تلفزيون نابلس
كوكا كولا
"طولكرم بين قيود الاحتلال والفراغ الأمني: جريمة مروعة تكشف خطر الانفجار المجتمعي"
7/4/2025 8:30:00 PM

بقلم: المحامي علي أبو حبلة

 اهتزت مدينة طولكرم مؤخرًا على وقع جريمة مروعة أدت إلى مقتل شاب وإصابة والده بجروح خطيرة إثر شجار عنيف، في وقت تعيش فيه المدينة فراغًا أمنيًا مقلقًا نتيجة سياسات الاحتلال الإسرائيلي التي شلّت عمل الأجهزة الأمنية الفلسطينية وحاصرت المجتمع الفلسطيني اقتصاديًا واجتماعيًا.

الاحتلال يخلق الفراغ الأمني ويغذي الفوضى

تفرض إسرائيل على طولكرم قيودًا مشددة باعتبارها "منطقة عسكرية مغلقة"، حيث تمنع قوات الأمن الفلسطينية من الانتشار بالزي الرسمي، وتحدّ من تحركاتهم داخل المدينة، ما جعل التواجد الأمني الفلسطيني مقتصرًا على عناصر بملابس مدنية، وهو ما لا يحقق الردع المطلوب ولا يوفر الطمأنينة للمواطنين.

هذا الوضع سمح بانتشار مظاهر الانفلات وغياب القانون، إذ لم يعد المواطن يرى قوة قادرة على بسط النظام، في حين يستغل الاحتلال هذه الفوضى لشرعنة المزيد من تدخلاته العسكرية بذريعة "ضبط الأمن".

المسؤولية القانونية للاحتلال وفق اتفاقيات أوسلو وجنيف

اتفاقيات أوسلو (19931995):

نصت على أن تكون المسؤولية الأمنية في مناطق (A) مثل طولكرم بيد السلطة الفلسطينية، لكن إسرائيل تخرق هذا الترتيب عبر اقتحامات متكررة وقيود على تحركات الشرطة الفلسطينية، ما جعلها عاجزة عن القيام بمهامها.

اتفاق أوسلو II (1995) – المادة الرابعة (ترتيبات الأمن):

"للسلطة الفلسطينية الصلاحيات الكاملة للحفاظ على النظام العام والأمن الداخلي للفلسطينيين في مناطق A".

لكن هذه الصلاحيات باتت معطلة بفعل سياسات الاحتلال التي أفرغت الاتفاق من مضمونه.

اتفاقية جنيف الرابعة (1949):

المادة 43:

"تقع على عاتق قوة الاحتلال مسؤولية استعادة وضمان، قدر الإمكان، النظام العام والحياة العامة".

المادة 27:

"على قوة الاحتلال أن تحمي السكان المدنيين وضمان سلامتهم".

إسرائيل، باعتبارها القوة القائمة بالاحتلال، تتحمل المسؤولية الكاملة عن حماية السكان، لكن الواقع يبيّن أنها تنتهج سياسة متعمدة لزعزعة الأمن الداخلي وتدمير البنية الاجتماعية الفلسطينية.

الأزمة الاقتصادية وقود للفلتان المجتمعي

يواجه أهالي طولكرم أزمة معيشية خانقة:

45% بطالة بين الشباب وفق أحدث تقارير الإحصاء الفلسطيني.

 56% من الأسر تعيش تحت خط الفقر بسبب غلاء المعيشة وفرض ضرائب مباشرة وغير مباشرة.

تضاعف الأسعار بنسبة 38% خلال العامين الماضيين بفعل حصار الاحتلال وسياسات مالية داخلية قاسية.

هذه الأرقام الكارثية ولّدت ضغطًا نفسيًا واجتماعيًا، جعلت المجتمع أكثر هشاشة، وأي خلاف بسيط أكثر قابلية للتحول إلى عنف دامٍ، كما حدث في الجريمة الأخيرة.

توصيات عاجلة قبل الانفجار

1. فك القيود الإسرائيلية عن الأجهزة الأمنية الفلسطينية وتمكينها من العمل بكامل صلاحياتها وارتداء زيها الرسمي.

2. تفعيل سيادة القانون وملاحقة الخارجين عنه دون استثناءات.

3. تحميل إسرائيل المسؤولية الدولية عن هذا الفراغ الأمني وفق اتفاقيات جنيف، وإحالة الانتهاكات للمحاكم والمنظمات الدولية.

4. إطلاق خطة إنقاذ اقتصادي واجتماعي لمواجهة البطالة والفقر قبل انهيار النسيج المجتمعي بالكامل.

طولكرم اليوم ليست فقط ضحية سياسة الاحتلال، بل ضحية تعمد قوات الاحتلال إلى تفريغ المدينة من الأمن والقانون، لتبرير مزيد من السيطرة والقمع. استمرار هذا الواقع سينقل المجتمع الفلسطيني من أزمة إلى انفجار لن يُحمد عقباه، ما لم يتم التحرك بشكل عاجل على المستويات القانونية والسياسية والاقتصادية.


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة