجلس السلام والقوة الدولية واللجنة الفلسطينية، ما قد يفتح الباب لتوازن قوى غير مرغوب فيه.
إمكانية استخدام القرار مستقبلًا كأساس قانوني لمسار سياسي مستقل، وهو سيناريو تعتبره المؤسسة الأمنية تهديدًا استراتيجيًا بعيد المدى.
خامسًا: القرار كأداة لإعادة إنتاج الهيمنة
قرار 2803 يعكس ميزان القوة الدولي أكثر من كونه أداة لتطبيق القانون الدولي. فحين تكون الجهة الأقوى مدعومة من القوة الكبرى في النظام الدولي، يصبح القرار وسيلة لتثبيت الهيمنة، لا لإنهاء العنف أو تعزيز الحكم المحلي الفلسطيني.
ما يراهن عليه الاحتلال ليس تنفيذ القرار كما صوّت مجلس الأمن، بل نسخته الخاصة منه: استقرار فوق الركام، شرعية دولية مقننة، وتوسيع للنفوذ الميداني دون أي إنتاج فعلي لاستقلال أو سيادة فلسطينية.
سادسًا: قراءة استراتيجية للمستقبل
تعرف إسرائيل أن التحدي الحقيقي ليس في إدارة العلاقات مع الإدارة الأميركية الحالية، بل في المستقبل بعد أي تغيير سياسي محتمل في واشنطن. لذلك، تهدف إلى تثبيت تفسيرها للقرار الآن، وضمان رسائل مكتوبة تؤمن لها حرية الحركة، ما يتيح لها التحرك وفق مصالحها حتى لو تغيرت الظروف السياسية الدولية.
الرسالة واضحة: القرار الدولي قد يكون قانونيًا على الورق، لكنه عمليًا منصة لإضفاء الشرعية على الهيمنة الإسرائيلية، ولا يمثل فرصة حقيقية لتحقيق استقلال أو سيادة فلسطينية في غزة والضفة الغربية والقدس أو حتى تحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
أخبار اسرائيلية
أخبار فلسطينية
أخبار اسرائيلية
مقالات وتقارير
أخبار الاقتصاد
|
تصميم وتطوير: ماسترويب 2016 |