بقلم: المحامي علي أبو حبلة
يتضح للمتابعين أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتعامل مع الشرق الأوسط وفق منطق الربح والخسارة، بعيدًا عن الحقوق والشرعية الدولية. هذا المنهج النفعي جعله يطلق يد بنيامين نتنياهو ويوفر له الغطاء السياسي لتحقيق مكاسب على حساب الحقوق الفلسطينية، تحت شعار "تأمين الحماية لدول الخليج" مقابل المال والاستثمارات.
الاستثمار أولاً… "ريفيرا الشرق الأوسط"
ترامب يرى استمرار الأزمات في المنطقة كفرصة اقتصادية شخصية، إذ تتولى شركاته الأربع مشاريع ضخمة تحت مسمى "ريفيرا الشرق الأوسط"، بتمويل خليجي، وتعود أرباحها مباشرة له. الاستقرار الحقيقي لا يخدم مصالحه؛ بل استمرار التوتر يبرر الحاجة للحماية الأمريكية ويضمن تدفق الأموال والخدمات الاستثمارية، بما يحقق عائدات شخصية مباشرة.
نتنياهو وأيديولوجيا التهجير
أما نتنياهو، فالأجندة الأيديولوجية لليمين الإسرائيلي تتعلق بـ"إسرائيل الكبرى" والتخلص من "الغول الديمغرافي الفلسطيني". وهو لا يطرح وقف إطلاق النار إلا حين يخدم مصالحه السياسية والانتخابية، بينما الهدف الاستراتيجي يبقى التهجير والتفكيك، بما يفتح الطريق أمام إعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق رؤيته.
قمة الدوحة… لحظة جلاء الصورة
جاءت قمة الدوحة لتوضح حجم المخاطر والتحديات، حيث تتضح مسرحية "إسرائيل الكبرى" و"الشرق الأوسط الجديد"، وأدواتها التهجير والتفكيك والتبعية الاقتصادية. هذه القمة أظهرت أن القرارات العربية والإسلامية يجب أن ترقى إلى مستوى المخاطر الحقيقية، بعيدًا عن البيانات والشعارات، لتكون استجابة عملية وحقيقية لما يحدث على الأرض.
مقاربة تاريخية: امتداد مشروع "الشرق الأوسط الجديد"
ما يحدث اليوم ليس عشوائيًا، بل امتداد محدث لمشروع "الشرق الأوسط الجديد" الذي ظهر بعد حرب العراق 2003، حين وضعت خطط كوندوليزا رايس ومفهوم "الفوضى الخلاقة" لإعادة تشكيل المنطقة على أسس استراتيجية تُخدم مصالح واشنطن. كانت الخطة تقوم على تفكيك الدول التقليدية، استحداث كيانات سياسية واقتصادية جديدة، وإعادة رسم الحدود والتوازنات بما يضمن الهيمنة الأمريكية والسيطرة على مصادر الطاقة.
اليوم، يلاحظ امتداد هذه الرؤية عبر دعم المشاريع الاستيطانية الإسرائيلية، واستثمار الأزمة الفلسطينية والخليجية، لتثبيت هيمنة أمريكية جديدة في المنطقة، لكن عبر أساليب محدثة تعتمد على الاستثمار والاقتصاد، وليس فقط على القوة العسكرية المباشرة، مع إبقاء العرب في حالة تبعية استراتيجية.
تحالفات جديدة… باكستان عنصر التوازن
التحولات الاستراتيجية تفرض اليوم إعادة صياغة التحالفات. أصبح من الضروري تشكيل غرفة عمليات عربية ـ إسلامية تضم مصر وتركيا والسعودية وباكستان، لتعزيز الأمن الإقليمي وخلق توازن قوة قادر على ردع أي مخططات تهدف إلى الهيمنة الإقليمية.
بعد أمني واستراتيجي جديد
الأمن العربي والإقليمي لم يعد ممكنًا بانتظار القرارات الأمريكية أو التطمينات السياسية. المطلوب استراتيجية شاملة تقوم على توازن قوة حقيقي، يربط الأمن بالاقتصاد والسياسة، ويجعل أي مشروع استعمار جديد مكلفًا ويواجه مقاومة مباشرة.
خاتمة: نحو صحوة عربية استراتيجية
قمة الدوحة قد تكون الانطلاقة، شرط تحويل توصياتها إلى استراتيجية عملية تحمي الأمن القومي، وتقطع الطريق على مشاريع "الشرق الأوسط الجديد" التي يروّج لها ترامب ونتنياهو. وحدها الوحدة العربية والإسلامية والتحالفات الاستراتيجية الجديدة قادرة على قلب المعادلة، وإعادة صياغة مستقبل المنطقة بعيدًا عن مشاريع الهيمنة الجديدة.
تصميم وتطوير: ماسترويب 2016 |