المحامي علي أبو حبله
أنهت بلدية طولكرم بالتعاون مع وزارة الأشغال العامة شق وتأهيل شارع الحرش، وقرر محافظ محافظة طولكرم فتحه مساء اليوم كبديل مؤقت لشارع طولكرم – نابلس، ذلك الشارع الحيوي الذي يشكل شرياناً أساسياً للحركة التجارية والصناعية في شمال الضفة الغربية. غير أن هذا التطور، على أهميته محلياً، يعكس في جوهره حجم المأساة التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي عبر سياساته الممنهجة في خنق المدن الفلسطينية وفرض قيود مشددة على حركة المواطنين.
الاحتلال وإعادة هندسة الجغرافيا
تعمل سلطات الاحتلال منذ سنوات على إعادة تشكيل الجغرافيا الفلسطينية من خلال إغلاق الطرق الرئيسية، نصب الحواجز العسكرية، وإجبار الفلسطينيين على استخدام طرق بديلة غالباً ما تكون أطول وأكثر خطراً وأعلى تكلفة. إن إضعاف شارع طولكرم – نابلس، الذي يمثل رئة اقتصادية للمدينة، ليس حدثاً عرضياً، بل خطوة متعمدة ضمن سياسة إسرائيلية تهدف إلى عزل المدن الفلسطينية وتحويلها إلى جزر منفصلة يسهل التحكم بها.
انتهاك صارخ للقانون الدولي
إن حرمان الفلسطينيين من حرية التنقل والسير على طرقاتهم هو خرق مباشر للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف الرابعة التي تكفل حق المدنيين في حرية الحركة، وتمنع سلطات الاحتلال من إجراء تغييرات دائمة على البنية التحتية في الأراضي المحتلة إلا لضرورات أمنية ملحة ومؤقتة. كما أن تحديد مواعيد الحركة، وإغلاق الشوارع أو فتحها بقرار عسكري يمثل تعدياً على أبسط الحقوق الإنسانية، ويكشف عن ممارسات ممنهجة تهدف إلى إذلال الفلسطينيين وتقويض حياتهم اليومية.
سياسة فصل عنصري
ما يجري في طولكرم وسائر مدن الضفة الغربية لا يختلف في جوهره عن سياسة الفصل العنصري التي مورست في جنوب أفريقيا سابقاً. فالاحتلال يسعى إلى فرض نظام طرق مزدوج: طرق حديثة وآمنة للمستوطنين، في مقابل طرق بديلة وملتوية للفلسطينيين، بما يكرس واقع التمييز العرقي والسيطرة الديموغرافية. هذه الممارسات لا يمكن وصفها إلا بأنها أبارتهايد حديث يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقية مناهضة الفصل العنصري لعام 1973.
الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية
إغلاق الشوارع الرئيسية وتحويل الحركة إلى بدائل مؤقتة يهدد النشاط التجاري والصناعي في طولكرم، ويضعف صغار التجار والعمال الذين يعتمدون على حرية التنقل اليومية. هذا الخنق الاقتصادي هو جزء من سياسة الاحتلال الرامية إلى إضعاف مقومات الصمود الفلسطيني، وإفراغ المدن من دورها الحيوي وربطها قسراً بالاقتصاد الإسرائيلي.
المطلوب فلسطينياً ودولياً
1. تحميل الاحتلال المسؤولية الكاملة عن تعطيل الحياة الفلسطينية وفضح ممارساته العنصرية أمام المحافل الدولية.
2. التمسك بالحق القانوني في حرية التنقل باعتباره حقاً غير قابل للتصرف منصوصاً عليه في المواثيق الدولية.
3. التحرك الفوري أمام مجلس حقوق الإنسان ومحكمة الجنايات الدولية لإثبات أن ما يجري على الأرض يمثل جريمة فصل عنصري مكتملة الأركان.
4. خطة فلسطينية استراتيجية للبنية التحتية تضمن ربط المدن ببعضها بعيداً عن هيمنة الاحتلال.
الخلاصة:
إن فتح شارع الحرش كحل مؤقت يكشف حقيقة مرة: الفلسطينيون يعيشون تحت نظام فصل عنصري ممنهج، حيث تُغلق طرقهم ويُحرمون من أبسط حقوقهم الإنسانية، بينما يكرّس الاحتلال واقعا يخدم مشروعه الاستيطاني. ما يجري اليوم في طولكرم ليس مجرد أزمة مرورية، بل حلقة جديدة في مسلسل الأبارتهايد الإسرائيلي الذي يستهدف الأرض والإنسان والهوية الفلسطينية.
تصميم وتطوير: ماسترويب 2016 |