تلفزيون نابلس
كوكا كولا
التعديل الأخير لقانون انتخابات الهيئات المحلية: مخالفة دستورية تمس جوهر القانون الأساسي الفلسطيني وإقحام غير مشروع للسياسة في مؤسسات خدماتية
11/21/2025 9:19:00 PM

بقلم: المحامي علي أبو حبلة - رئيس تحرير صحيفة صوت العروبة

مقدمة

شهدت الساحة الفلسطينية جدلًا واسعًا عقب صدور التعديل الأخير على قانون انتخابات الهيئات المحلية، والذي تضمّن اشتراطات جديدة ذات طابع سياسي لمرشحي المجالس البلدية والمحلية. هذا التعديل، الذي جاء بمرسوم في ظل غياب المجلس التشريعي، أثار تساؤلات قانونية ودستورية عميقة حول مدى توافقه مع القانون الأساسي الفلسطيني، وحدود السلطة التنفيذية في إصدار القوانين، ومشروعية إدخال معايير سياسية على مؤسسات يُفترض أن تبقى خدماتية بحتة.

ويكتسب هذا النقاش أهمية مضاعفة في ظل ما يتردد من دعوات دولية نحو “إصلاح منظومة الحكم”، وهي دعوات لا يجوز بأي حال أن تُساق باتجاه المساس بالقانون الأساسي الفلسطيني أو تغيير وظائف المؤسسات العامة خارج إطار الشرعية الشعبية.

أولاً: التعديل الأخير… مساس غير دستوري بالحقوق السياسية

إن إدخال اشتراطات سياسية على الترشح لهيئات محلية ذات طابع خدماتي يمثل تعارضًا صريحًا مع أحكام القانون الأساسي الفلسطيني، خاصة فيما يتعلق بالحقوق السياسية والمساواة بين المواطنين.

فالقانون الأساسي نصّ في:

المادة (9) على المساواة أمام القانون دون تمييز.

المادة (26) على حق المواطنين في الترشح والانتخاب دون قيود غير مبررة.

المادة (10) على احترام الحقوق والحريات الأساسية.

وبناءً على ذلك، فإن فرض شروط سياسية على مرشحي الهيئات المحلية يشكل قيودًا غير مستندة إلى مبررات دستورية، ويمس جوهر الحقوق السياسية ويحد من المشاركة الشعبية.

ثانيًا: مخالفة واضحة لاختصاصات المجالس المحلية ولفلسفة الحكم المحلي

ينص قانون الهيئات المحلية رقم 1 لسنة 1997 بوضوح على أن البلديات والمجالس المحلية مؤسسات خدماتية وتنموية تُعنى بشروط الحياة اليومية، مثل:

البنية التحتية، التنظيم العمراني، الصحة والبيئة، الخدمات الأساسية.

ولا يتضمن القانون أي نص يشير إلى وظائف سياسية أو حزبية لهذه الهيئات.

وبالتالي، فإن إدخال اشتراط سياسي على مؤسسة خدماتية يشكل تجاوزًا للقانون وتغييرًا لطبيعتها القانونية خارج أي سند دستوري.

إن تسييس البلديات يفتح الباب أمام تحوّلها إلى ساحة تجاذب سياسي بدلًا من كونها أداة لتقديم الخدمات، وهو ما يهدد كفاءة البلديات ووحدتها، ويجعلها عرضة للاستغلال الخارجي، خصوصًا في سياق المخططات الإسرائيلية الرامية إلى تفريغ المؤسسات الوطنية من مضمونها.

ثالثًا: الإصلاح السياسي لا يجوز أن يمس القانون الأساسي

تؤكد التجارب الدستورية المقارنة أن “الإصلاح السياسي” لا يعني إلغاء أو تحوير العقد الدستوري للشعب، بل تطوير أداء المؤسسات ضمن الإطار ذاته.

ومع تصاعد الضغوط والإملاءات الخارجية تحت شعار "الإصلاح"، فإن حماية القانون الأساسي من أي تعديل غير شرعي تصبح ضرورة وطنية.

إن القانون الأساسي الفلسطيني يحمل صفة الدستور، ولا يجوز تعديله إلا:

عبر مجلس تشريعي منتخب، أو عبر آلية دستورية تحظى بموافقة الشعب، أو من خلال توافق وطني واسع يمثل الإرادة الشعبية.

وأي محاولة لفرض تعديلات أو اشتراطات بحجة الإصلاح، دون شرعية شعبية، تعدّ مساسًا بالسيادة الوطنية وبالعقد الاجتماعي الفلسطيني.

رابعًا: مخرجات التعديلات بمرسوم… بين الضرورة والانحراف التشريعي

تمنح المادة (43) من القانون الأساسي السلطة التنفيذية صلاحية إصدار مراسيم لها قوة القانون، لكن وفق شرط مركزي:

وجود حالة ضرورة لا تحتمل التأخير، وأن لا تتعارض المراسيم مع القانون الأساسي.

وعليه، فإن التعديل الأخير:

1. لم يثبت وجود ضرورة ملحة تبرر تمريره بمرسوم.

2. تناقض مع مواد القانون الأساسي المتعلقة بالحقوق الأساسية.

3. غير مرتبط بوظيفة الهيئات المحلية ولا بضرورات الحكم المحلي.

وهذا يجعل التعديل مثالًا على “الانحراف التشريعي” أو تجاوز حدود الاختصاص

خامسًا: مقارنات عربية تؤكد حياد الوظيفة الخدماتية للبلديات

الأردن

قانون البلديات الأردني (2015) يحصر وظيفة البلديات بالخدمات، ولا يتضمن أي اشتراط سياسي للترشح.

تونس

قانون الجماعات المحلية (2018) يحدد أن وظيفة البلديات خدماتية وتنموية، ويمنع إدخال متطلبات سياسية على الترشح.

المغرب

القانون التنظيمي للجماعات الترابية يحصر الاختصاصات في الخدمات وإدارة الشأن المحلي، دون اشتراطات سياسية.

مصر

قانون الإدارة المحلية يشترط الأهلية القانونية فقط للترشح، دون أي بعد سياسي أو حزبي.

الدلالة: الدول العربية مجتمعة تعتمد نموذجًا إداريًا واضحًا يميز بين العمل الخدمي والعمل السياسي، وهو ما ينبغي أن يلتزم به التشريع الفلسطيني.

سادسًا: الحاجة إلى مرسوم جديد يعيد الانسجام الدستوري

..استنادًا إلى ما سبق، فإن التعديل الأخير لا يمثل فقط مخالفة قانونية، بل يهدد طبيعة الحكم المحلي ويفتح ثغرات قد تستغلها أطراف خارجية.

من هنا تبدو الضرورة القصوى لإصدار مرسوم جديد:

يعيد التوازن بين القانون الأساسي وقانون الهيئات المحلية،

يلغي الاشتراطات السياسية المفروضة،

يعيد التأكيد على الوظيفة الخدماتية للبلديات،

ويحمي السيادة التشريعية من أي تأثيرات خارجية.

خلاصة

إن حماية القانون الأساسي الفلسطيني من أي محاولة للمساس به تحت عنوان الإصلاح السياسي هي مسؤولية وطنية ودستورية.

فالقانون الأساسي ليس نصًا إداريًا قابلًا للتغيير بضغط خارجي، وإنما هو عقد اجتماعي يمثل إرادة الشعب الفلسطيني، ولا يملك أحد تعديله دون العودة إلى الشعب مصدر السلطات.

إن المحافظة على الطبيعة الخدماتية للهيئات المحلية، ومنع تسييسها، وإعادة النظر في التعديلات الأخيرة، ليست مطالب قانونية فحسب، بل هي ركائز لحماية النظام السياسي الفلسطيني ومنع تفكيكه أو إعادة تشكيله وفق أجندات لا تعبّر عن الإرادة الوطنية.

الهوامش القانونية والدستورية

1. القانون الأساسي الفلسطيني: المواد (2)، (5)، (9)، (10)، (26)، (43)، (71).

2. قانون الهيئات المحلية رقم (1) لسنة 1997: المواد (2)، (5)، (6)، (15)، (23).

3. قانون البلديات الأردني رقم 41 لسنة 2015.

4. قانون الجماعات المحلية التونسية لسنة 2018.

5. القانون التنظيمي للجماعات الترابية (المغرب).

6. قانون الإدارة المحلية المصري (2019).

 

 


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة