تلفزيون نابلس
كوكا كولا
مسرحية توزيع المساعدات: تجميل الجريمة برعاية أمريكية
8/1/2025 11:58:00 AM

بقلم: المحامي علي أبو حبلة

– رئيس تحرير صحيفة صوت العروبة

تُعرض الآن على أرض رفح مسرحية خادعة، أبطالها المبعوث الأمريكي ديفيد ساترفيلد (ويتكوف) وبعض الشخصيات المحلية المرتبطة بأجندات خارجية، وسيناريوها معدّ بعناية مسبقة لتجميل أبشع جريمة جماعية ارتُكبت بحق المدنيين الفلسطينيين تحت شعار "توزيع المساعدات الإنسانية".

في المشهد الذي تم تصديره للإعلام، اختفت الدبابات، غاب القناصة، وتلاشت أصوات الرصاص والصراخ. تم تنظيف المكان من الدماء والدموع، واستُبدلت طوابير الجياع بطابور مصطنع من "أشخاص مختارين"، أغلبهم من أتباع وأقارب شخصية مشبوهة تدعى ياسر أبو شباب، الذي بات اسمه يتردد كرمز للارتزاق المحلي وتسهيل الأجندات الخارجية.

فجأة، اختفى القمع! لم يعد هناك من يُقتل على أبواب الطحين، ولا من يُجلد بالسياط في طوابير الذل. لا جوعى يتدافعون ولا أمهات يصرخن على أبنائهن. كل شيء بدا "حضارياً"، فقط أمام عدسة المبعوث الأمريكي. وكأن الاحتلال قرر في لحظة أن يبدّل جلده، لا بدافع الرحمة، بل لمجرد إقناع واشنطن أن الأمور تحت السيطرة، وأن الجيش الإسرائيلي هو "الأكثر أخلاقية في العالم".

لكن الحقيقة لا تُمحى بسهولة. آلاف الفيديوهات التي وثّقت المجازر على أبواب الخبز، وآلاف الشهادات الحية التي نقلت أنين الجوعى، وصرخات الأمهات، ودماء نحو ألف شهيد قضوا جوعاً – هذه كلها ليست وهماً. إنها الحقيقة التي يريدون دفنها تحت ركام "استعراض مسرحي سياسي"، يُراد له أن يقنع العالم بأن الفلسطينيين كاذبون، وبأن المجاعة كانت مجرد "أوهام".

الأكثر إثارة للريبة، ما رُصد من دخول شاحنة محملة بالنساء والأطفال من جهة مدخل "موراج" العسكري باتجاه رفح، دون اعتراض من الجيش الإسرائيلي. كانت الوجوه متجهّمة، تحمل حقائب وكأنها نزوح جديد، ولكن الوجهة لم تكن للهروب، بل للمرور من بين الجنود الإسرائيليين وكأن شيئاً لم يكن. هل كانت الشاحنة تقل أقارب وأتباع أبو شباب؟ وهل كان الهدف إعداد مشهد مزيف لاستقبال المبعوث الأمريكي وسط "مواطنين ممتنين" و"أطفال يحصلون على الغذاء بكرامة"؟

إن ما يجري اليوم ليس توزيعاً إنسانياً، بل استعراضاً سياسياً وقحاً، هدفه طمس المجازر، وتبييض صفحة الاحتلال، وتوفير غطاء دولي لاستمرار الحصار.

التوثيقات القانونية والأممية:

1. وفقًا للمادة 55 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، يتحمل الطرف المُحتل واجب توفير الغذاء والدواء للسكان المدنيين في الأراضي التي يحتلها، ويُمنع استخدام الحصار كوسيلة لتجويع السكان المدنيين أو إيذائهم بشكل جماعي[^1].

2. مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في قراره رقم A/HRC/RES/S-30/1 الصادر في أكتوبر 2023، أدان صراحةً استخدام الحصار كأسلوب من أساليب العقاب الجماعي، واعتبر ذلك خرقًا صارخًا للقانون الإنساني الدولي ومبادئ حقوق الإنسان[^2].

3. مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، أكّد في تقاريره الدورية أن أكثر من نصف سكان غزة باتوا يواجهون خطر المجاعة الحقيقية، وأشار إلى أن الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية مقيد بشكل منهجي بسبب السياسات العسكرية الإسرائيلية[^3].

4. برنامج الأغذية العالمي (WFP) أعلن في إبريل 2024 أن غزة أصبحت منطقة "كارثة غذائية غير مسبوقة"، حيث يعاني الأطفال من معدلات سوء تغذية حاد تهدد حياتهم، مؤكدًا أن الحصار هو السبب الرئيس لتفاقم الأزمة[^4].

5. المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، قال في بيانه أمام الدورة 55 لمجلس حقوق الإنسان: "إن ما يحدث في غزة ليس فقط جريمة إنسانية، بل جريمة قانونية وسياسية بكل المقاييس، ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية وفق نظام روما الأساسي"[^5].

نداء إلى المجتمع الدولي

في ضوء ما تقدّم، نوجّه نداءً عاجلاً إلى المجتمع الدولي، وإلى الأمم المتحدة تحديداً، بضرورة تشكيل لجنة أممية دولية ومستقلة من الهيئات الإنسانية والحقوقية ذات المصداقية، تتولى الإشراف الكامل والمباشر على آلية توزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة، بعيدًا عن التسييس والانتقاء والتحكم من قبل قوى الاحتلال أو وكلائها المحليين.

إن هذا الإشراف الأممي يجب أن يكون جزءاً من آلية شاملة لرصد الانتهاكات الإنسانية ومحاسبة المسؤولين عنها، وضمان حماية المدنيين وحقهم في الغذاء والكرامة، وفقاً للقانون الدولي الإنساني.

كما نطالب القيادة الفلسطينية، بجميع مؤسساتها، إلى الدفع بهذا المطلب ضمن محافل الأمم المتحدة والمحاكم الدولية، باعتباره أولوية وطنية وإنسانية لا تحتمل التأجيل، لأن بقاء الوضع كما هو يعني شرعنة الجريمة واستمرار المأساة.

الحقيقة يجب ألا تُقمع، والعدالة لا تُؤجل.

الهوامش:

[^1]: اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين وقت الحرب، المادة 55، 1949.

[^2]: مجلس حقوق الإنسان – القرار A/HRC/RES/S-30/1، الدورة الاستثنائية الثلاثون، 27 أكتوبر 2023.

[^3]: تقرير OCHA حول غزة، مارس 2024 – https://www.unocha.org

[^4]: بيان برنامج الأغذية العالمي بشأن الأمن الغذائي في غزة – أبريل 2024 – https://www.wfp.org

[^5]: بيان المقرر الخاص ميشيل لينك أمام مجلس حقوق الإنسان، الدورة 55، مارس 2024.

 

 


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة