تلفزيون نابلس
كوكا كولا
نتائج التوجيهي والمصير المجهول: الطلاب بين مطرقة البطالة، وسندان الحرب، وهواجس الهجرة والتجهيل الممنهج
7/27/2025 1:54:00 AM

بقلم: علي أبو حبلة

ضمن سلسلة التحليلات السياسية والاجتماعية

تتزامن نتائج التوجيهي هذا العام مع واقع فلسطيني بالغ القسوة، حيث يعيش الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة تحت وطأة أزمات متشابكة: حرب عدوانية مدمّرة على غزة، وحصار مالي واقتصادي خانق في الضفة، وتدمير ممنهج لبنية التعليم، وغياب الأفق أمام الأجيال الجديدة. وفي قلب هذا المشهد، يقف الطلبة الناجحون وأسرهم في مفترق طرق حاد، حيث تتلاشى الفوارق بين النجاح واليأس، وتغدو الهجرة والانقطاع عن التعليم خيارات واقعية وليست مجرد احتمالات.

أولاً: الضفة الغربية – حصار مالي يهدد التعليم والمستقبل

رغم عدم تعرضها للحرب المباشرة، تعاني الضفة الغربية من أزمة مالية خانقة بفعل:

احتجاز إسرائيل لأموال المقاصة الفلسطينية، والتي تشكل نحو 60% من دخل السلطة الوطنية.

تأخير دفع الرواتب أو صرفها بنسبة مجتزأة منذ أكثر من عام.

انكماش الاقتصاد المحلي وارتفاع الأسعار والضرائب.

هذه العوامل تؤدي إلى تقليص قدرة أولياء الأمور على تعليم أبنائهم، وتفرض تحديات هائلة على الأسر، التي بالكاد تستطيع تغطية النفقات الأساسية. وفي كثير من الأحيان، يصبح استمرار الطالب في الجامعة أو حتى في المدرسة قرارًا صعبًا يرتبط بالأولويات المعيشية اليومية، لا بالمستوى الأكاديمي فقط.

الضفة الغربية ليست بمعزل عن سياسة الخنق الإسرائيلي غير المعلنة، والتي تستهدف تفكيك قدرة الفلسطينيين على البقاء والصمود، عبر أدوات مالية واقتصادية بدلًا من أدوات عسكرية مباشرة.

ثانيًا: غزة – تدمير التعليم والحرب على الوعي

أما في قطاع غزة، فالوضع كارثي بكل المقاييس. إذ تسببت الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ أكتوبر 2023 في:

تدمير أكثر من نصف البنية التحتية التعليمية.

تحويل المدارس إلى ملاجئ ثم أهداف عسكرية.

تعطيل التعليم كليًا منذ ما يقارب سنتين

انقطاع الكهرباء والاتصالات، ومنع التعليم الإلكتروني.

كل ذلك يترافق مع سياسة تجهيل متعمدة تمارسها إسرائيل، تهدف إلى خلق جيل بلا تعليم، بلا أمل، بلا أفق. وهو نوع جديد من الاحتلال، لا يكتفي بمصادرة الأرض، بل يسعى إلى مصادرة العقل الفلسطيني ومستقبله.

ثالثًا: بطالة، فقر، وهجرة… الدائرة المغلقة

في الضفة وغزة، ترتبط البطالة المزمنة وارتفاع تكاليف التعليم بظاهرة جديدة ومقلقة: ازدياد رغبة الشباب في الهجرة. يتجه آلاف الخريجين والناجحين نحو أبواب الهجرة، في ظل انعدام فرص العمل، وغياب الأمل بالتغيير. وتلعب مكاتب التهجير المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي دورًا خفيًا في تضخيم هذا الميل، مستغلة ضعف الأسر، وجهل الشباب بخطورة هذا الخيار.

أصبح من السهل الترويج للهجرة وكأنها "نجاة فردية"، بينما في الحقيقة، هي نزيف جماعي للعقول والكفاءات، وهي أحد أهداف الاحتلال غير المعلنة لتفريغ فلسطين من شبابها.

رابعًا: التعليم مهدد… لكنه قابل للإنقاذ

لا تزال الفرصة قائمة لحماية جيل التوجيهي من الضياع. لكن ذلك يتطلب:

1. حل جذري لأزمة المقاصة ورواتب الموظفين، وتدويل ملف القرصنة الإسرائيلية على الأموال الفلسطينية.

2. خطة طوارئ تعليمية وطنية تشمل دعم التعليم في غزة والضفة معًا.

3. توسيع برامج المنح والإعفاءات للطلبة المتفوقين وذوي الدخل المحدود.

4. مراقبة مكاتب الهجرة الوهمية وتوعية الطلبة بمخاطر الهجرة غير الشرعية.

5. تشجيع التعليم المهني والتقني وربطه بسوق العمل الفلسطيني.

وأمام هذا الواقع المأساوي فإن نتائج التوجيهي هذا العام تكشف عن معركة كبرى نخوضها جميعًا: معركة من أجل البقاء، ومن أجل حماية الوعي الفلسطيني. في الضفة وغزة، يختلف شكل الحصار لكنه واحد في جوهره: استهداف مستقبل الفلسطيني عبر تجهيل أبنائه أو دفعهم للرحيل.

ولذلك، فإن دعم التعليم هو فعل مقاومة، وحماية الشباب من الهجرة والانقطاع عن الدراسة هو مشروع وطني بامتياز. لا يجوز أن نترك أبناءنا وحدهم في مواجهة مصيرهم، فهم اليوم خط الدفاع الأول عن حقنا في البقاء على هذه الأرض.

 


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة