حاكم مدني لغزة بين الواقع السياسي ومتطلبات الوحدة الوطنية
المحامي علي أبو حبله
مقدمة
أثار تداول اسم رجل الأعمال والسياسي الفلسطيني سمير حليلة كمرشح لمنصب "حاكم مدني" لقطاع غزة بعد الحرب، جدلاً واسعًا في الأوساط الفلسطينية والعربية والدولية. الجدل لم يكن محصورًا في شخص المرشح بقدر ما انصبّ على طبيعة المنصب، وصلاحياته، والجهات التي تقف وراء طرحه، وأثره على وحدة الشعب الفلسطيني الجغرافية والسياسية.
في ظل الظروف المعقدة، يبدو أن هذا الطرح – حتى لو كان بحسن نية – يفتح الباب أمام سيناريوهات قد تكرّس الانقسام أو تمنح قوى خارجية قدرة أكبر على التحكم في القرار الفلسطيني، ما يستدعي التفكير بحلول أعمق وأكثر شمولية، تعالج أصل الأزمة لا نتائجها فقط.
أبعاد طرح حليلة: إدارة مدنية أم إعادة صياغة للواقع السياسي؟
وفقًا للتقارير، جاء طرح اسم حليلة من قنوات سياسية ودبلوماسية بعضها على صلة بالإدارة الأمريكية، مع تداول في الإعلام العبري عن قبول أو دراسة الفكرة من قبل دوائر إسرائيلية. ورغم نفي السلطة الفلسطينية أي ترتيبات خارج إطارها المؤسسي، إلا أن مجرد طرح المنصب بصيغة "حاكم مدني" يثير مخاوف من إنشاء سلطة بديلة أو موازية، خصوصًا في قطاع غزة الذي يشكّل أحد أعمدة الجغرافيا السياسية الفلسطينية.
الخشية الكبرى تكمن في أن يتم التعامل مع غزة ككيان منفصل وظيفيًا عن الضفة الغربية والقدس، الأمر الذي يتناقض مع روح ووثائق اتفاقيات الوحدة الوطنية وقرارات الشرعية الدولية التي تعترف بفلسطين بحدود 1967 كوحدة جغرافية وسياسية واحدة.
موقف الفصائل: بين الرفض المبدئي والحذر المشروط
حماس والجهاد الإسلامي تنظران إلى أي تعيين أحادي لشخصية خارج التوافق الوطني على أنه انتقاص من شرعيتهما ودورهما في القرار الفلسطيني. ورغم أن بعض التقارير تحدثت عن "قبول ضمني" من حماس لدور إداري مدني، إلا أن ذلك – إن صح – يبقى مشروطًا بوجود ضمانات سياسية وأمنية، وبإشراك قوى المقاومة في رسم مستقبل القطاع وعدم فصله عن بقية الأرض الفلسطينية.
الجهاد الإسلامي، من جهتها، أكثر تحفظًا، إذ تعتبر أي صيغة مفروضة من الخارج محاولة لتفكيك وحدة الميدان، وتقييد المقاومة، وإعادة إنتاج وصاية غير مقبولة.
دور الأطراف العربية والإقليمية
مصر: ترفض أي سيناريو يعمّق الانقسام أو يُقصي السلطة الفلسطينية، مع حرصها على استقرار حدودها وضمان ترتيبات أمنية عبر معبر رفح.
السعودية: ترى في أي حل سياسي فرصة لربطه بمسار تسوية أوسع، يضمن قيام دولة فلسطينية ويقلص النفوذ الإيراني، وقد توفر غطاء مالي ودبلوماسي لمشروع إعادة الإعمار إذا جاء في إطار وطني جامع.
الإمارات: تميل إلى دعم إدارات مدنية تكنوقراطية قادرة على إدارة الإعمار وجذب الاستثمارات، لكنها تفضّل بيئة مستقرة لا تصطدم مباشرة بالفصائل.
قطر: تملك قنوات مباشرة مع حماس وتلعب دورًا أساسيًا في الوساطة الإنسانية، ولن تدعم أي خطة تستبعد المقاومة دون مقابل سياسي.
تركيا: تدعم أي ترتيبات تحافظ على وحدة القرار الفلسطيني وتمنع إقصاء القوى الوطنية، وتقدم نفسها كطرف مساعد إنساني وسياسي.
حكومة تكنوقراط كخيار وطني شامل
من الناحية السياسية والاستراتيجية، يبدو أن تشكيل حكومة تكنوقراط وطنية شاملة هو السبيل الأمثل لضمان:
1. الوحدة الجغرافية والتاريخية لفلسطين: غزة، الضفة الغربية، والقدس.
2. غطاء دولي وعربي وإقليمي يحمي أي ترتيبات من التفكك أو الاختراق.
3. مهمة إعادة الإعمار على نطاق وطني يشمل جميع المناطق المتضررة.
4. التحضير لانتخابات شاملة: رئاسية، تشريعية، ومجلس وطني، استنادًا إلى الميثاق الوطني الفلسطيني ومقررات الشرعية الدولية.
5. الدفع بمسار المفاوضات لتطبيق قرارات الأمم المتحدة، وخاصة القرارين 242 و338، بما يقود إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
6. نزع فتيل الحرب والصراعات عبر توحيد الجبهة الداخلية وتثبيت الأمن والاستقرار.
حكومة الوفاق الوطني الفلسطيني لعام 2014 يمكن أن تكون نموذجًا مُحدّثًا، مع توسيع صلاحياتها، وضمان شراكة فعلية للفصائل، ومراقبة تنفيذية من قبل لجنة وطنية عليا، وتفويض واضح للتعامل مع المجتمع الدولي
وعليه فإن التحدي الحقيقي أمام الفلسطينيين ليس اختيار شخص لإدارة غزة، بل اختيار صيغة وطنية جامعة تمنع إعادة إنتاج الانقسام، وتعيد الاعتبار للمشروع الوطني الموحد. أي إدارة مدنية أو شخصية تكنوقراطية يجب أن تكون جزءًا من مشروع وطني شامل، يحظى بشرعية شعبية ومؤسسية، ويُسند إليه المجتمع العربي والدولي، لضمان أن تبقى فلسطين – أرضًا وشعبًا – وحدة لا تتجزأ، وأن تكون إعادة الإعمار بداية لمسار سياسي نحو الحرية والاستقلال، لا خطوة أخرى على طريق التفتيت.
تصميم وتطوير: ماسترويب 2016 |