تلفزيون نابلس
كوكا كولا
"الضم الزاحف" يضع أقدامه على قمة جبل عيبال في نابلس لبناء مدينة استيطانية
7/26/2025 4:47:00 PM

نابلس- نواف العامر- وكالة سند للأنباء - تواصل حكومة الاحتلال الإسرائيلي فرض وقائع جديدة بالضفة الغربية، عبر عمليات المصادرة والبناء الاستيطاني، التي تمهد لرسم جغرافيا جديدة، تجعل من المستحيل التوصل إلى أي تسوية سياسية، قائمة على مبدأ الأرض مقابل السلام.

وتتقاطع العمليات على الأرض، مع التصريحات والقرارات المتخذة من أعلى الهرم السياسي الإسرائيلي، ومصادقة الكنيست الإسرائيلي مؤخرًا على الإعلان الداعي إلى فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة.

وبأغلبية 71 نائبا ومعارضة 13 من أصل 120، أيد الكنيست، مساء الأربعاء، اقتراحا قدمه النواب سيمحا روتمان (حزب الصهيونية الدينية) وليمور سون هار ميليش (القوة اليهودية) ودان إيلوز من الليكود.

ويدعو الاقتراح الحكومة إلى ضم الضفة الغربية المحتلة، بما فيها غور الأردن، وهو اقتراح "تصريحي فقط، وليس له أي قوة قانونية مُلزمة، ولكنه يحمل ثقلا رمزيا وتاريخيا كبيرا"، وفق القناة "14" العبرية الخاصة.

وتتجه عين الاستيطان الإسرائيلية هذه المرة نحو قمة جبل عيبال شمالي نابلس، أعلى قمة في سلسلة جبال نابلس، الممتدة من الناصرة الى مشارف القدس.

المشروع الجديد وصفه مؤسس اللجنة الإسرائيلية لمناهضة هدم المنازل جيف هالبر، وهو أحد أبرز المختصين في شؤون الاستيطان، بأنه حلقة متقدمة في مشروع أكبر، يهدف إلى فرض وقائع لا رجعة فيها على الأرض.

تفكيك الجغرافيا الفلسطينية

ويقرع هالبر، في تصريحات نشرت له، جرس إنذار خلاصته أن "إسرائيل" لا تنتظر اتفاقات دولية، بل تصنع حقائق هندسية على الأرض تُفكك الجغرافيا الفلسطينية، وتُفرّغها من معناها السياسي كمخطط مدروس يسير وفق أجندة رسمية، تُنفذها الدولة بأذرعها السياسية والعسكرية والقانونية.

وحسب هالبر فإن المخطط الجديد في عيبال لا يُمكن فصله عن الرؤية الاستيطانية الكلية، التي تقوم على تفتيت الضفة الغربية إلى جزر معزولة، يتم إحاطتها بشبكات طرق وحواجز ومستوطنات ذات امتداد أفقي ورأسي، بما يُحوّل التجمعات الفلسطينية إلى جيوب خانقة، بلا أفق عمراني أو سيادي والحديث هنا ليس مجرد توسعة عشوائية.

ويرى الخبير الإسرائيلي أن ما يُسمى بـالضم الزاحف لم يعد توصيفًا مجازيًّا، بل أصبح استراتيجية معلنة تمضي بسرعة أكبر من أي وقت مضى، في ظل حكومة يمينية تسعى لحسم مستقبل الضفة الغربية قبل تغير الظروف السياسية أو الإقليمية، وكل مستوطنة جديدة، وكل طريق سريع، وكل قرار شرعنة، هو لبنة في جدار الحسم.

واختتم هالبر تصريحه بالتحذير من أن ما يجري في عيبال اليوم، وفي صانور لاحقاً، ليس مجرد استيطان، بل هو تفكيك فعلي للخريطة الفلسطينية وتحويلها إلى فسيفساء ميتة سياسيًّا وذلك يتناقض جذريًا مع القانون الدولي، ويُمثل تهديداً مباشراً لأي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة أو متصلة جغرافياً.

عيبال وجرزيم

جبل عيبال أحد جبلين رئيسيين في منطقة نابلس، ويرتفع 940 متراً عن سطح البحر يقابله في الجهة الجنوبية جبل جرزيم ويرتفع 881 مترا عن سطح الأرض، ويمثلان فكي كماشة يطبقان على مدينة نابلس وفق محافظ المدينة، حيث أقيم على الأول معسكر متقدم عام 1979 وعلى الثاني مستوطنة براحا عام 1982، ونقاط عسكرية إبان هبة النفق عام 1996.

وبسط معسكر عيبال في حينه هيمنته على مساحة 500 دونم، ومنع المزارعين من الوصول إلى 1500 دونم أخرى في محيطه، وسط مزاعم وادعاءات إسرائيلية بوجود مذبح ديني على إحدى تلال الجبل، وهو ادعاء يناقض الروايات الدينية الذي يصف المكان بجبل اللعنة .

ويطل الجبل على مدينة نابلس، وتظهر من إطلالته جبال لبنان والسلط والكرمل ووادي الأردن والساحل الغربي على البحر الأبيض المتوسط، وفي سفوحه قبور القادة العسكريين في العصور الاسلامية مجير الدين وعماد الدين.

