المقال التحليلي – بقلم: المحامي علي أبو حبلة
رئيس تحرير صحيفة "صوت العروبة"
في محافظة الخليل، التي تُعد واحدة من أهم المراكز الاقتصادية الفلسطينية، تتعالى أصوات المواطنين والتجار وأصحاب الأعمال احتجاجًا على الإجراءات البنكية التي أضحت عبئًا خانقًا. يُضاف إلى ذلك ما يُوصف بالتقصير من قبل سلطة النقد في مراقبة البنوك وضبط سلوكها بما يراعي الظروف الاقتصادية المتدهورة التي تعيشها البلاد، في ظل الاحتلال والحصار المالي والفساد الإداري والبيروقراطية الثقيلة.
أزمة الحكم المحلي وغياب الخدمات
تعاني الهيئات المحلية في مدن وبلدات الضفة الغربية من شلل إداري وضعف في تقديم الخدمات الأساسية، نتيجة نقص التمويل، وتداخل الصلاحيات، وانعدام الشفافية والمساءلة، وغياب رؤية تنموية مستدامة. الخليل، بيت لحم، نابلس، وقلقيلية وغيرها من المدن باتت تواجه أزمة بنية تحتية متردية، وإضرابات عمالية، وتعطيل لمشاريع حيوية.
وتفاقم الوضع في ظل عجز الحكومة عن دفع مستحقات البلديات والهيئات المحلية، ما انعكس سلبًا على قدرتها على الاستمرار في تقديم الخدمات، وهو ما أدى لتذمر شعبي واسع وانتقادات لاذعة لأداء الحكومة، التي يُنظر إليها كجزء من المشكلة لا كجزء من الحل.
مطالبات بإصلاح شامل… وحتى الاستقالة
تزامنًا مع هذه الأزمات، تتصاعد الأصوات الشعبية والنقابية التي تطالب الحكومة بتقديم استقالتها، حيث يرى المنتقدون أن الحكومة الحالية، برئاسة الدكتور محمد مصطفى، لم تتمكن حتى الآن من تقديم رؤية اقتصادية ناجعة، ولا خطة واضحة للخروج من الأزمة.
وتُطرح أسئلة مشروعة حول سبب استمرار السياسات الاقتصادية التي تُرهق الطبقات الفقيرة والمتوسطة، في حين تغيب العدالة في توزيع الثروات والموارد، وتستمر الامتيازات والمناصب الريعية في العبث بالمال العام.
أزمة الثقة… وغياب الحماية الاجتماعية
يُجمع عدد من المراقبين على أن فقدان الثقة بين المواطن والمؤسسات الرسمية آخذ في الاتساع، لا سيما في ظل غياب سياسات حماية اجتماعية، وارتفاع نسب البطالة، واستمرار العمل وفق نظام مالي يخدم البنوك دون حماية قانونية كافية للمواطنين، خاصة في ظل فوضى الإقراض، وتوسع ظاهرة الشيكات المرتجعة، والانزلاق نحو أزمات ديون متفاقمة.
إلى أين تتجه الأمور؟
إذا استمر التجاهل الرسمي لهذه المؤشرات الخطيرة، فإننا مقبلون على حالة احتقان اجتماعي أكبر، قد تتطور إلى حالة من العصيان المدني أو احتجاجات جماهيرية واسعة، خاصة إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة لوقف التدهور الاقتصادي وتقديم حلول ملموسة.
إن المطلوب اليوم هو حوار وطني شامل يُعيد الثقة بين السلطة والمجتمع، ويعيد ترتيب أولويات الحكومة، ويُخضع سلطة النقد لرقابة فعالة من جهات الاختصاص في ظل غياب سلطة التشريع أو من جهة قضائية مستقلة، مع إعادة تقييم العلاقة مع البنوك والمؤسسات المالية بما يضمن التوازن بين مصالحها وحقوق المواطنين.
ووفق كل ذلك الخليل ليست وحدها في هذا المشهد؛ هي النموذج الصارخ، لكن خلفها تقف مدنٌ وبلداتٌ بأكملها تتنفس بالكاد تحت وطأة الغلاء وانعدام الأمل. إن إنقاذ الاقتصاد الفلسطيني يبدأ من الإرادة السياسية والشفافية، ومن الاعتراف أن هذا الشعب لا يمكنه الصبر إلى ما لا نهاية، وأن الكرامة المعيشية هي جزء لا يتجزأ من مقاومة الاحتلال وبناء الوطن.
تصميم وتطوير: ماسترويب 2016 |