تلفزيون نابلس
كوكا كولا
ترتيبات دوام الموظفين في ضوء الأزمة المالية الفلسطينية: قراءة في الأبعاد والدلالات
7/16/2025 10:43:00 PM

المحامي علي أبو حبلة

اتخذ مجلس الوزراء الفلسطيني قرارًا بتكليف رؤساء المؤسسات الحكومية بعمل الترتيبات اللازمة لدوام الموظفين وفقًا للظروف واحتياجات العمل. خطوة تبدو في ظاهرها تنظيمية، لكنها تحمل في طياتها أبعادًا إدارية وسياسية واقتصادية عميقة، وتكشف عن تداعيات الأزمة المركبة التي تواجهها السلطة الفلسطينية، خاصة في ظل أزمة الرواتب الخانقة والتحديات الأمنية واللوجستية التي تعصف بالضفة الغربية وقطاع غزة.

أولًا: البعد الإداري – بين التكيف والارتباك

على الصعيد الإداري، يعكس القرار إدراك الحكومة لصعوبة الالتزام بدوام كامل في ظل تعقيدات المرحلة الحالية. الأزمات المالية الناجمة عن احتجاز إسرائيل لأموال المقاصة والتحكم بمصادر التمويل الخارجي جعلت من انتظام دفع رواتب الموظفين أمرًا بالغ الصعوبة. النتيجة الطبيعية لذلك هي تراجع التزام الموظفين بالدوام، سواء بسبب الإحباط أو بسبب عدم قدرتهم على تحمل تكاليف التنقل في ظل غلاء المعيشة.

من هنا، يمثل القرار محاولة لتفادي شلل مؤسسي عبر منح رؤساء المؤسسات صلاحية ترتيب العمل وفقًا للأولويات والموارد المتاحة. غير أن هذا التحول نحو اللامركزية قد يواجه مخاطر إذا لم يرافقه إطار متابعة صارم لمنع التسيب وضمان استمرار تقديم الخدمات العامة للمواطنين.

ثانيًا: البعد الاقتصادي – إدارة العجز أم تأجيل الانفجار؟

اقتصاديًا، يبدو القرار استجابة مباشرة لضغوط الأزمة المالية التي تضرب أركان السلطة الفلسطينية. استمرار إسرائيل في حجز عوائد الضرائب (المقاصة) وسياسات الاحتلال التضييقية، إلى جانب التراجع الحاد في الدعم الدولي والعربي، دفع الحكومة إلى خفض نفقاتها التشغيلية، وفي مقدمتها فاتورة الرواتب التي تمثل أكثر من 60% من ميزانية السلطة.

ترتيب الدوام بهذه الصيغة قد يساعد على:

تقليل التكاليف التشغيلية (كالكهرباء، المياه، الوقود للمركبات الحكومية).

تخفيف الضغط على المواصلات العامة والخاصة في ظل الغلاء الفاحش.

لكن في المقابل، فإن استمرار العمل وفق هذه الترتيبات لفترة طويلة قد يؤدي إلى:

 تآكل الأداء المؤسسي وفقدان الانضباط الوظيفي.

تنامي الاقتصاد الموازي مع لجوء الموظفين إلى أعمال جانبية لتعويض انخفاض الدخل.

تفاقم شعور المواطنين بانهيار الخدمات العامة، بما يضعف ثقة المجتمع بالسلطة.

ثالثًا: البعد السياسي – قراءة ما بين السطور

سياسيًا، القرار يحمل إشارات مهمة:

1. إدارة الأزمة بدلًا من حلها: الحكومة تبدو في موقع رد الفعل أمام أزمتين متداخلتين: أزمة مالية خانقة وأزمة سياسية مع الاحتلال. القرار يعكس محاولات احتواء تداعيات هذه الأزمات على الأرض، لكنه لا يقدم حلولًا استراتيجية.

2. توزيع المسؤولية وتخفيف الضغوط: بإلقاء الكرة في ملعب رؤساء المؤسسات، تحاول الحكومة تفادي مواجهة مباشرة مع الموظفين الغاضبين، خاصة وأن قضية الرواتب أصبحت ملفًا حساسًا يهدد الاستقرار الوظيفي والاجتماعي.

3. إشارة لحالة طوارئ غير معلنة: الترتيبات الخاصة بالدوام قد تعكس استعدادًا لمرحلة أكثر صعوبة قد تشمل تصعيدًا أمنيًا في الضفة الغربية أو تفاقمًا في الوضع المالي.

التداعيات والتوصيات

في ضوء ما سبق، يمكن رصد التداعيات التالية:

إيجابية: استمرار الحد الأدنى من الخدمات العامة وتخفيف العبء عن الموظفين.

سلبية: مخاطر انهيار هيكلية مؤسسات الدولة إذا استمر غياب الحلول المالية والسياسية المستدامة.

لذلك، من الضروري أن ترافق القرار الإجراءات التالية:

1. وضع آلية مركزية للمتابعة والتقييم لضمان عدم استغلال القرار للتسيب الوظيفي.

2. البحث عن حلول مالية بديلة، سواء من خلال تحريك الملف سياسيًا دوليًا أو البحث عن دعم عربي لتأمين شبكة أمان مالية.

3. تحديد سقف زمني واضح لهذه الترتيبات حتى لا تتحول إلى أمر واقع يكرّس الفوضى المؤسسية.

وعليه ان خطوة تكليف رؤساء المؤسسات الحكومية بترتيب دوام الموظفين هي انعكاس مباشر لعجز السلطة الفلسطينية عن مواجهة أزمتها المالية الهيكلية، ونتاج لحالة الخنق المالي التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي. لكنها أيضًا مؤشر على مرونة إدارية لمحاولة ضمان الحد الأدنى من استمرارية المؤسسات. ما بين الانضباط والتسيب، وبين إدارة الأزمة والانفجار الشعبي، تقف السلطة أمام تحدٍ وجودي يتطلب قرارات أكثر جرأة على المستويين السياسي والاقتصادي، وإلا فإن الانهيار المؤسسي سيكون مسألة وقت فقط.

 


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة