المحامي علي أبو حبله
تواجه البنوك الفلسطينية اليوم تحديات غير مسبوقة نتيجة تعقيدات الاقتصاد الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال الإسرائيلي، وتحديدًا بسبب السياسات العقابية الإسرائيلية التي تعرقل عمل المنظومة المصرفية، مما انعكس سلبًا على التجار والحركة التجارية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. هذه السياسات، المخالفة للقانون الدولي، تستهدف تقويض مقومات الصمود الاقتصادي للشعب الفلسطيني، الأمر الذي يستدعي تدخلًا عاجلًا من المجتمع الدولي ومراجعة إستراتيجية فلسطينية شاملة.
أولاً: السياق القانوني للإجراءات الإسرائيلية
بموجب اتفاقيات جنيف الرابعة لعام 1949، تتحمل إسرائيل بصفتها قوة احتلال المسؤولية الكاملة عن ضمان حياة السكان المدنيين في الأراضي المحتلة وتسهيل النشاط الاقتصادي وعدم عرقلته. المادة (47) من الاتفاقية تنص على بطلان أي تدابير تتخذها القوة المحتلة لتغيير الأوضاع الاقتصادية والديموغرافية.
كما أن اتفاقية باريس الاقتصادية لعام 1994، المرفقة باتفاق أوسلو، تلزم إسرائيل بعدم تعطيل عمل النظام المصرفي الفلسطيني أو تقييد تدفق الأموال بين الضفة الغربية وقطاع غزة والعالم الخارجي. ومع ذلك، تمارس إسرائيل سياسات أحادية الجانب أبرزها:
حجز أموال المقاصة المستحقة للسلطة الفلسطينية.
منع أو تأخير إدخال السيولة النقدية (الشيكل والدولار) إلى البنوك الفلسطينية، خاصة في غزة.
فرض قيود على الحسابات البنكية للتجار الفلسطينيين، والتلويح بعقوبات على بنوك تتعامل مع مؤسسات أو أفراد في القطاع.
هذه الممارسات تعتبر عقوبات جماعية يحظرها القانون الدولي بموجب المادة (33) من اتفاقيات جنيف.
ثانياً: التداعيات الاقتصادية على الحركة التجارية
1 شلل في السيولة النقدية أدى إلى انكماش حاد في الحركة التجارية وتراجع قدرة التجار على استيراد البضائع.
2 زيادة الكلف التمويلية نتيجة تشدد البنوك المحلية في الإقراض خوفًا من مخاطر التعثر، مما يعمق أزمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة.
3 هروب رؤوس الأموال وتفضيل الاقتصاد الموازي (غير الرسمي) كبديل عن التعامل البنكي، وهو ما يعرض الاقتصاد لمزيد من الفوضى.
4 تراجع القدرة الشرائية للمستهلكين نتيجة تأخر صرف الرواتب والسياسات التقشفية التي تتبعها الحكومة الفلسطينية.
ثالثاً: رؤية إستراتيجية للتحرك
أمام هذه التحديات، ينبغي على الحكومة الفلسطينية وسلطة النقد التحرك ضمن مسارين متوازيين:
(أ) مسار داخلي فلسطيني
تعزيز السيولة النقدية عبر إصدار سندات خزينة داخلية قصيرة الأجل مضمونة من الحكومة لتأمين التمويل الطارئ للتجار وأصحاب الأعمال.
توسيع نطاق الخدمات المصرفية الرقمية لتجاوز القيود الإسرائيلية على النقد الورقي.
إطلاق صندوق طوارئ تجاري بالشراكة مع القطاع الخاص لدعم المنشآت المتضررة من السياسات الإسرائيلية.
(ب) مسار خارجي دولي
تحريك دعاوى قانونية دولية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية استنادًا إلى اتفاقيات جنيف واتفاقية باريس.
التوجه إلى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة لمطالبة إسرائيل بوقف سياساتها التعسفية التي تعرقل الاقتصاد الفلسطيني.
تفعيل شبكة أمان مالية عربية ودولية عبر التنسيق مع الدول المانحة والبنوك العربية لتأمين بدائل للتحويلات المالية.
نداء إلى المجتمع الدولي
إن استمرار الإجراءات الإسرائيلية ضد المنظومة المصرفية الفلسطينية يشكل تهديدًا وجوديًا للاقتصاد الفلسطيني ويقوض أي أفق لحل سياسي عادل قائم على مبدأ دولتين تعيشان جنبًا إلى جنب بسلام. يتحتم على الأطراف الدولية، خاصة الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، ممارسة ضغط حقيقي على إسرائيل لإلزامها باحترام التزاماتها القانونية ووقف سياسات العقاب الجماعي بحق الشعب الفلسطيني.
مقترح عملي: تشكيل فريق وطني من خبراء اقتصاديين وقانونيين فلسطينيين لإعداد ورقة ضغط شاملة تقدم إلى المانحين والمجتمع الدولي وتستخدم كأداة تفاوضية في مواجهة إسرائيل.
تصميم وتطوير: ماسترويب 2016 |