وتصاعدت مؤخرًا وتيرة المخططات الاستيطانية الرسمية، والهادفة لفرض واقع جديد يمهد لضم الضفة الغربية وتعزيز السيادة الإسرائيلية عليها، بمصادقة مجلس الوزراء الإسرائيلي "الكابينت" على إنشاء 22 مستوطنة جديدة إحداهن إستراتيجية على جبل عيبال في محاولة سريعة لحسم مصير خطة الحسم المعروفة.

وتشمل الخطة التي أعلن عنها في أعقاب عملية "بروقين"،  مطلع يونيو الفائت، بناء نحو 40,000 وحدة سكنية في شمال الضفة، و 10,000 وحدة في وسطها، و8,000 في منطقة "سنام الجبل"، بالإضافة إلى استئناف الاستيطان في مستوطنات أُخليت ضمن خطة "فك الارتباط"، مثل "سانور" و"حوميش" و"كاديم" و"غنيم".

ووفق الخطة، فهي تشمل مدينة استيطانية كاملة في عيبال، تتسع لثمانية آلاف وحدة، وبُنية تحتية شاملة تشمل مطارًا احتياطيًا ومتنزهات ومراكز دينية وتجارية، وصولاً لمستوطنة تُشكل ركيزة في مشروع فرض السيادة الذي تتبناه الحكومة الإسرائيلية الحالية تمهيداً لفصل نابلس عن محيطها وربطها بالمشروع الاستيطاني المركزي في الضفة.

تفريغ الأرض

محافظ مدينة نابلس غسان دغلس يصف خطة البناء الاستيطاني في جبل عيبال، بأنها استعمارية صرفة تسيطر على كل ما تقع عيونها عليه، خاصة نابلس التي تعتبر ثاني مدينة في الضفة وعاصمة اقتصادية لفلسطين، لافتاً أنها كمدينة محصورة بين الجبلين تطبقان عليها إطباق فكي كماشة، وتحشرانها وصولا للخنق والتهجير .

ويضيف دغلس أن كافة المخططات الاستيطانية، وفي مقدمتها استهداف عيبال، تصنف في غايات تحقيق الأطماع وتفريغ الأرض، بينما يتم نصب لوحات على الحواجز العسكرية مفادها "لا مستقبل بفلسطين".

وقال إن الغاية الرئيسية الوصول لمرحلة غياب الأفق السياسي والحياة الآمنة، في ظل أن المتصرف بالضفة وزراء وقادة جيش هم بالأصل مستوطنون.

ويعرب دغلس عن اعتقاده بأن الخطة لا تبتلع المساحة التي ستبنى عليها الوحدات الاستيطانية، بل تتجاوزها بالامتداد للمنطقة المحيطة ومخططات هيكلية واسعة على وقع رصد كل ما يتحرك في مدينة نابلس عبر الرقابة الأمنية.

وشهدت تلال جبل عيبال في العام 2020 اعتصامات لأهالي عصيرة الشمالية مالكي الأراضي في جبل عيبال ومحيطه، لمدة 78 يوما ضد بؤرة استيطانية أقيمت في المكان، وفق مدير مكتب وزارة الاعلام بنابلس ناصر جوابرة، الذي أكد صدور قرار بتفكيكها وقد تم ذلك.

وينفي جوابرة وجود أية مزاعم بوجود أماكن دينية في المنطقة، كاشفًا أن باحث الآثار الإسرائيلي آدم زرفال حاول التنقيب في المنطقة عن آثار مزعومة جوبهت بالمواجهة ومنع العمل فيها خاصة منطقة برناط.

ووفق جوابرة، أقيم معسكر عيبال في بدايات العام 1979، وقدم مالكو الأراضي من عصيرة الشمالية شكاوى للمحكمة العليا الإسرائيلية، التي طرحت فكرة استئجار الارض وقوبلت بالرفض، ومنحت الأهالي حق استخدام الطريق التي تم شقها وتنصل من تنفيذها الجيش.

وفيما بتعلق بمنطقة برناط الأثرية كواحدة من جغرافيا السيطرة، فهي تقع كاملة في المنطقة المصنفة ب ويملكها مواطنون من مدينة نابلس.

ويرى جوابرة أن هناك مخاطر محدقة في المنطقة أهمها منع المزارعين من الوصول لآلاف الدونمات المزروعة بالزيتون تنتج عصيرة من إجمالي زراعة الزيتون 500 طن في الموسم السنوي.

ويعرب عن خشيته من امتداد السيطرة الاستيطانية لمناطق كبيرة تصل إلى الشرق في المساكن الشعبية والتلال المجاورة، بينما الخطر الرئيسي هو قطع الطريق الواصل بين نابلس وجنين كحلقة وصل وحيدة بينهما في ظل الأوضاع القائمة.

أحياء نابلس في عين الخطر

ويعتبر أستاذ الجغرافيا السياسية أحمد رأفت غضية أن قيام المدينة الاستيطانية يمهد للسيطرة الخطيرة التي تطال أحياء نابلس المجاورة وتحويل حياتهم لجحيم.

ويؤكد غضية أن نابلس تشكل عقدة المواصلات في الضفة كنقطة مركزية تربط الشمال بالجنوب والشرق بالغرب، وبذلك يتم تقطيع أوصال المنطقة يضاف للتقطيع القائم ضمن المخطط المسمى خطة حسم الضفة وتقسيمها لكانتونات وتنفيذ التضييق الواسع وصولا للتهجير وهو ما صرحت به شخصيات رسمية وحكومية إسرائيلية.


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة