المحامي علي ابو حبله
تعيش الأراضي الفلسطينية أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة، تتفاقم يومًا بعد يوم في ظل انهيار القدرة الشرائية للمواطن، وارتفاع جنوني في أسعار السلع الأساسية، وانغلاق سوق العمل أمام آلاف العمال، فضلاً عن عدم انتظام الرواتب والاقتطاعات المستمرة منها. وبينما تتجه أنظار الناس إلى الحكومة للبحث عن حلول، يبرز في المشهد عاملان رئيسيان يفاقمان الأوضاع المعيشية: الاحتكار التجاري الجشع، وتحكم البنوك بالمقترضين عبر عقود الإذعان.
الوكيل الحصري والتجار المحتكرون.. اقتصاد مغلق بوجه المواطن
لا يخفى على أحد أن نظام الوكيل الحصري في فلسطين منح قلة قليلة من التجار صلاحية السيطرة الكاملة على دخول السلع إلى السوق، ما حوّلهم إلى “حيتان مالية” يتحكمون بالأسعار وفق مصالحهم الخاصة. هذا الاحتكار أضعف المنافسة، وأدى إلى رفع أسعار الطحين، والزيوت، والأدوية، وحتى السلع الأساسية بشكل يعجز المواطن عن تحمله في ظل تدني دخله.
البنوك وعقود الإذعان.. حلقة جديدة من الاستغلال
في المقابل، لم تسلم الطبقات الوسطى والفقيرة من ضغوط النظام المصرفي، إذ أصبحت البنوك تتحكم بالمقترضين من خلال عقود إذعان جائرة ترهن رواتب الموظفين وأملاكهم، وتفرض فوائد عالية وأقساطًا مرهقة دون مراعاة للأوضاع الاقتصادية المستفحلة. هذه السياسات دفعت العديد من الأسر إلى الوقوع في دوامة المديونية والعجز المالي.
ما المطلوب؟ حلول عملية وجريئة لكسر الحلقة المفرغة
في مواجهة هذا الواقع المأزوم، لا بد من تحرك حقيقي يتجاوز الحلول الترقيعية، عبر إجراءات عملية جريئة تعيد التوازن للسوق وتحمي المواطن من جشع المال والاحتكار:
✅ إلغاء قانون الوكيل الحصري بشكل تدريجي وفتح السوق أمام المنافسة النزيهة، مع دعم الاستيراد المباشر للشركات الصغيرة والمتوسطة لتكسير احتكار “حيتان السوق”.
✅ فرض ضريبة تصاعدية على الأرباح الاحتكارية للتجار الكبار والموردين الحصريين، وتوجيه إيراداتها لدعم السلع الأساسية للفئات الأكثر ضعفًا.
✅ تجميد مؤقت للفوائد المرتفعة على القروض ومراجعة عقود الإذعان البنكية، مع إطلاق مبادرة “إعادة جدولة الديون” للأسر المثقلة بالاقتراض.
✅ إنشاء صندوق سيادي وطني لدعم السلع الأساسية بالشراكة مع القطاع الخاص، بهدف ضمان أسعار عادلة للمستهلك الفلسطيني.
✅ تفعيل جهاز رقابي مستقل لرصد الأسعار وضبط التجاوزات في السوق، مع صلاحيات قانونية لمحاسبة المحتكرين والمتلاعبين بقوت الناس.
إن استمرار هذا الواقع دون إصلاح جذري يشكل قنبلة موقوتة تهدد السلم الاجتماعي، ما يستوجب إرادة سياسية قوية لتفكيك منظومة الاحتكار وكبح تغول البنوك، وإنقاذ ما تبقى من الاقتصاد الفلسطيني الهش.
تصميم وتطوير: ماسترويب 2016 |