نوبل للسلام في اختبار القيم: ماريا ماتشادو وانهيار المعايير الأخلاقية والإنسانية
إعداد: المحامي علي أبو حبلة – رئيس تحرير صحيفة صوت العروبة
مقدمة: جائزة السلام التي خانها أصحابها
لم تكن جائزة نوبل للسلام، منذ تأسيسها، مجرد تكريم رمزي، بل مثّلت معيارًا أخلاقيًا عالميًا لمن ساهموا في إنهاء الحروب، أو خففوا من مآسي البشرية. لكن حين تُعلن زعيمة المعارضة الفنزويلية والحائزة على الجائزة، ماريا ماتشادو، دعمها لرئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وتثني على ما قام به خلال الحرب على غزة — فإننا أمام لحظة سقوط أخلاقي وإنساني مدوٍ، تضع الجائزة نفسها، قبل الحائزة، في دائرة المساءلة التاريخية.
هذا الموقف لا يمكن اعتباره مجرد "رأي سياسي"، بل هو موقف يشرعن جرائم حرب، ويتناقض كليًا مع المبادئ التي أُنشئت لأجلها جائزة نوبل للسلام، ويكشف في الوقت نفسه عن عمق أزمة الضمير الغربي، وعن ازدواجية المعايير التي تحكم المشهد الدولي اليوم.
أولاً: انهيار أخلاقي تحت شعار السلام
حين تمتدح شخصية حائزة على نوبل للسلام جيشًا متورطًا في جرائم ضد الإنسانية، وفق تقارير موثقة من الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان، فإن ذلك يُعد تواطؤًا أخلاقيًا وسياسيًا.
فالحرب على غزة لم تكن نزاعًا متكافئًا، بل عدوانًا شاملًا على شعب أعزل، استُخدمت فيه القنابل الارتجاجية، والذخائر المحرّمة دوليًا، وحوصرت فيه المستشفيات ومنعت المساعدات الإنسانية.
تأييد ماتشادو لهذه الحرب هو اصطفاف صريح مع مشروع الإبادة الجماعية، وتخلٍّ عن أبسط المبادئ الإنسانية التي يُفترض أن تكون أساسًا لأي حامل لجائزة السلام.
ثانيًا: ازدواجية المعايير... جريمة أخلاقية دولية
الموقف الفاضح لماتشادو لا يمكن فصله عن النظام الدولي القائم على ازدواجية المعايير.
حين يُستنفَر العالم للبحث عن جثث الإسرائيليين في غزة بينما يُدفن آلاف الفلسطينيين تحت الركام دون صوت أو تحقيق، وحين يُقدَّم القاتل كـ"مدافع عن نفسه" والضحية كـ"إرهابي"، فإن ذلك لا يعكس فقط خللًا في الرواية الإعلامية، بل انهيارًا في الضمير الإنساني العالمي.
ما قامت به ماتشادو هو انعكاس لهذه الازدواجية: فهي تتبنى الخطاب الغربي المنحاز الذي يفصل بين "إنسان يستحق التعاطف" و"آخر يُستباح دمه"، وهي بذلك تسهم في إعادة إنتاج الرواية العنصرية ذاتها التي شرعنت الاستعمار والاحتلال لعقود طويلة.
ثالثًا: الإطار القانوني والمسؤولية الدولية
وفقًا للقانون الدولي الإنساني، وخاصة اتفاقيات جنيف لعام 1949، فإن دعم أو تبرير أي فعل يُشكل جريمة حرب يُعد مساهمة معنوية في تعزيز الإفلات من العقاب.
فمن يمدح حربًا ارتكبت فيها مجازر ضد المدنيين، واستخدام التجويع كسلاح، واستهداف البنية الطبية والتعليمية، يخرق فعليًا روح القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
ومن هنا، فإن تصرف ماتشادو يستوجب تحركًا من لجنة نوبل نفسها، التي يفترض أن تحافظ على شرف الجائزة ومعناها الرمزي كأداة لتعزيز السلم والعدالة، لا كغطاء لتجميل جرائم الاحتلال.
رابعًا: الأبعاد السياسية والاستراتيجية للموقف
تأييد الحائزة على نوبل لنتنياهو ليس حدثًا معزولًا، بل يأتي في سياق حرب إعلامية وأيديولوجية شاملة تهدف إلى تبييض صورة إسرائيل، وإعادة تسويقها كـ"دولة ديمقراطية تواجه الإرهاب"، في الوقت الذي تُمارس فيه تطهيرًا عرقيًا في غزة والضفة الغربية.
هذا الموقف يندرج ضمن استراتيجية الغرب في تصدير خطاب السلام المشوَّه، الذي يبرر العدوان تحت ذريعة “مكافحة الإرهاب”، ويعيد رسم الحدود الأخلاقية بما يخدم مصالح القوى الكبرى.
إنه سلام القوة لا سلام العدالة، وسلام التبرير لا سلام الحقوق.
خامسًا: جائزة نوبل بين السقوط والمراجعة
لقد واجهت لجنة نوبل سابقًا انتقادات لمنح الجائزة لشخصيات تلطخت أيديها بالدماء، لكن موقف ماريا ماتشادو يجب أن يكون نقطة تحول حقيقية.
فليس من المنطق ولا من الأخلاق أن تستمر الجائزة في منح شرعية رمزية لمن يتنكر لضحايا الحروب ويصطف مع المعتدين.
المجتمع الدولي مطالب اليوم بمطالبة اللجنة بعقد اجتماع طارئ لإعادة النظر في المعايير، ووضع آلية لمساءلة الحائزين الذين يخلّون بشروط الجائزة ويشوهون سمعتها العالمية.
خاتمة: اختبار الضمير الإنساني
إن موقف ماريا ماتشادو لا يمس الشعب الفلسطيني وحده، بل يمس جوهر الإنسانية ومعنى العدالة في النظام الدولي.
فحين تُكافأ الأصوات التي تبرر القتل، وتُسكت الأصوات التي تطالب بالحق، تصبح جائزة نوبل للسلام بحاجة إلى من ينقذها من تحولها إلى جائزة للرياء السياسي والنفاق الأخلاقي.
وفي النهاية، تبقى الحقيقة الساطعة أن الضمير الإنساني لا يُمنح بجائزة، بل يُقاس بالموقف من المظلوم لا من القوي.
وغزة، بدمائها وصمودها، ستبقى المعيار الحقيقي لكل من يتحدث باسم السلام، لأن السلام لا يولد من فوهة بندقية، ولا من صمت العالم أمام المجازر، بل من العدالة التي يرفضها المنافقون.
تصميم وتطوير: ماسترويب 2016 |