تلفزيون نابلس
كوكا كولا
ماذا بعد إقرار الأمم المتحدة لإعلان نيويورك واعتماد حل الدولتين؟
9/12/2025 11:41:00 PM

إعداد: المحامي علي أبو حبلة – رئيس تحرير صحيفة صوت العروبة

مقدمة

إقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لإعلان نيويورك بأغلبية ساحقة (142 دولة مؤيدة مقابل 10 معارضة و12 ممتنعة) يشكل لحظة فارقة في تاريخ القضية الفلسطينية. الإعلان لم يقتصر على الدعوة لوقف الحرب في غزة ورفض الحصار والتجويع، بل أسّس لرؤية أممية متجددة قوامها إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. هذا التصويت يفتح الباب أمام تحولات استراتيجية، ويعيد القضية الفلسطينية إلى قلب الشرعية الدولية، بما يقوّض محاولات إسرائيل فرض الأمر الواقع بالاستيطان والضم.

أولاً: المقاربات التاريخية ودروسها

1. جنوب أفريقيا ونهاية الأبارتهايد: المجتمع الدولي لعب دورًا حاسمًا في إنهاء نظام الفصل العنصري، عبر العقوبات والمقاطعة، حتى تهاوى النظام العنصري أمام عزلة شاملة. المقاربة الفلسطينية واضحة: الاحتلال الإسرائيلي الذي يقوم على الاستيطان والتمييز لا يختلف في جوهره عن الأبارتهايد، والشرعية الدولية قادرة على محاصرته حتى سقوطه.

2. كوسوفو والاعتراف الدولي: رغم الاعتراضات في البداية، فإن الاعتراف الدولي بكوسوفو رسخ واقع الدولة الجديدة وأجبر القوى المعارضة على التعامل معها كحقيقة سياسية. كذلك، فإن اعتراف الجمعية العامة بالأغلبية الساحقة بحق الفلسطينيين في دولتهم المستقلة، يشكل قاعدة صلبة لإعلان دستوري فلسطيني يُترجم الاعتراف إلى حقيقة قانونية وسياسية.

ثانياً: الانتقال من السلطة إلى الدولة

من سلطة انتقالية إلى دولة مستقلة: آن الأوان أن ينتقل الفلسطينيون من إدارة ذاتية محدودة إلى دولة كاملة السيادة وفق حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشريف.

إعلان دستور الدولة الفلسطينية: صياغة دستور يحدد شكل الحكم، وحقوق المواطنين، ومبادئ الديمقراطية، يشكل ركيزة لتعزيز الاعتراف الدولي وترسيخ مؤسسات الدولة.

إغلاق الباب أمام مخطط الضم: بهذا الانتقال، تُقطع الطريق على إسرائيل التي تسعى لفرض الضم التدريجي وشرعنة المستوطنات باعتبارها أمرًا واقعًا غير قابل للتراجع.

ثالثاً: معادلة جديدة للصراع

إعلان نيويورك يفتح مسارًا استراتيجيًا يقوم على:

1. قيادة عربية–إسلامية–أوروبية: السعودية وفرنسا ومعهما الدول العربية والإسلامية باتوا شركاء في صياغة مبادرة دولية تُعيد التوازن، وتكسر احتكار واشنطن المنحاز لإسرائيل.

2. اشتباك سياسي مع الاحتلال: من خلال استثمار الشرعية الدولية، يمكن للفلسطينيين تعزيز الاشتباك السياسي والقانوني ضد الاحتلال في كل المحافل الدولية، وخاصة في:

مجلس حقوق الإنسان.

محكمة العدل الدولية.

المحكمة الجنائية الدولية.

الجمعية العامة للأمم المتحدة.

3. إدانة الاستيطان والتوسع: التصويت الأممي يعزز حجج الفلسطينيين في مواجهة الاستيطان، مصادرة الأراضي، وسياسات التهجير، باعتبارها جرائم حرب وفق القانون الدولي.

رابعاً: التحديات والفرص

التحديات: استمرار الاحتلال، الدعم الأميركي غير المشروط لإسرائيل، والانقسام الفلسطيني الداخلي.

الفرص:

بناء دستور فلسطيني يترجم الاعتراف الأممي إلى حقيقة سياسية.

تعزيز التحالف الدولي المناهض للاحتلال عبر ربط القضية الفلسطينية بتجارب عالمية ناجحة مثل جنوب أفريقيا وكوسوفو.

فرض الحماية الدولية للشعب الفلسطيني من خلال بعثة الاستقرار المؤقتة التي نص عليها الإعلان.

خاتمة:

إعلان نيويورك هو أكثر من قرار أممي؛ إنه بداية معركة استراتيجية جديدة تقودها فرنسا والسعودية ومعهما العالم العربي والإسلامي، لتكريس دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. التجارب التاريخية تُثبت أن الإرادة الدولية قادرة على كسر أنظمة استعمارية وعنصرية مهما طال الزمن. واليوم، أمام الفلسطينيين فرصة استثنائية لإغلاق مرحلة السلطة الانتقالية والانتقال إلى الدولة الدستورية، بما يعزز موقعهم في الاشتباك السياسي مع الاحتلال، ويقطع الطريق على مشروع الضم والاستيطان، ويفرض معادلة دولية جديدة لا يمكن لإسرائيل تجاهلها.


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة